بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 27 فبراير 2017

العدد 3 لسنة 2017 .. حياةٌ رائعة.. للشاعر عادل قاسم



العدد 3 لسنة 2017
 
حياةٌ رائعة..

  للشاعر عادل قاسم



بعدَ كلِّ هذهِ الهزائمِ
والانكساراتِ
وكلِّ هذهِ الحروفِ
الساكنةِ الجريحةِ
أنتِ انتصاري الوحيدُ..
الذي يُشْعِرني بأنَ لي
مُتَّسَعاً...!
مِن الوَقتِ لِكِتابَتِكِ
بشكلٍ لمْ تأْلفْهُ العيونُ
بعدُ..
........
أَنتِ ...
ألفتُ النومَ على..
ضِفافكِ اﻵمنةِ
نأيتُ بكِ عن شواردِ الهمومِ
تآلفتُ معَ هذا اﻷلمِ
الذي يَدعونهُ
الحياة...
............
هذهِ الحلقةُ..
التي أُطِّلُّ من
نافذتِها الجريحةِ المُنطَفِئة..!
على هذا الخرابِ
الذي تَنْتَحِبُ في مَساراتهِ
المُوحِشةِ الباردةِ
أسرابُ الحَماماتِ..
المُعلَّقةِ على حبالٍ..
من خلَقِ الصحائف..
التي ينهشُ زَيْفَهاَ
النَهرُ ...
الذي ماعادَ جَسُدهُ
أزرقَ يتَّسعُ البراءةَ
الذبيحةَ .....
والكَرْكَراتِ...
حِين ذبُلتْ الدموعُ
في مآقي
السواقي...
وصارَ كلُّ ناعِقٍ..
دَليلُنا في هذهِ ...
المتاهةِ التي...
تُشبهُ كثيراً حياتَنا ..
الرائعة..

العدد 3 لسنة 2017 ... {مُعَلَّقةُ العِشقِ المُهَرَّبةُ سِرّاً } ... للشاعر باسم عبد الكريم الفضلي



 العدد 3 لسنة 2017

{مُعَلَّقةُ العِشقِ المُهَرَّبةُ سِرّاً }
 
 للشاعر باسم عبد الكريم الفضلي



صمتاً...
فالأنوارُ المَنسيَّةُ
في زنازينِ الذكريات
شَرَعَتْ تبحثُ
عن عُتمةِ
أوراقِ أيامي
المطويَّةِ
بين حشايا
صمتِكِ...
فما جديدُ هذا الجنون..
أَم ستكتفينَ بأنتحاري؟
سأضيعُ فيك
كي اجدَ
حدودَ زماني
بعيداً عن الأثر
قريباً من الأشياء
حيث
لا ظلالَ بيضاء
يُغري السماء
بموجةِِ عرجاء
وضفافِِ غبراء
ــ أمحُ مامضى فقد بدأ
عصرُ الافتراضات ــ
وبلبلُ الجليد
سيغني
حتى تحترقَ الآفاق
(عيناكِ وحدَهما البرهان )
وما جديدُ هذا
الوعدِ..
ألأكيدِ القسوة..؟
فكلُّ شيءِِ مُقرَّرٌ
بنزوةِِ إراديَّةِ الخَلقِ
و الإِفناء
ثم..
مادها الرغبةَ المحكومةَ
باجترارِ أسرارِ التَّواري
في الجحورِ المُقَـــ / صهِِ
...........
......
وما سألَ عن نفسِهِ
سببُ الأمل
وما عرفَ قَدْرَ نفسِهِ
سببُ النكوصِ
الى ذاتِ الإجابة..
كأن لم يكُنِ الـ /تروَّ فقد...
من يرسمُ أفياءَ
أيامِ الرّاياتِ
المرفرفةِ
في عينِ هزيمتي ..؟؟
حين حان حِينُ
الحَين
بان بَينُ
البَين
في عُنفوانِ التَّوَهُّم
فما في جعبةِ
الاستفتاءات
سترسمُ مُنحنياتِ
الانكفاءاتِ
صوبَ مَعناي الوحيدِ
خلفَ السَّواترِ
الرقمية
ــ ابداً..لاتسَلْ ولاتقِفْ.. ــ
...سأسيرُ
فوقَ جراحيَ
أُفتّشُ
عن مشارفِ
فِردَوسِكِ
قريباً من
الجَّمر
بعيداً عن
الرجاء
{..أُحبُّكِ حدَّ الظُّلم..
وتَظلُميني حدَّ الحب..}
باسم عبد الكريم الفضلي ـ العراق

العدد 3 لسنة 2017 ... الظبي ... للشاعر سالم ابراهيم حسن

 
 
العدد 3 لسنة 2017

الظبي

للشاعر سالم ابراهيم حسن



،،،،،،،،
آنستُ ظبياً بالعراقِ رشيقا
كمُلَ المحاسنِ كالبدورِ شروقا
في عينهِ حَورٌ يزيدهُ رونقاً
والخالُ أدعجَ بالخدودِ بريقا
قُلتُ أحْمليني ياخواطرُ مُهجتي
علّي أَحوزُ ومن لُماهُ رحيقا
أَو أَسكن العينَ التي حَورتْ لظى
فأكونُ جاراً ناسكاً وعشيقا
ويكونَ حظّي مثلَ ماءٍ دافقٍ
يجري فيسقي يابساً وغَدوقا
يارائعاً والروضُ منكَ بهائهُ
والوردُ عطرٌ للشغوفِ شهيقا
حملتْ إليّ الريحُ عطركَ ياشهي
فتشمّمتْ أنفاسيَ التشويقا
من حسنكَ الفتّانُ أَينعَ خافقي
حبّاً كشِعريَ راحَ فيَّ لصيقا
خَتم الهوى لي منكَ شَهدَ حكايتي
خَمراً وثغركَ كأسهُ لأَذوقا

العدد 3 لسنة 2017 ... كلّ الشعوب ضحية.. للشاعر حسن فوزي



العدد 3 لسنة 2017
 
كلّ الشعوب ضحية.. 

