بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 27 سبتمبر 2016

العدد 8 لسنة 2016 ... (قد فقدناه ولله البقاء) ... للشاعر علاء الأديب



العدد 8 لسنة 2016
 
(قد فقدناه ولله البقاء)

للشاعر علاء الأديب



 
في مثل هذا اليوم..

في الثامن والعشرين من ايلول عام 1970 منيّت الأمه العربيه المجيده بأفدح خساره في
تأريخها
الحديث ..
لقد فقدت في ذلك اليوم رجلا من الرجال اللذين ضمت الأرض رفاتهم واحتفظت منهم السماء بالألق
الذي لن ينطفيء ابدا..
إلى روح الزعيم الخالد جمال عبد الناصِر رحمه الله

راحَلٌ مازالَ حَيّاً...
في ضَميرِ الشُرَفاءْ...
وَلَدَتهُ أَمَةُ العُرب ِبأمِرِ اللهِ..
مِن رَحْمِ الشّقاءْ
أُمُهُ العِزّةُ كانتْ...
وأبوهُ الكِبرِياءْ
لم يَكُن فَرداً..ولكنْ
اُمَةً قَد جَمَعَ اللهُ بِها...
كَلَّ الإباءْ
لم يَكُن مِن مِصرَ لكِن ..
مِن جميع الوطَنِ الأكبَرِ...
مِن كُلِّ انتماءْ
كانَ يَجري..
بِعروقِ الأُمَةِ الكُبرى دِماءْ
دَجلَةً كانَ ، وَنيلاً، وَفُراتاً،..
كانَ ماءْ ....
كانَ نَبضَ الشَّعبِ ..
بل كانَ الهَواءْ
أمَلاً كانَ وَحُلماً.....َوَِرَج اءْ
رَجُلاً قد مَنَحَ التأريخَ زَهواً..وَعَلاءْ
فانحنى التأريخُ شُكراً وَثَناءْ
للّذي أوقَدَ شَمسَ العُربِ
مِن بَعدِ انطفاء..
كانَ أِحساساً لِكُلِ الناسِ..
في كُلِّ قَضاءْ...
عِندما يَفرَحُ..
يشدو الشَعبُ ألوانَ الغِناءْ
عِندَما يَحزَنُ..
تَبكي الأرضُ حُزناً، والسّماءْ
ودموعُ الناسِ تَغدو..
مِثلَ أمطارِ الشتاءْ..
لم يَكُن يَسكُنُ بَيتاً..
فَلَهُ في كُلِّ قَلبٍ ألفُ بَيتٍ
مِن قلوبِ الأوفِياءْ...
لَم يَكُن يَلبَسُ ثَوباً....
غَيرَ ثَوبِ الثائِرين الشُرَفاءْ
لم يَكُن يَنهَجُ نَهجَ الأدعياءْ
نَهَجَ الصِدقَ طَريقاً ...
والتَحَدّي ...والفِداءْ
فرأى سَيْناءَ والقُدسَ سَواءْ
حَمَلَ السَيفَ وَنادى بالجموعْ
آنّ للمَسلوبِ حينٌ للرجوعْ
أِنّما المَسلوبُ لا يَرجَعُ يوماً بالدموعْ
لايُعيدُ القُدسَ أِيقادُ الشموعْ
ليسَ يَرضى اللهُ يوماً بالخنوعْ
فاستَفيقوا وَكفانا أُمَةَ العُربِ خضوعْ
فاستفاقَ العُربُ مِن نَومٍ عَميقْ
واستَعادوا ذكرياتِ الفَتحِ..
في الماضي السَحيقْ ..
وَرَسولَ اللهِ في الحَربِ ينادي لاطَريقْ....غَيرَ هذا السيفِ
للبَيتِ العَتيقْ..