للشاعر حسن فوزي



 
زجت بنا بعضُ العقــول مصائباً
حــمــرٌ كــأن ردائهــــا اشــــلاءُ
لو ان في حكم الشـريف بشارة
ما ضــيعت اغنــــامنا الصحراءُ

لو ان في الشعب الكريم هدايةً
ما عـــانــقــت اقــمارنا الغــبراءُ

وكأننا في العيـشِ بعضُ زوائدٍ
امســى يكمــم صوتـنا الاصغاءُ

فالصــبح ظلــم غــارق بسهاده
اذ لـم تفــر من نفـسها الاضواءُ

لو عــاد عنــترة لقــاتـل جــبننا
ولــعــاذ عــن اقــدامه الجــبناءُ

والــديـن اضحى لا يحل قضية
فالفـسق طــهر والحــنيف رداءُ

وطــن كطـيرٍ طار رغم جراحه
مــالت بـــه مــن جرحهِ الانواءُ

نحــن الـذي عـشنا بسـهله ذلة
مــوتى ولـكن وصــفنــا احياءُ

يا صاحبي كل الشعوب ضحية
اذ لـم يـزح عن طرفها الاغـــفاءُ

حسن فوزي

العدد3 لسنة 2017 ... "نِعَمُ الحُبّ" ... للشاعر حسن عيسى



العدد3 لسنة 2017
 
"نِعَمُ الحُبّ"

للشاعر حسن عيسى




ما لِقَلْبٍ أَضَرَّهُ مَنْ كَفاهُ
بِحَنايا الحُبِّ الفَظيعِ غَواهُ
وَكَفاهُ الفِنونَ مِنْ كُلِّ حُسنٍ
وَبِظَرفِ النَّدِيمِ كانَت مَداهُ
جاءَ بالظَّرفِ وَالجَمالِ امتِزاجاً
يُدهِشُ الرَّائِي بِالحِجا ما أَراهُ
جَمَعَ الكُلَّ مَشهَداً مِنْ عَيانٍ
وَلَهُ الأَمرُ مِنْ عَظيمٍ عَداهُ
وَلَهُ ما استَّتَرَّ في شأْنِ سِترٍ
بِخَبايا الجَمالِ حُسناً كَساهُ
عَطِرٌ مِنْ غَيرِ العِطورِ ضَواعٌ
يَنشُرُ الطِّيبَ عَرفُهُ وَشَذاهُ
وَبَيانٌ قَد أَبطَلَ السِّحرَ إِلّا
لِخِطابٍ لَهُ وَما قَد رَواهُ
وَلَهُ في العَيانِ ما لَيسَ لِلْغَي
رِ بِجَمعِ الفِتونِ ممَّا حَوَاهُ
فَجَمالُ العِيونِ ما لِبحارٍ
وَلِطَرفِ الحَبيبِ بَحراً طَوَاهُ
في بُحورٍ دَليلُها مَحضُ تَيهٍ
كيفَ كانَ الرَّشَادُ فِيما هَدَاهُ
إِن يَكُن سَعيٌ في العِيونِ نِزالاً
فَسِلاحي على العِيونِ هَوَاهُ
لِتَرى الحُبِّ في البَرايا جَوازاً
لا مَغالِيقَ في الهَوى ما سَعاهُ
ما تَجوبُ العُشَّاقُ مِنْ سَعي حُبٍّ
ذلِكَ السَّعيُ مَنسَكٌ ما حَبَاهُ
كُلُّ حُبٍّ تَلا على صَفوِ وِدٍّ
كانَ عِشقُ الجَمالِ فِيما تَلاهُ
وَالَّذي يَعشِقُ الجَمالَ صَفَاءً
عَرَفَ الحُبَّ شاكِراً ما بَلاهُ
فَعَذابُ المُحِبِّ فيهِ جَمالٌ
لَذَّةٌ في العَذابِ حِينَ شَكَاهُ
وَبِقربٍ يَخافُ مِنهُ ارتِحالاً
لكِنِ الشَّوْقُ في البِعادِ كَوَاهُ
لَيسَ كُلُّ القَريبِ كانَ هَناءً
رُبَّ مُرِّ القَريبِ ما قَد جَناهُ
مِنْ صِدودٍ أَذابَ قَلباً مُعَنّى
يُستَطابُ الزُّعافُ حينَ جَفاهُ
ما حَياةٌ بِغَيرِ حُبٍّ حَقيقٍ
غيرُ مَوتِ القُلوبِ في ما أَتاهُ
إِنَّما الحُبُّ نِعمَةٌ لِنَعيمٍ
أُمُّ كلِّ الآلاءِ ما قَد رَجاهُ
تَصلُحُ الدُّنيا في حَبيبٍ وَفَنٍّ
وَأَساسُ الجَمالِ حُبٌّ بَرَاهُ

الأحد، 26 فبراير 2017

العدد 3 لسنة 2017 .. موسوعة شعراء العربية المجلد السابع - شعراء الفترة الراكدة .. بقلم د فالح الكيلاني


 العدد 3 لسنة 2017

موسوعة شعراء العربية المجلد السابع - شعراء الفترة الراكدة

بقلم د فالح الكيلاني

( شهاب الدين أحمد النابلسي )

 



هو ابو العباس شهاب الدين أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الكريم، النابلسيّ اصله من مدينة (نابلس) من فلسطين ويكنى بالعناياتي لسبب ان اباه كان يعرف ( ابو العنايات ) اما امه فهي من مكة المكرمة .
انتقل أحمد بن عبد الرحمن النابلسيّ من نابلس في فلسطين ، والد شاعرنا إلى مكّة المكّرمة في بداية الثلث الأول من القرن العاشر الهجريّ/ السادس عشر الميلاديّ، فمكث فيها مدّة ليست طويلة، وقد تزوج فيها امرأة من بني فهد،من أسرة ذات حسب ونسب.
ولد الشاعر في مكّة المكرمة سنة \ 933 هجرية- 1526 ميلادية، ونشأ بها في كنف أخواله من بني فهد المكيّ. ولم يره والده؛ حيث غادر مكّة عائداً إلى وطنه في الشام في مدينة (نابلس ) قبل أن يولد ابنه.
نشأ الشاعر أحمد العناياتيّ في مكّة المكرّمة، وشبّ وترعرع في كنف أخواله بني فهد، وتلقّى علومه الأولى على علمائها في عصره، وقد أخذ عن خاله عبد الرحمن بن فهد المكّي،وكان عالما كبيرا في مكة المكرمة
ومدح الشاعر أخواله، وانتسب إليهم، وفخر بهم، ما يدل على أنه عاش فيهم حياة هادئة مستقرّة، قال:
وإنّيَ منْ قومٍ تَولّوا غمائما
بُناةُ العُلا أبناءُ مكيّةِ الأولى
كِرامُ الفتاوى والفُتوةِ أنجمٌ
أماثلُ سُمحٍ لم يُلاقوا مُماثلاً
وقال فيهم ايضا :
قد اشتملتْ ثَوْباً من الحمدِ ضَافيا
وآبو رياضاً بالفَواغي فَواغِما
بهم كانَ سوقُ العلمِ والجودِ قائما
لها أنّها تُهدي الهُدى والمكارِما
مقاولُ لُسنٍ لم يُلاقوا مُقاوما
شمائلهم أَضْحى لهُ المجدُ راقِما
بقي الشاعر أحمد العناياتيّ في (مكة المكرّمة )– على الأرجح - حتى سنة\ 972هجريةـ/1564ميلادية، حيث سافر مع ركب الحاج الشاميّ إلى (نابلس )، ولعلّه رحل عن( مكّة المكرمة) بعد وفاة والدته، باحثاً عن والده، وأسرته في نابلس ليتعرّف عليها ويعيش في أكنافها فالتقى والده أبا العنايات الذي كان يعمل مدرّساً في جامع ( نابلس)، ومكث فيها مدّة أمضاها في كنف والده،وقد تعرّف خلالها على أُسرة والده وأقاربه، وأهل بلده، واجتمع بوالده، وهو يومئذ مدرس جامعها .
وقال في صباه من جميل غزله يقول :
رب خلص من الفرق وثافي
واغثني يا سيدي بالتلاقي
ملكنني يداه حتى ظننت
حمامي مدبرا في عناقي
ما تغني رب المنى في حجاز
من مشوق الا نوى للعراق
ليت يوم الفراق يهوى فيلقى
في الهوى ما لقيت يوم الفراق
يوم ساقوا وادمعيفي استباق
وفؤادي مستحضر في السباق
كتب الدمع فوق مهراق خدي
كم دم طل في الهوى مهراق
يالعيني كانت منازل للاحـ
باب عادت مصارع العشاق
اه واحسرتاه على ذلك الخد
وان كان اصل نار احتراقي
بدر تم عليه جسمي امسى
خافيا مثل خصره في المحاق
مال في الروض واستحال قضيبا
من خلاف كقده في اتفاق
عطف الغصن نحو عطفيه حتى
يشتفي من شبيهه بالعناق
وفي نابلس عاش العناياتيّ حياة ممتعة في أحضان أسرته، ولعلّه تلقّى العلم على والده المدرّس في جامعها، وأحب (نابلس )، ومدحها، وأهلها ، قال فيها:
أيّها الغادي على نابلس
جئتَ الأرضَ والناسَ الِكَراما
بلدةً طيبِّةً قد حَسُنَت
لوفودٍ مُستقرّاً ومُقاما
جمَلاها جَبلاها فغَدَتْ
شِمَماً تعلو ثبيراً وشَماما
نعمَ أرضُ الخصبِ والخيرِ إذا
بكرَ العارضُ تحدوه النّعاما
بوركت أرضاً ولازال بها
تتوالى السُّحبُ وجداً وغراما
لكنّه غادر( نابلس) إلى (دمشق) .
وفي ( دمشق) عاش مدّة يسيرة . ثم غادرها إلى ( حلب) وبعد نحو عشر سنوات أمضاها في (حلب ) ثم عاد إلى (دمشق ) سنة 986هجرية/1578ميلادية وتوطّنها مجاوراً في حجرة من حجرات المدرسة الباذرائية حيث عاش وحيداً، ولم يتزوج في عمره قط .
احمد العناياتي تعلم الخط العربي وكتب فيه فكان خطاطا جيدا
وقد قال في خطه يصفه :
زادَ خطَّي وقلَّ حظِّي فمنْ لي
نقلُ نقطٍ منْ فوق خاءٍ لطاءِ
وبشعريَ الغالي ترخَّصَ سِعْري
وبطِبِّ الفُنونِ متُّ بدائي
و قال في خطه المحبي :
(وكان يكتب الخط الحسن المنسوب ، والخط النّسخيّ،)
وقال نجم بن بدرالدين الغزي :
( وأكثر خطّه نسخ رقيق)
توفي بدمشق سنة \ 1014 هجرية - 1605 ميلادية في حجرته التي عاش فيها اخريات عمره من حجرات المدرسة الباذرائية بدمشق
كان أحمد العناياتي شاعراً مشهوراً، بليغاً، وأديباً بارعاً وماهراً، حتى قيل عنه ( شاعر دمشق ) وأديب الزمان، وصاحب ديوان العرب .
وقد بلغ شعر العناياتيّ مرتبةً عالية مقارنة بشعر معاصريه، فنظم شعراً جميلاً كانه الروض النّضير طرّزه بالمعاني البديعة الجميلة، وألوان البديع التي زيّنته ففاق بجماله زهور الربيع .
يتميز شعره بالبلاغة وحسن السبك والمعنى ونفسه الشعر طويل حيث اغلب قصائده طويلة وقال الشعرفي اغلب فنونه كالمديح والغزل والرثاء والهجاء والوصف وكتب في المواليا والزجل والسلسلة والاراجيز المزدوجة وقيل في شعره :
(ويأتي فيه بكل معنى بديع، ويبرز فيه من بدائع البديع ما يعلو شعر أحمد على زهر الربيع).
وقد مر بنا وصفه ومديحه اما رثاؤه فمن رثائه يرثي صديقه أبي بكر بن محمّد الصهيونيّ رثاه بقصيدة يقول فيها :
لهفي عليكَ أبا بكر إذا احتجبَ
الـهلالُ للصومِ، واحْتاجوا إلى العَددِ
قدْ كُنتَ قمتَ بعلمِ النَّجمِ مُنْفردا
بطالعٍ فيه بالإسعادِ مُنفردِ
واختم بحثي بهذه الابيات من شعره :
قلبي على قَدِّك الممشوقِ بالهيَفِ
طيرٌ على الغصن أم همْزٌ على الألفِ
وهل سُوَيْداه أم خَالٌ بخدَّك أم
خُويدِمٌ أسودٌ في الرَّوضةِ الأُنُفِ
وهذه غُرَّوٌ في طُرَّةٍ طلعتْ
أم بدرُ تِمٍّ بدَا في ظُلمةِ السُّدَفِ
تخْفى النجومُ بنورِ البدر وهو بنُو
ر الشمس وهْيَ بنُور منك غيرُ خَفِي
يا بدرُ وطرفي فيك مُنتصِفٌ
بالوصْل منك وهذا غيرُ مُنتِصفِ
القلبُ واصَلْتَ فيه وَصْلَ مُمتزِجٍ
والطَّرفُ صَدَّيت عنه صَدَّ مُنحرِفِ
ظَبْيٌ تألفَّتُ منه غيرَ مُلتَفتٍ
غُصنٌ تعطَّفتُ منه غيرَ مُنعطِفِ
شِفاءُ حَرِّ غليلي بَرْدُ رِيقَتِهِ
والُبرْءُ مِن دَنَفي في لَحظِهِ الدَّنِفِ
وَيْلاهُ من وردِ خدٍّ غيرِ مُقتَطفٍ
مِنْهُ ومن خَمْرِ ريقٍ غير مُرتشَفِ
عذلتُ عاشقَ عَذْلي في محبَّتِهِ
فاعْجَب لذي شَغَفٍ يلْحِى على الشَّغِفِ
يظُنُّ أن سِواه منهُ لي خَلَفٌ
أساء في الظَّنِّ هل للروح من خَلَفِ
عُذْريَّ عِشقي عُذْرِي فيه مُتِّضِحٌ
كوجهِه وهو مثلُ الشمسِ في الشَّرَفِ
فنِيتُ سُقماً بِخَصْرٍ منه مُخَتَصَرٌ
فيه وطَرْفِي ونوْمي جِدُّ مُختِلفِ
يطير قلبي إلى ألحاظِهِ شَغَفاً
فاعْجَبْ له كيف يرْمى السَّهْمَ بالهدفِ
يا أيها الرَّشَأُ الضَّارِي على مُهَجِ الْ
آسادِ بالسَّيْف مِن جَفْنَيهَ لم يَخِفِ
بما بحُسِنك مِن تِيهٍ ومن صَلَفٍ
وما بعِشْقِيَ من ذُلٍّ ومن كَلفِ
الله في كَبدٍ للوجدِ في كَمَدٍ
إليك أسْرَف فيها الشوقُ في السَّرَفِ
ومُغْرمٍ ماله مِن مُسعِفٍ لعبتْ
به اللَّواعجُ لِعْب الرِّيح بالسَّعَفِ
أشْفَى مِحَاق الضَّنَى لما هجرتَ به
على التّلاف ولو واصلْتَه لشُفِي
.
امير البيـــــــــــــان العربي
د فالح الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلـــدروز
****************