ذلكَ العِملاقُ ..قد شاءَ القَضاءْ
أنْ يُسَجّى جَسَداً...
والروحُ تَرقى للسَماءْ
ناصِرٌ ما ماتَ لكن ..
ماتَ فينا الكبرياءْ..
قد فَقَدنا كُلَّ ما أيقَظَ فينا من أِباءْ
وَرَجَعنا للوراءْ...
واحتفظنا مِنهُ بالذكرى
وَما نَفعُ البُكاءْ..
عَزِّنا يادَهرُ....وابكي ياسَماءْ
قد فَقَدناهُ ..
وللهِ البَقاءْ

علاء الأديب

 

السبت، 24 سبتمبر 2016

عدد خاص ,,, نهاية مأساة ايوب الشعر قصة الأيام الأخيرة من حياة السيّاب بقلم : علاء الأديب





عدد خاص

نهاية مأساة ايوب الشعر

قصة الأيام الأخيرة من حياة السيّاب

بقلم : علاء الأديب




لم تكن الأيام الأخيرة من حياة السياّب المكتضّة بالفاقة والحاجة والمرض بأفضل من أيام عمره التي عاشها تحت وطأة ما ذكر مضافا اليها الغربة وما تخلفه في نفس الإنسان وخاصة الإنسان الشاعر من آلام نفسيّة تكاد تكون في اغلب الأحيان اقسى وأشدّ من أمراض جسده وأعضاء جسده.
السياب الذي عاش حياته مطاردا محتقرا سليبا في بلاده وبعد أن استفحل الداء بجسمه السقيم أضطر الى ان يترك بلاده ليلجأ بكلّ أحماله من الأسى للكويت حيث المحطة الأخيرة لحياة لم يكن لها لون غير القتامة وطعم غير الحنظل ورائحة غير رائحة الداء والعقاقير .
وهناك وتحديدا في المستشفى الأميري في الكويت لفظ السيّاب انفاسه الأخيرة بحثا عن الراحة الأبدية .
كيف عاش السياب ايامه الأخيرة؟
كيف انتظر الموت بصبر أيوب؟
هذه الأسئلة لم تكن الإجابات عنها كافية بأشعار السيّاب ولم تكن وافية ببحوث الباحثين عنها فكثير من الباحثين يجهلون التفاصيل البسيطة التي كانت لها تأثيراتها الكبيرة على حياة السياب في ايامه الأخيرة.
وهناك من كان يعلم بها لكنّه اضطر الى الإقفال عليها خوفا من خدش صورة السيّاب الرمز وهو يعاني الجوع والمرض والغربة . أو خوفا ممن تسبب له بالكثير من هذا من اصحاب السلطة والجاه الذين كانوا يتربعون على عروش القرار.
لقد كان في الأيام الأخيرة من حياة السيّاب ما يفضح الكثيرين ممن ذكرناهم .
ولكنّ الله سبحانه وتعالى شاء أن يسخر للإنسانيّة من تحدث عن كلّ تفاصيل الأيام الأخيرة للسيّاب بعد عقدين من الزمن من وفاته .
إنّه الشاعر الكويتي علي السبتي صديق السيّاب ورفيقه في تلك الأيام .


السبتي والسيّاب:
...................
كان السبتي  صديق  السياب وكان معجبا بأشعاره قبل ان يلتقيه.وعندما التقى به في البصرة لأول مرّة ازداد اعجابه به لما يمتاز به من خلق رفيع وكرم كبير رغم فقر حاله وعوزه.ومنذ ذلك اليوم اصبح السيّاب من اعزّ اصدقائه.
لكنّ الأيام والجغرافيا قد فارقت بينهم لفترة طويلة من الزمن.


مجلة الحوادث اللبنانيّة
..........................
 وبعد أن فارق السبتي  السياب بأعوام قرأ في مجلة (الحوادث) اللبنانيّة
مقالا للأستاذ (الياس سحاب) يتحدث فيه عن حالة السيّاب المرضيّة وعن عدم تمكنه من توفير الدواء الكافي للعلاج .وانه مهمل في المشافي وطريق الموت متسع امامه.ولقد هزّ هذا المقال مشاعر السبتي وأثار في نفسه الغيرة على صديقه الأعزّ فكتب مقالا في صحيفة (صوت الأمة )الكويتية يتضمن طلبا الى وزير الصحة الكويتية انذاك لتبني علاج السيّاب في احدى مشافي الكويت . ولقد حضيّ مقاله باهتمام الوزير فهاتفه طالبا منه عنوان السيّاب لغرض اجراء اللازم .