السبت، 25 فبراير 2017

العدد 3 لسنة 2017 ... شناشيل ... للشاعر جاسم الدوري

العدد 3 لسنة 2017

شناشيل

للشاعر جاسم الدوري




وتحترقينَ الآنَ
وفي دمي تسافرينْ
سنبلةً بربوعِ روحي
فيخضرُ الدجى بقلبي
ويحملني وردةَ ياسمينْ
أُعبقُ دروبَ العاشقينْ
وأُبللُ الطرقاتَ بالندى
وأسقي عمركِ
المزروعَ تواً بعمري
وأحتسي من أنفاسكِ
ريقَ الصباحِ
أروي ظمئي المزمنَ
لأسكرَ من رحيقِ لماكِ
ففي زحمةُ اللحنِ
المعزوفِ على مائدةِ الأوجاعِ
الصمتُ شاخَ هناك
فوقَ تلالِ الشكِ
وتنهداتِ البحرِ
المسعورِ بأمواجهِ الهشةِ
وهي تتباهى بزرقتها
لتغري بألونها
عشاقَ البحرِ
فأرممُ فوقَ شواطئكِ
مراسي تتسكعُ فيها
خيولَ العشاقِ
قبلَ ان تغرقَ
بريحكِ العاتية

العدد 3 لسنة 2017 ... البوصلة ... للشاعر محمد هادي

 
العدد 3 لسنة 2017

البوصلة
 
للشاعر محمد هادي





اضَعتُ في لجةِ الاحــــــــلامِ  بوصَلتي
وصرتُ ابحثُ في الايـــــام عن جهتي 

اتيهُ بالشوق والامـــــــــــــواج تقذفنـي
ويرتوي البـــــــحر من نايات اغنيتـي
 
وهل اهابُ الندى والبحر  مضطربــا
والبوحُ قد صارَ من اسيـافِ مقصلتـي
 
اكونُ في القرب مثل البــــعد مغـتربـا
واحملٌ الهمَّ خــــــوفا مثل  امتــعتـي
 
امزقُ الحلمَ  عمــــــدا غير مكــترثٍ
كالطير ارقصُ مذبـــــوحا  بامنيتــي    
 
ابحرتُ في بحر عشـقي ليـس لي امل
ومزقَ المـــــوجُ  فيه كلَّ  اشرعتــي
 
لم يبقَ لي غير عيـن النار ترمقنـــي
وقد صنعت  من الاوراق  اقنــعتــي
 
ما عاد يجدي شموسي كلّها افلــــت
وغادرت انجــم الاشواق  امسـيتــي
 
الوك اقلام عمري حبرها قدحـــــي
في البعد جفت على الشطآن محبرتي
 
الشاعر محمد هادي

السبت، 11 فبراير 2017

العدد 2 لسنة 2017 .. وطني المؤمل .. علاء الأديب



العدد 2 لسنة 2017

وطني المؤمل
 
علاء الأديب 



...............
وليدة الآن.

لو لم تكن أنتَ المؤمّلُ في الحيا
ة لأجهضَت آمالَنا الأتراحُ 

لا الحبّ دونك يستطابُ ولا الهنا
ابدا ولا طابت لنا الأفراحُ

هيهات أكتب في سواك مشاعري
شعرا ..فأنت الملهمُ الوضّاحُ

مهما قسوت ففيك أرحم خافق
مهما عتمت فدونك الإصباحُ

لن تنجلي مهما بعُدتَ ملامحٌ
 لك في ضميري والصدى صدّاحُ

إن أغلقت أقفالها الآمال في
وجهي فأنت لكلّها مفتاحُ

نسغ عراقيَ في عروقي لم أكن
يوما بغيرِ عراقتي أرتاحُ
.....................................

الأحد، 5 فبراير 2017

العدد 2 لسنة 2017 .. ومن الحب مايسكر للقاص.. التونسي عبد الفتاح القرقني




العدد 2 لسنة 2017

ومن الحب مايسكر

للقاص التونسي عبد الفتاح القرقني



- إلى  صديقي الحميم  شاعر الجزيرة نور الدّين فارس ( 1953- 2016)


          الحبّ هو جوهر الفرد  الّذي منه الكون ، و به يقوم . إنّه الجمال فوق كلّ جمــال ، و الحقّ قبل كلّ حقّ ، و القوّة الّتي منها كلّ قوّة ، على أن لا تشوبه شائبة و لا تستأثر به شهوة عابرة .                       
                                    الأديب ميخائيل نعيمــــــة ( كتاب سبعون )

                                          
      تعلّق قلب  نجيب ذاك التّاجر الشّابّ بفتاة عربيّة منذ النّظرة الأولى فأطلق عليها من الأسماء أجودها و هو  اسم ريحانة لأنّه يجهل  اسمها . إنّها تبدو في نحو العشرين ، وجهها ناعم كالحرير ،  مستدير كالبدر لا أثر فيه لأيّ المساحيق و لا شيء فيه تشمئزّ  منه العين . إنّه جميل و لعلّ أجمل ما فيه هو الفم بشفتيه الدّقيقتين ، القرمزيّتين ثمّ المقلتان الزّرقاوان اللّتان لم تفقدا بعد حلاوة الحيـــــــاة و بهجتها .
               هل سيكون حبّه  للريحانة عذريّا كحبّ قيس بن الملوّح لليلى أو إباحيّا  ، قائما على  المجون و اللهو  يستبيح فيه الشّهوات الجنسيّة بكلّ ألوانـــها و أشكالها ؟

              في أمسية من أمسيات شهر ماي القائظة ،  كلّف السيّد حسين ابنته شيماء البالغة  من العمر تسع سنوات باقتناء ما ذكره  من مشتريات بقلمه الجافّ الأزرق  على ورقة بيضاء اجتثّها من كرّاسة مسودّات ملقاة فوق مكتبها  الأنيق ذي الغطاء المزدان بأنواع شتّى من الزّهور و الطّيور.
     انصاعت هذه البنيّة لطلب والدها عن طيبة خاطر فولّت وجهــها شطــــــر حانوت مجاور لمقهى القرية غير بعيد عن الشّاطئ و هي تــــــــارة  تخــــــــبّ و  طورا تتمهّل مترنّحة في مشيتها  نشوانة ، منتشية بأناشيد عذبة و بأشعار خالدة باح بها  صوتها الرّخيم ، الشّجيّ فهي هزار غريّد يودّع ربيعا فتّانا ذبلت أزهاره و رياحينه  و التوت أعناقها و تهاوت على أديم الأرض مسلّمة بفنائها .
              ما إن ولجت شيماء المتجر العاجّ  بالزّبائن حتّى حيّت التّاجر نجيبا تحيّة رقيقة و على شفتيها ابتسامة ورود عطرة و في بريق عينيها العسليّتيـــن طفولــــة حالمـــــــــة.  هالـــــــــها امتداد الصّــــفّ  و أشفقت على نفسها من طول الانتظار فحاولت أن تندسّ خلسة في أوّله دون أن يهتدي إليها أحد . آنذاك  حدجها الحرفاء بنظرات استنكار و همّوا بالاحتجاج عليها احتجاجا صارخا  فرقّ لحالها  شيخ وقور ذو شاشيّة قرمزيّة و  لحية حصيرة ، بيضاء  فجذبها في ليـن و تؤدة  من يدها اليمنى  و أوقفها حيث انتهى الصّـــفّ و هو يهمس إليها في حبور و انشراح :« يا أيّتها الفتاة المهذّبة ،  انتظري دورك في جلد فالصّبر مفتاح الفرج » . لم تنبس شيماء ببنت شفة و خيّرت السّكوت على الكـــــــــــلام و السّكوت عند الكثيرين هو علامة من علامات الرّضاء و عند هذه الفتاة علامة من علامات الخجل و الوجل.
      استجابت  لأوامر الشّيخ عن مضض و قد احمرّ وجهها المستدير و تفصّد جبينها عرقا  فأزاحته براحة يدها  اليمنى البضّة النّاعمة . إنّها ربضـــــــــت في نهاية الصّفّ في إذعان  و بقيت تنتظر دورها في قلق  شديد فهي تمقت الوقوف لعدّة دقائق متسمّرة في مكانها  دون أن تمارس نشاطا يتلاءم مع حيويّتها المتّقــــــدة  و ميولها المتعدّدة   كالتسلّي بدميتها العجيبة  أو مطالعة قصّة طريفة و  التّفنّن في تلخيصها أو نثر الشعير و  القمح لدجاجاتــها الجميلة و ديكها المزدان داخل قفص كبير أقيم في أحد زوايا الحديقة قرب نخلة باسقة و شجرة توت عملاقة .
       تلهّت بالنّظر إلى  الزّبائن بعد أن جالت ببصرها  في أرجاء الدّكّان  فأَلِفَتْ البضائع مرصّفة على الرفوف ترصيفا فريدا من نوعه ، و في واجهـــة بلّورية قرب المدخـــــل تمّ حفظ الصّابون المعطّر و  قٍنٍّينَاتٍ الطّيــــــب و مراهم معجون الأسنان و  أدوات الحلاقة و التّجميل . كان بعض الحرفاء يتأفّفون من شدّة الحرّ و يتذمّرون  من ضيـــــاع الوقت في الوقوف المملّ  و كان بعضهم يُزْجُونَ  الوقت في الحديث و المزاح  و القهقهات  أمّا   البعض الآخر فكانوا  يتابعـــــــــون حركات التّاجر المتّزنة   في انبهار  فهو  حينا  يزن السّكّــــــــــر و الشّاي و السّميد على ميزان أوتوماتيكـيّ و حينا ينشر البضائع في غير نظام على المصرف و حينا آخر يضبط  ثمنها مستعينا بآلة حاسبة من صنع يابانيّ .  مشهد آخر لفت انتباه شيماء فبقيت مشدودة إليه دون أن يحيد بصرها عنه  أو  يشرد ذهنها كالغزال الأهيف  بعيدا ، بعيدا في بيد من دونها بيد  . الحريفة الّتي قدّامها هي فتاة آية في الحسن و الجمال ،  فارعة القامة ،  شقراء  ، حديثة عهد بهذه القرية المتاخمة للبحر. كانت ترفل في ثوب رقيق شفّاف لم يستر جيّدا نهديها المهتزّيـــــــــن و فخذيها الأبيضين الأملدين  .  ها هي تسحب  من حافظة نقودها البنيّة مقدارا من المــــال و تنقد التّاجر نجيبـــــــا  و هي تعبّر له عن ارتياحها لخدماته من خلال كلامها  المقتضـــب و ضحكاتها النيّرة كإشراقة  الصّبح إذا تنفّس :  « شكرا جزيلا  يا سيّدي » ثمّ انبرت ترصّف ما ابتاعته  من موادّ غذائيّة في سلّة من سعف النّخيل  فانسدل شعرها الذّهبيّ ، السّبط  على ركبتيهــا و سافر في كلّ أنحاء الدّنيا عبقا ، متموّجا متناغما مع انحنائها  و خفّة روحها.
    تلهّى نجيب  بإيداع النّقود في صحاف معدنيّة بالدّرج حسب قيمتها   و هو  يزمّ شفتيه دهشة  و يداري غمزة ساحرة  كادت تنحرف به عن وقاره مائــــــــة و ثمانين درجــة و ترحل به إلى عالم الرّومانسيّة أو بالأحرى إلى عالم الهيام  بعيدا عن الحصار داخل دكّانه بين أربعة جدران من الحجارة الكلسيّـــة  و بعيدا عن  الحرمان الّذي يصهد روحه  بنار شديدة اللّظــــــــــــى فهو في الخامســـــة و العشرين من عمــــره و مازال لم يملك نصف دينه فحتّى حديثه مع الفتيات وجها لوجه أو جنبا لجنب  كان نادرا و لا يتمّ إلاّ في الأعياد و الأعراس و كذلك  في البحر أثناء السّباحة أو الامتداد على رمال الشّاطئ  الصّفراء التماسا للرّاحــــــــة و الاستجمام  .