البحث عن السيّاب:
.......................
بعد البحث الطويل عن السيّاب علم السبتي بأنّ السياب كان يتلقى العلاج بمدينة (درم) البريطانيّة ولقد غادرها بعد ان عجز عن  تسديد نقفات العلاج الى جهة مجهولة.
فقام السبتي بدوره بإعلام وزير الصحة بهذا واعلمه بأنّه سيستمر بالبحث عن السياب وسيعلمه بكلّ المستجدات.ولأنّ السبتي لم يصل لأيّة معلومات عن صديقه فقد قرر ان يشدّ الرحال الى البصرة للبحث والأستقصاء عنه وفعل هذا فعلا بعد فترة قصيرة .


السيّاب في المستشفى الجمهوري بالبصرة:
................................................
:
ما أن وصل السبتي البصرة حتى بدأ بحثا حثيثا عن السيّاب فوصلته معلومات تفيد بأنه يرقد في المشفى الجمهوري هناك .فذهب بالفور اليه فوجده يعاني هناك من الإهمال الشديد حيث لا علاج ولا نظافة ولا اهتمام .كانه كشجرة مهملة تيبست اوراقها
فعرض عليه الإنتفال الى المستشقيات الكويتية لأنّها افضل بكثير من المشافي العراقيّة انذاك. وأعلمه بما توصل إليه مع وزير الصحة الكويتي . وإن الوضع هناك سيكون مختلفا من حيث توفر العلاج والاهتمام والغرفة الخاصة والطبيب الخاص.وكان كلّ ذلك رفعا لمعنوياته المتحطمة ولكي يستعيد الأمل بالشفاء رغم انّ الأمل بالشفاء من مرضه لم يكن له وجود عمليّ.
وما ان اتممت حديثي وافق السيّاب على الفور .


الأتصال بوزير الصحة الكويتي ونقل السياب للكويت:
...................................................................
بادر السبتي على الفور بالإتصال بوزير الصحة ليخبره بعثوره على السيّاب في البصرة
واعلمه بأنّه سيقوم بنقله الى الكويت فرحب الوزير بذلك وقال مرحبا نحن بانتظاره.
وترك السبتي السياب عائدا للكويت ليهيء له مع وزارة الصحة اجراءات استقباله.
وبالفعل نقل السياب من البصرة الى الكويت في العاشر من شهر حزيران عام 1964.
وكانن السبتي باستقباله برفقته كل من الأستاذ ناجي علوش والأستاذ فاروق شوشة.
وقد اصطحبوا السيّاب اولا الى مستشفى سالم الصباح.


قرار اللجنة الطبيّة في مشفى سالم الصباح
..............................................
مأن وصل السيّاب برفقة مستقبليه الى مشفى سالم الصباح تولت اللجنة المكلفة بفحصه وتقييم حالته الصحيّة الى ما كانت قد توصلت اليه اللجان التي فحصته في فرنسا وبريطانيا والعراق وليس هنالك من اختلاف بين هذه الأطراف ومشفى سالم الصباح حول تقييم حالة السيّاب الصحيّة.
حالة السياب كانت متدهورة للغاية وفترة علاجه ستكون طويلة جدا .
كما انّ السيّاب كان بحاجة سريعة الى عمليّة جراحية عاجلة لم تكن مشفى سالم الصباح مهيئة لإجرائها ويمكن ان تجرى له بالمشفى الأميري بالكويت .لذا قام السبتي بإجراء الإتصالات اللازمة للحصول على الموافقة على نقل السياب الى تلك المشفى وتحصل فعلا على الموافقة بأسرع مايمكن.


السيّاب في المشفى الأميري بالكويت:
...........................................