     يا حسرتاه على زمن الدّراسة في التعليم الابتدائيّ عندما كان تلميذا في السّنة السّادسة  يجلس في نفس المقعد  بجانب فتاة جميلــــــة و يتبادل معها الحديث الممتع  و الضحكات الرّنّانة الصّاخبة فينهرهما المعلّـــــــــم و يدعوهما في لين  إلى الهدوء و الانتباه ! لن  ينسى على الإطلاق عبثه الصّبيانيّ معها فهو دوما ينحيّن غفلة معلّمه عند الكتابة على السّبّورة بالطّباشير الأبيض و الملوّن فيقرص فخذيها  قرصا خفيفا و هي كانت لا تصدّه عن ذلك بل تبارك هذا الصّنيع  و قد صفّق قلبها بهجة و طربا بين ضلوعها  ثمّ لا تتوانى في  ضمّ يدها إلى يده  في تستّر و انتشــــــاء و تلذّذ و كأنّها تطلب المزيد مــــــــن القرص و الإثارة .
      اكتنفت نجيبا كآبة لم يعش  مثيلا لها من قبل فكأنّ أفعوانا ينهش قلبــــــــــه و يشلّ حركته : في العينين ضباب كثيف و في الحنجرة أنّات خافتة و في الصّدر ضيق من هذا  العالم الغريب و حنق عليه و تبرّم منه فهل يعقل أن لا يجد  رأسه المرهق متّكأ وثيرا يستند إليه  فينسى آلام الحياة و متاعبها ؟
        سرعان ما خلّصت شيماء التّاجر الشّابّ من شروده بقولها المعسول الرّاجـــــــح و هي ترمقه بنظرات حادة انسلّت برّاقة من عينيها النّجلاوين انسلال السّيف من غمده  :
-  « هيّا يا سيّدي الفاضل عجّل بقضاء حواجنا قبل أن يحين  غروب الشّمــــس و كفاك بهتة  »
- « حاضر و بكلّ سرور أيّتها الفتاة القمحيّة البشرة »
بعد ذهول ملفت للنّظر ،  انبرى نجيب في عمله مضاعفا مجهوداته ، قاهرا صراعه الدّاخليّ إلى حين إذ لا بدّ من أن يكون متّزنا في سلوكياته ، يلبّي طلبات زبائنه  في هشاشة و بشاشة و لا يستسلم إلى أهوائه فهي يمكن أن تغرقه في غيابات جبّ  ليس لها آخر و تلك هي الطّامة الكبرى .
         ها قد جاء دور صاحبة البشرة السّمراء و القامة الهيفاء فتنفّست  الصّعداء و طفح وجهها المستدير بشرا بعد تغيّمه و اكفهراره . ما إن  سلّمت  شيماء التّاجر نجيبا  قارورة بلّوريّة فارغـــــة و قائمة المشتريــــــــات و قطعة نقديّة من فئة خمسة دنانير حتّى مكّنها في وقت وجيز جدّا  من المشروبات الغازيّة و علبة بسكويت و قطع من الحلوى و أصابع من الشوكولاتة و لفّ لها الباقي في قرطاس رماديّ ، متين  حتّى لا تضيّعه في الطّريق . أثنت عليه ثناء عطـــــــرا و ودّعته بما هو له أهل من التّوديـــــــع و هي طلقة المحيّا تداعب ضفيرتين من شعرها الخرّوبيّ  متدلّيتين  على صدرها ثمّ أطلقت ساقيها للرّيح قبل أن يباغتها  الظّلام  فربّة البهاء قد عانقــــت الأفق غربــــــــا و وشّحته بقرص كبير أحمر يتدرّج بخطوات وئيدة نحو الأفول معلنا  الغروب و للغروب رونق خاصّ في جزيرة الأحلام .
     أثناء السّير بخطى حثيثة على الطّريق الرّمليّ  المؤدّي إلى المنزل ، تعثّرت بحجارة صلبة ففقدت توازنها دون أن تسقط على الأرض لكنّ قارورة المشروبات الغازيّة هوت و ارتطمت ارتطاما هائلا بحصى مذبّب فتهشّمت محدثة صوتا كتوما  و مخلّفة فتاتا من البلّور كفتات الخبز  تناثرت  هنا و هنالك و توارت  في التراب بكيفيّة  يستعصي فيها جمع شتاتها  و تخلّص الأرجل الحافية من وخزها الدّامي  .
         واصلت هذه الفتاة الوديعة طريقها قبل أن يدركها الظّـــــــلام و هي زائغة العينين ، مرتجفة الأوصال ، مستكة الأسنان   تحادث نفسها حديثا باطنيّا كتمته  في صدرها  دون أن تسمح لحنجرتها الملتهبة و لشفتيها القاحلتيــن  للإدلاء  بــــه : « دفع الله ما كان أعظم و اللّعنة إلى يوم الدّين على كلّ من حرمنا من تعبيد هذا الطريق هذا الشريان الحيويّ في الجزيرة . كيف سيعاملني أبي ؟ فهل سيكون متسامحا معي أو كعادته ذا طبع جافّ تبصر في وجه الفظاظة و الغلاظة و في عينيه تطاير الشّرر ؟» .
    تسلّلت  شيماء   إلى المنزل  خفية متستّرة  بخيوط الظلام الفاترة    ، تمشـي و قد أثقل الذّعر ممشاها على أطراف قدميها  حتّى لا يهتدي إليها  أبوها . كان حظّها منكودا و متعثّرا  إلى أبعد الحدود فها هو كالطّود الأشمّ بقامته المديدة  يسدّ منافذ الهرب أمامها  فلا عاصم لها  اليوم إلاّ رحمة الله أو ذود  أمّها عنها  إن  تجرّأت على مواجهته و هو في صولة غضبه متحمّلة عربدته و شتمه و إهانتــه و من يدريك أن لا يتورّع عن ركلها و ضربها ضربا مبرّحا ، موجعا .
        على حيــن غرّة ، صفعها  على خدّها  صفعة شديدة طرحتها  أرضا ثمّ دهسها بقدميه الحافتين الخشنتين و هو يقول في غلظة و قد انطلقت الشّتائم من فمه انطلاق القذائف من المدفع :
- « أين كنت يا ابنة الكلب ؟ لماذا لم تعودي بسرعة من الدّكّان يا أيّتها البلهاء ، يا أيّتها الحمقاء ، يا أيّتها الحقيرة   ؟»
- « أنت دوما تتعسّف عليّ دون أن أكون مذنبة  .  تأكّد من صدقي إن أجزمت لك أنّني  لم أهدر الوقت  هذا  العشيّ في اللعب .كلّ ما في الأمر أنّ الدّكّان مزدحم فبقيت أنتظر دوري متحلّية بالصّبر و سعة البال  »
 لمّا  أصغت الزّوجة إلى صراخ  بعلها الحادّ هرعت إلي فناء المنزل   كي تخلّص قرّة عينها   من بطشه و تجبّره و  هي تقول بصوت عال ، متهدّج اعترته غمغمة مبهمة   و شابته صرخة مدويّة :
- « كن ليّنا و لا تعامل ابنتنا  الوحيدة بقسوة حتّى لا تشبّ معقّدة ، نافرة من الحياة ».
- « عليها أن لا تشقّ عصا الطّاعة و أن لا تتمرّد عليّ  مخالفة أوامري »
- « أمرا و طاعة يا حضرة الملك فما عليك إلاّ أن تعفو عنها متحاشيا دعسها   فروحها كروح الذّبابة » .
- « بكلّ صراحة الجعة أذهبت عقلي و أفقدتني صوابي فتشنّعت أعصابي و قسا قلبي على ملاكي الطّاهر »
- « ثب إلى رشدك و اصح من سكرك و كن رصينا مع ابنتك فهل يعقل طرحها أرضا و رفسها غيظا  و انتقاما ؟ اعلم علم اليقين أنّ العقاب اللّفظي و العقاب البدنيّ للأطفال يعاقب عليهما القانون  ثمّ أنا واثقة من أنّها لم ترتكب أيّ هفوة  »
- « ما أشدّ انفعالي و ما أفظع  معاملتي لفلذة كبدي  ! لا بدّ من  أن أتوخّى  اللّيـــــــن و اللّطف و الحوار كأساليب ناجعة في تربيها حتّى أساهم في نحت شخصيّتها و استقرار توازنها العاطفيّ و الوجدانيّ .
    استوت شيماء واقفة و هي تئنّ أنينا مسترسلا تنفطر له القلوب الرّحيمة فكفكف أبوها دموعها  المنهمرة و ضمّها إلى صدره ضمّا رقيقا ثم أكبّ على وجهها المتهلّل يقبّله من كلّ الجهات قائلا عند كلّ قبلة : « دعيني أقبّلك قبلة أخـرى »
ما أجمل العفو عند المقدرة !  و ما أروع  التفاهم و الوئام  داخل الأسرة ! إنّ  التّربية لن تكون مجدية  إلاّ بالحوار البنّاء و النّقد الوجيه و معالجة الهفوات  بعقل حصيف ،  نيّر و صدر رحب بعيدا عن التّشنّج و الأحقاد و الضّغائن  .
      صفت نفس شيماء بعد تكدّرها  و عاد إلى وجهها إشراقه و سروره و إلى عينيها ألقهما و إلى قلبها اطمئنانه  فقالت لأبيها في منتهى العفويّة و قد انبلجت ابتسامة غرّاء على ثغرها :
- « عذرا يا والدي فقارورة المشروبات الغازيّة قد تهشّمت  عن غير قصد
 و استحالت حطاما  فهل بإمكانك أن تعفو عنّي و تبتاع قارورة ثانية  ؟ » .
- « عفا الله عمّا سلف   و بداية من هذا الآن  لن يطالك لساني بالسّبّ و لن تطالك يداي   بالصفع  و لا قدماي بالرّكل و الدّوس  . من جديد المعذرة عمّا صدر منّي من عنف و قسوة و ما ذلك إلاّ سحابة صيف عابرة  تقّشعت بعجالة فور انجلاء غضبي »
- « نحن في حاجة إلى مشروبات غازيّة باردة نخفّف بها من وطأة الحرّ و نجدّد بها أفراحنا  »
- « على الرّحب و السّعة فأنا سآتيك بها قبل أن يرتدّ إليك طرفك  »
استبشرت شيماء بمزاح أبيها فرقصت طربا و جذلا ثمّ دعت الله سرّا مخلصة النيّة و هي ترنو إلى السّماء المرصّعة بالنّجوم البراقة و من خلالها إلى خالق هذا الكون الرّحيب :
- «  يا إلاهي يا مجيب الدّعوات تب على والدي حتّى يقلع عن معاقرة الخمرة فهي  شنّجت أعصابه و أفقدته توازنه و كادت تتلف عقله تتلف  . كم وددت أن لا يقبّلنـــــــي و لو قبلة واحدة لأنّ الخمرة خلّفت في فمه روائح كريهة  لا تطاق !»
    أثناء السّمر ،  أبحر نجيب  في الفيس بوك هذا العالم الافتراضي السّاحر  بواسطة هاتفه الجوّال فتواصل من شدّة الكبت و الحرمان مع العديد من الفتيـات و هو آنا  يترشّف قهوته السّوداء و آونة يجذب أنفاسا عميقة من سيجارته  ثم ينفخ دخانا قاتما من فمه الواسع   فتنكشف أسنانه الصّفراء  من آثر الإدمان على  التّدخين  . كان يعاكس هذه الفتاة بوقاحــــة و قلّة أدب ، و يحظر تلك ساخطا عليها لأنّها كانت تقرأ رسائله القصيرة و لا تردّ عليها و لو بملصق أو إشــارة ، و يغازل أخرى أعجبته صورتها بكلام معسول غاية في الرقّة  و هو  يقهقه ملء شدقيه مستهترا بالقيم ، ناسيا أنّه ليس بمفرده فبجانبه أفراد عائلته يتابعون في صمت مطبق مسلسلا تركيّا مدبلجا  باللّهجة التّونسيّة . و عندما  انتصف اللّيل ودّع أفراد أسرته بكلام خافت ، جميل :  « نوم هنــــــــــيء و أحلام لذيذة  للجميع » ثمّ أوى إلى فراشه  و هو يتثاءب تثاؤبا مؤذيا رافقته دموع شحيحـــــة و احمرار طفيف في العينين .
      امتدّ  نجيب على سريره الوثير وحيدا  في غرفته الصّامتة ، الدّامســـــــــة و أغمض عينيه دون أن تكحّلهما و لو سنة من  النّوم بالرّغم من شدّة التّعب . تضوّر على فراشه ذات اليمين و ذات الشّمال و هو متأجّج المشاعر ، قد برّحت به حمّى الوجد فغرق في بركة من الأرق و العرق . لقد حامت في ذهنه عدّة أوهام   ثائرة ثورة البراكين ، راتعة  في خياله الخصب رتعان الخيول في البراري دون أن تكون له قدرة على كبح جماحها أو صدّها .  ها هي ريحانة    الّتي أنبتتها في سبيله  أنامل الوجود تتأمّله بدقّة  من قمّة رأسه إلى أخمص قدمه  ثمّ تستدرجه في أريحيّة كبيرة  و نشوة عارمة  للاختلاء بها موظّفة في ذلك  وجهها الضّحوك و إشارات يدها السّاحرة. كانت إيماءاتها  تنمّ عن ذوق كبيــــر و إحساس عميق ، طاهر  . و باستطاعته  أن يجزم دون أيّ مجال للرّيبة  بأنّها  إيماءات  عشيقة مسالمة  تتقبّل الجروح من غيرها و لا تجرح أحدا . ضمّها إلى صدره  بعنف لا يكاد يحتمل و هو  برشف  من شفتيها   العسليّتين  قبلا مسكرة مستلذّا شهد رضابها و منتشيا برحيق الحياة الكامن فيها . كانت قبلاته  لهـــــــــــــا و قبلاتها له تعادل خطّ الاستواء بحرارتها و وهجها » .
     من دوّامة أنفاس مختلطة همست في أذنه  همسا كهمس السّوقي عذوبة و رقّة و خفرا :
- « انتبه يا حبيبي فأنت قد غوتك الشّهوات فبدأت تستسلم لها  ! لتكن مشاعرك طاهرة و عفّتك أقوى من مراودتك و مغازلتك . » .
- « إنّك تثيريني حتّى الجنون . اسمحي لي أن ألثمك على خدّك المتورّد  حتّى أرتوي فأنا متعطّش  لجحيم من القبل و أنا بين أحضانك الدّافئة  »