في المشفى الأميري بالكويت تمّ اجراء الفحوصات اللازمة للسيّاب وقد خلصت اللجنة الطبيّة التي قامت بفحصه بذات ماخلصت اليه التقارير الصادرة عن المشافي التي لجأ اليها.
وقد تولى الإشراف المباشر على السياب في المشفى الأميري الدكتور (محمد ابو الشوك) وهو طبيب مصري مختص بالأمراض الباطنيّة ويساعده الدكتور (عبدالله مبارك الرفاعي)
وهو طبيب كويتي بذات الإختصاص.




مرض بدر وأسبابه:
........................
تفيد النقارير الطبيّة
إنّ السيّاب قد أصيب بالشلل النصفي لسببين :
السبب الأول كان بسبب مرض وراثي ورثه من افراد عائلته نساء ورجالا.
أما السبب الآخر فقد كان المرض المزمن الذي اصيب به منذ صباه.
هذا ماذكره الأستاذ (عيسى بلاطة ) بكتابه عن السيّاب بعد أن اطلع على نتائج فحص السياب في المشفى الأميري.




يداوي الداء بالحب:
.....................
عندما سؤل السبتي عن صحة ماورد عن السيّاب بأنّه كان في حالة حب مستمرة حتى وهو طريح فراش مرضه أجاب :
لم تكن علاقات السيّاب مع غير زوجته علاقات حبّ كما يدعي الآخرون ولكنها كانت حالات ارتياح من مريض لايرجى شفاؤه مع من كانت تعالجه من الممرضات.
ولقد كان السياب دائم الحديث عن الحبّ وعن المرأة وجمال المرأة .


وعن قصة حب بدر لليلى :
......................................
لقد أحب بدر الممرضة اللبنانية التي كانت تتابع حالته الصحيّة في مستشفى بيروت
وكان يعتقد بأنّها تبادله ذات الحب .
و عندما أخبرالشاعر السبتي السياب بأنه ذاهب الى لبنان بعمل عاجل فأوصاه السياب بأن يذهب الى المستشفى الذي كان يرقد فيه في بيروت ليسلم له على ليلى .ولما التقى السبتي بليلى اخبرته بأنه لم تكن تبادل السيّاب الحب بل كانت تعطف عليه لما هو عليه من حال مرضيّة.
ولقد احزنت ليلى السبتي لما قالته فطلب منها السبتي أن تتواصل مع السياب ولو بالرسائل فهو محتاج لحبّها الذي يعيشه أملا ودواء لدائه.حتى اقنعها بذلك.فكتبت ليلى للسياب رسالة تسأل فيها عنه.


عودة السبتي للكويت:
.........................
عاد السبتي للكويت حاملا للسياب رسالة من ليلى وهو يرجو ان ان يكون لتلك الرسالة تأثيرا نفسيا ايجابيا على صحته .
وما أن عاد ذهب للسياب في المشفى فسأله السياب عنها فقبّله السبتي من جبينه وقال له هذي قبلة مني فقد اشتقت لك.وهذه الثانيّة من ليلى التي ارسلتها لك معي.
فكادت الفرحة تغرّد في عيون السيّاب واحسّ بأنه أخف من فراشة محلقة في الفضاء.
وبالحال طلب من السبتي ورقة وقلم وقال له اكتب:


قرّب بعينيكَ منّي دون إغفاءِ.....................وخلّني اتملّى طيف أهوائي
أبصرتها كادت الدنيا تفجر في.....................عينيك شموسا ذات لألاءِ
أبصرت ليلى ،فلبنان الشموخ على .......عينيك يضحك ازهارا لأضواءِ
إنّي سالمتها في بؤبؤيك كمن .................يفبّل القمر الفضيّ ف المساءِ
ليلى هواي الذي راح الزمان به...................وكاد يفلت من كفيّ بالداءِ
حنانها كحنان الأم دثرني..................فأذهب الداء عن قلبي وأعضائي



الأيام الأخيرة من حياة السيّاب:
.......................................

انتهت اشهر صيف عام 1964 واتت اشهر الخريف وقد اشتد المرض بالسياب . دخل السبتي عليه في غرفته بالمشفى الأميري فسمعه  يردد شعرا وكأنه يريد من احد أن يكتبه قصيدة موجهة الى علي بن أبي طالب يستنجده فيها ليعينه على تحمل الألم .
كما أنه كتب رسالة على شكل قصيدة موجهة الى الأمير عبدالله السالم الصباح يرجو فيها امير الكويت لمساعدته على العلاج في سويسرا التي سمع السياب بأن فيها من المشافي مايمكن ان تعالج داءه.
وقد آثر السبتي أن يخفي تلك الرسالة وخاصة بعد وفاة السياب لكونها كانت قصيدة توسليّة لا تليق به لكنه اجبر عليها لشدة سطوة الوجع. ولّما طلب منّه  السيد جهاد فاضل محرر القسم الثقافي في مجلة الحدث بعد عشرين عاما من وفاته اعطاه السبتي تلك القصيدة فنشرها فأحدثت تلك القصيدة ضجّة كبيرة في الأوساط الثقافية  على امتداد الوطن العربي . وراح بعض من النقاد والأدباء يشتم السياب أو ينتقده لأنه كتب تلك القصيدة التوسليّة.

كان السيّاب في ايامه الأخيرة شديد الخوف من الشيوعين وقد كان يردد دائما (انّهم قتلة) .
وفي يوم من الأيام اتصل بصديقه السبتي قائلا له :أريد حمايتك فالشيوعيون يريدون قتلي.


السياب فقد الذكرة بأيامه الأخيرة:
..............................................

فقد السيّاب ذاكرته جزئيا في ايامه الأخيرة وقد كانت تصيبه حالات غيبوبة ومع ذلك فقد كان يقرأ شعره باللغة الإنجليزية
وقد حاول صديقه السبتي أن يسجل له شيئا من تلك القراءات الاّ انه لم يفلح بسبب عدم وضوح صوت السياب المجهد .


لقد كان السياب الشاعر الإنسان عاطفيا في كلّ شيء .وكنت حياته مليئة بالشعر والحب والوجع والخوف والمعاناة . حمل كل هذا معه ورحل الى العالم الآخر ليترك بعد اجيالا تتحدث عمّن صتع الشعر الجديد قبل ان يشهده صرحا تمتد اعمته في كل جزء من اجزاء الأمة العربيّة.



السيّاب والحنين للعراق:
.....................................
مع اشتداد الداء بالسيّاب اشتد حنينه لوطنه ولأهله ولأطفاله وبدأ ينظم فيهم الشعر في حالات الهدنة مع الوجع والتي لاتكاد ان  تكون الا بضعة ساعات من كل يوم طويل.

كتب لأبنه الصغير غيلان
...................................
أسمعه يبكي يناديني

في ليلي المستوحد القارس

يدعو أبي كيف تخلّيني

وحدي بلا حارس

غيلان لم أهجرك عن قصد

الداء يا غيلان أقصاني

إني لأبكي مثلما أنت تبكي في الدجى وحدي

ويستثير الليل أحزاني

فكلما مرّ نهار و جاء

ليل من البرد

ألفيتني أحسب ما ظلّ في جيبي من النقد

أيشتري هذا القليل الشفاء ؟

سأطرق الباب على الموت في دهليز مستشفى

في البرد و الظلماء و الصمت

سأطرق الباب على الموت

في برهة طال انتظاري بها في معبر من دماء

و أرسل الطرفا

فلا أرى إلا الدجى و الخواء

يا ويلتي إن يفتح الباب

فأبصر الأموات من فرجته

يدعونني مالك ترتاب

بالموت ؟في هجعته

ما يعدل الدنيا و ما فيها

دفء نعاس خدر و ارتخاء

أوشك أن أعبر في برزخ من جامدات الدماء

تمتدّ نحوي كفّها كف أمي بين أهليها

لا مال في الموت و لا فيه داء

ثم تسدّ الباب كفّ الطبيب

تجرح في جسمي

و هاتفا باسمي

أسمع صوتا ناعسا قد أجيب

فيهزم الموت على صوتي

وربما استسلمت للموت .