و تمضي أنامله المرتعشة تداعب و تتلمّس جيدها و نهديها و خصرها و  كلّ مكان  مثير في جسدها شبه العاري إذ لا يغطّيهما إلاّ لحاف أبيض  . و أمام إصراره على ارتكاب الخطيئة كاد زمام نفسه الهشّة  يفلت من يده  لولا توسّلات ريحانة المتتاليـــــــة  :
- « آه منك أيّها العربيد قد أسكرك الحبّ و  كدت تدنّس شرفي  الّذي هو تاج أنوثتي و أصالتي . لو لم أفكّر في طهري باتّخاذ مسافة الأمان بينا و عدم الانسياق مع عاطفتي إلى أبعد الحدود لوجدت نفسي في حال لا أحسد عليها مفتضّة البكارة ، في الدّرك الأسفل من الرّذيلة   لا فرق بيني و بين الحيوان ».
- « أنا شابّ ساقط ، حقير ، دنيء ، عبد لنزواتي و ملذّاتي و أنت ملاك طاهر غاية في النّقاء و العفّة ».
- « أنت أيضا عفيف و لن أحاسبك على الانفجار الشّديد لمشاعرك و انفعالاتك فهو ناجم عن الكبت الّذي كنت تعيشه في داخلك دون أن يجد متنفّسا يخفّف من وطأته »  .
- « إذا أردت أن أكون صديقة حميمة لك  لا تحاول اغتصابي و جعلي أعزّي نفسي و بئس العزاء : ما أنا بالأولى و لا بالأخيرة »
     منذ تلك اللّيلة ، دأب نجيب على تنقبه نفسه و تطهيرها قدر المستطــــــــاع  و رفعها من حمأة الرّذيلة الّتي كانت تتخبّط فيها . إنّه يحاول أن يكون كائنا جديدا لا يكون حبّه  من  جانب واحد في لحظة طيش و غباء بل يجب أن يكون حبّا مشتركا  بين حبيب و حبيبته مبنيّا على العفّة و الوفاء و نقاء الصّرائر و صفاء القلوب  .
          أن الأوان أن يتخلّص بصورة نهائيّة من العـــــادات السّخيفة و التّقاليد البالية الّتي  كانت تكبّله  و تحدّ من حريته  و تفتّحه على العالم الّذي صار قرية صغيرة بفضل الشّبكة العنكبوتيّة و الأقمار الصّناعيّة  . مازال يخدش سمعــــــه المرهف  و يعذّب  روحه المتمرّدة  مثل شعبيّ جربيّ  هو غاية في السّفالــــــــــــة و الحقـــــــارة و الانغلاق على الذّات  و التّقوقـع و قمّة في الطّاعة العمياء : « ملّس من طينك يفضلّك »  . هذا هو المثل الّذي كانت تزوّده  به والدته العزيزة و هو في سنّ المراهقة   معتقدة أنّه من خيرة الأقوال المأثورة إذ لا  مجال للطّعن فيـــه أو المساس من قدسيّته حتّى تتواصل المحافظة على صفاء المجتمع الجّربيّ و نقاوته  . « ثقي يا أمّي من أنّني لا أومن بالأمثال الشّعبيّة  الزّائفة  فهي كخيوط العنكبوت الواهية و كالهباء المنثور في مهبّ الإعصار و كالزّبد الّذي يذهب جفاء . هذه التّرّهات  السّخيفة ضلّلت الكثيريــــن و نأت بهم عن سبل  الرّشاد فأعمت بصائرهم و  بلّدت أذهانهم و بلبلت أفكارهــــــــــــــــــم و  خبطت بهم  خبط عشواء على غير هدى و لا رويّة في دياجير الجهالـــــــــة و الضّلالة فاستقرّوا في هوّة سحيقة أشدّ ظلمة و وحشة .من ظلمات القبور  . أتوسّل إليك أن لا تؤاخذيني يا أمّي  و لا تقسي عليّ إن لم أتزوّج بابنة عمّي   الّتي تسمّيت عليها في عهد الطفولة فأنا أحبّها كما أحبّ أختــــــي و ليس لي أيّ ميل عاطفي نحوها  . هل أنا عاقّ لمّا لا  أومن إيمان العجائز ببعـــض  العادات و التقاليد و كنت ممّن يحكّمون عقولهم فيها مسترشدين  بدهائهم و دينهـــــــــــم  و ثقافتهم الواسعة ؟ أنا سأتزوّج من  فتاة عفيفة  تبحر بي الى عالم العشق والغرام  و تبادلني حبّا بحبّ منسجمة مع طباعي و لا يهمّني إن كانت جربيّة أو غير جربيّة فحتّى و إن كانت من كوكب المرّيخ فمرحبا بها . المهمّ بالنّسبة لي هو   أن تكون مقبولة الجمال ، كريمة الخلق ، أصيلة  النّسب ، هادئة الطّبع تواسيني في السّرّاء و الضّــــــــــــرّاء و تكتـــــم أسراري و تصبر على زلاّتــــــي و تناضل معي  جنبا إلى جنب من أجل عيش كريم و حياة فاضلة آمنــة داخل  أسرة  متماسكة كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضا. . فيما يخصّ اللباس القصير يا أمّي الحنون لا تشغلي بالك فأنا سأقنع ريحانة  فتاة أحلامي  بارتداء لباس محترم يستر مفاتنهــا و يحجب عنها أطماع أصحاب الشّهوات الّذين  لا يغضّون أبصارهم و يستوي عندهم الحـــلال و الحرام  و كذلك الفضيلــــــــة و الرّذيلة » .
               و مع  تباشير الفجر الضّحوك تسلّلت من النّافذة نسائم عليلــــــــــة و  أنوار باهتة كسرت أغلال الظّلام فانتعش نجيب بالرّغم من الأرق الّذي أصابه  و سكنت جراحه  و  تبدّدت شجونه و سُيِّرَت جبال همومه فكانت سرابا فطفق ينشد أبياتا شعريّة  تنبض إلهاما وهياما و عشقا  لشاعر جزيرة جربة نور الدّين فارس :
يَا ذات عَيْنَيْـــنِ زَرْقَاوَيـْــــــــــــنِ
هَلَّتْ لِتُؤْنِسَ لِي قَلْبًـا وَ وِجْدَانَـــــا
كَمْ كُنْتُ بَيْنَ ثَنَايَا الْغَيْمِ أَرْصُدُهَــا
حِينًا  وَ عِنْدَ اكْتِمَالِ الْبَدْرِ أَحْيَانَــا
هَلْ مِنْ بَدٍ مِنْكِ قَدْ تَمْتَدُّ نَحْوَ يَدِي
إِنِّـــي تَرَقَّبْتُهَـــا دَهْرًا وَ أَزْمَانَـــا
وَ لَيْسَ لِي إِلاَّ عَيْنَيْـــــكِ بَارِقَـــةً
فِي عُنْفِ لَيْلِ اغْتِرَابِ زَدَ طـُغْيَانَا
كٌونِي على نفس موجات الهُيَامِ مَعِي
أَنَّى وَطِئْتُ  مَطَارَاتِ و َأَوْطَانَا
مَهْمَا النَّوَى بَيْنَنَا جَنّتْ دَيَاجِــــرُهُ
لَا بُدَ تَبْتَهِـــــجُ الدُّنْيَــــــا بِلـُقْيَانَــا