ومن الجدير بالذكر بأن السيّاب قد كتب قصيدته الشهيرة (غريب على الخليج )أيام تواجده في الكويت  لتلقي العلاج. فكانت قصيدة تضجّ بالحنين الى الأهل والوطن وقد عبّرت  الصور الشعريّة فيها على مدى ذلك الأشتياق الجارف الذي يشعر به من كان يشعر بأنه لن يعود لوطنه ولأهله الّاجنازة.

الريح تلهث بالهجيرة كالجثام، على الأصيل

و على القلوع تظل تطوى أو تنشّر للرحيل

زحم الخليج بهنّ مكتدحون جوّابو بحار

من كل حاف نصف عاري

و على الرمال ، على الخليج

جلس الغريب، يسرّح البصر المحيّر في الخليج

و يهدّ أعمدة الضياء بما يصعّد من نشيج

أعلى من العبّاب يهدر رغوه و من الضجيج"

صوت تفجّر في قرارة نفسي الثكلى : عراق

كالمدّ يصعد ، كالسحابة ، كالدموع إلى العيون

الريح تصرخ بي عراق

و الموج يعول بي عراق ، عراق ، ليس سوى عراق ‍‍

البحر أوسع ما يكون و أنت أبعد ما يكون

و البحر دونك يا عراق

بالأمس حين مررت بالمقهى ، سمعتك يا عراق

وكنت دورة أسطوانة

هي دورة الأفلاك في عمري، تكوّر لي زمانه

في لحظتين من الأمان ، و إن تكن فقدت مكانه

هي وجه أمي في الظلام

وصوتها، يتزلقان مع الرؤى حتى أنام

و هي النخيل أخاف منه إذا ادلهمّ مع الغروب

فاكتظّ بالأشباح تخطف كلّ طفل لا يؤوب

من الدروب

وهي المفليّة العجوز وما توشوش عن حزام

وكيف شقّ القبر عنه أمام عفراء الجميلة

فاحتازها .. إلا جديلة

زهراء أنت .. أتذكرين

تنّورنا الوهّاج تزحمه أكف المصطلين ؟

وحديث عمتي الخفيض عن الملوك الغابرين ؟

ووراء باب كالقضاء

قد أوصدته على النساء

أبد تطاع بما تشاء، لأنها أيدي الرجال

كان الرجال يعربدون ويسمرون بلا كلال

أفتذكرين ؟ أتذكرين ؟

سعداء كنا قانعين

بذلك القصص الحزين لأنه قصص النساء

حشد من الحيوات و الأزمان، كنا عنفوانه

كنا مداريه اللذين ينام بينهما كيانه

أفليس ذاك سوى هباء ؟

حلم ودورة أسطوانة ؟

إن كان هذا كلّ ما يبقى فأين هو العزاء ؟

أحببت فيك عراق روحي أو حببتك أنت فيه

يا أنتما - مصباح روحي أنتما - و أتى المساء

و الليل أطبق ، فلتشعّا في دجاه فلا أتيه

لو جئت في البلد الغريب إلى ما كمل اللقاء

الملتقى بك و العراق على يديّ .. هو اللقاء

شوق يخضّ دمي إليه ، كأن كل دمي اشتهاء

جوع إليه .. كجوع كلّ دم الغريق إلى الهواء

شوق الجنين إذا اشرأبّ من الظلام إلى الولادة

إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون

أيخون إنسان بلاده؟

إن خان معنى أن يكون ، فكيف يمكن أن يكون ؟

الشمس أجمل في بلادي من سواها ، و الظلام

حتى الظلام - هناك أجمل ، فهو يحتضن العراق

واحسرتاه ، متى أنام

فأحسّ أن على الوسادة

من ليلك الصيفي طلاّ فيه عطرك يا عراق ؟

بين القرى المتهيّبات خطاي و المدن الغريبة

غنيت تربتك الحبيبة

وحملتها فأنا المسيح يجرّ في المنفى صليبه ،

فسمعت وقع خطى الجياع تسير ، تدمي من عثار

فتذر في عيني ، منك ومن مناسمها ، غبار

ما زلت اضرب مترب القدمين أشعث ، في الدروب

تحت الشموس الأجنبية

متخافق الأطمار ، أبسط بالسؤال يدا نديّة

صفراء من ذل و حمى : ذل شحاذ غريب

بين العيون الأجنبية

بين احتقار ، و انتهار ، و ازورار .. أو ( خطيّة)

و الموت أهون من خطّية

من ذلك الإشفاق تعصره العيون الأجنبية

قطرات ماء ..معدنيّة

فلتنطفي، يا أنت ، يا قطرات ، يا دم ، يا .. نقود

يا ريح ، يا إبرا تخيط لي الشراع ، متى أعود

إلى العراق ؟ متى أعود ؟

يا لمعة الأمواج رنحهن مجداف يرود

بي الخليج ، ويا كواكبه الكبيرة .. يا نقود

ليت السفائن لا تقاضي راكبيها من سفار

أو ليت أن الأرض كالأفق العريض ، بلا بحار

ما زلت أحسب يا نقود ، أعدكنّ و أستزيد ،

ما زلت أنقص ، يا نقود ، بكنّ من مدد اغترابي

ما زلت أوقد بالتماعتكن نافذتي و بابي

في الضفّة الأخرى هناك . فحدثيني يا نقود

متى أعود ، متى أعود ؟

أتراه يأزف ، قبل موتي ، ذلك اليوم السعيد ؟

سأفيق في ذاك الصباح ، و في السماء من السحاب

كسر، وفي النسمات برد مشبع بعطور آب

و أزيح بالثؤباء بقيا من نعاسي كالحجاب

من الحرير ، يشف عما لا يبين وما يبين

عما نسيت وكدت لا أنسى ، وشكّ في يقين

ويضيء لي _ وأنا أمد يدي لألبس من ثيابي-

ما كنت ابحث عنه في عتمات نفسي من جواب

لم يملأ الفرح الخفي شعاب نفسي كالضباب ؟

اليوم _ و اندفق السرور عليّ يفجأني- أعود

واحسرتاه .. فلن أعود إلى العراق

وهل يعود

من كان تعوزه النقود ؟ وكيف تدّخر النقود

و أنت تأكل إذ تجوع ؟ و أنت تنفق ما تجود

به الكرام ، على الطعام ؟

لتبكينّ على العراق

فما لديك سوى الدموع

وسوى انتظارك ، دون جدوى ، للرياح وللقلوع



**تحولت غرفة السياب في المشفى الأميري الى منتدى ادبي لكثرة من كانوا يزورونه من الشعراء والأدباء .

بقي السياب فاقدا للوعي لمدة ستة اشهر جزئيا حتى وافته المنية في   24 /ديسمبر  / 1964



السبتي يحمل جثمان السياب للبصرة

..............................................

حمل صديقه السبتي جثمانه مع مجموعة من الأصدقاء على سيارة حمراء الى البصرة ولدى وصولهم الى هناك اتصل السبتي بنسيب السياب (زوج ابنة عمه) السيد عبد الوهاب كبة صاحب صيدلية الشعب انذاك وقد ارشد السبتي الى اجراءات دفن السياب.وقد دفن السيّاب في مقبرة الحسن البصري هناك وكانت السماء ترسل دمعها حزنا على سياب المأساة .ومأساة السيّاب.
وفي نفس ذاك اليوم كانت الحكومة قد طردت اهل السياب من الدار الحكومية التي كانوا يشغلونها .
يقول صديقه السبتي إن اغلب الذين صادقوا السياب اضطهدوه ولاحقوه وامتنع عن ذكر اسمائهم لأنهم مازالوا احياء وتركهم لله.
رحم الله السيّاب وعوّض مأساته بنعيم جنانه.

علاء الأديب
تونس
24-9-2016