بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 27 مايو 2019

مجلة المرفأ الأخير العدد الثالث لسنة 2019 فنانون منسيون من بلادي الحلقة السابعة الفنان المرحوم عزيز علي



مجلة المرفأ الأخير

العدد الثالث لسنة 2019

فنانون منسيون من بلادي

الحلقة السابعة

الفنان المرحوم عزيز علي





التقديم :
.........
لطالما كنت أستمع الى منولوجات المطرب الكبير المرحوم عزيز علي التي كان يستمع لها والدي خفية من خلال كاسيتات يحتفظ بها في الثمانينيات من القرن الماضي وكثيرا ماكان يحذرني والدي رحمه الله من الحديث خارج البيت عن استماعي لهذه الأغاني بسبب حظر الحكومة لهذه الأغاني وصاحبها . وهذا ماأثار فضولي في وقتها لمعرفة الكثير عن عزيز علي وعن سبب حظره ومطاردته وحبسه فلم يدخر والدي وسعا لإطلاعي على الكثير من التفاصيل عن هذه الشخصيّة الوطنيّة الرافضة لكل صور الظلم والخذلان والفساد حتى تشكلت لهذا الرجل في ذهني منذ تلك الأيام صورة جعلتني أعشق مسيرته وسيرته حتى آن الأوان اليوم لأسعى بين الصفحات  لأجمع عنه ماكتب وماقيل علّني بذلك أسبق النسيان بالوصول إليه .
رحم الله الفنان عزيز علي ورحم والدي الذي جعلني أحتفظ بذكراه الى يومنا هذا.
علاء الأديب.

الولادة :
.........
عزيز علي مطرب وشاعر شعبي من العراق
ولد في سنة 1911 في بغداد في  محلة الشيخ بّشار جانب الكرخ، واسمه الحقيقي عزيز بن علي بن عبد العزيز علي بن حاتم بن هانئ .


دراسته وشهرته :
.........................
أكمل الدراسة الابتدائية عام 1924م ودرس في المدرسة الثانوية المركزية ودخل دار المعلمين  وعين كاتباً في دائرة الكمرك والمكوس عام 1927 قدم عزيز علي منولوجاته عند تأسيس اذاعة بغداد عام 1936 حيث نظمها بالعامية ولاقت نجاحاً كبيراً لتناولها قضايا ومواضيع اجتماعية ووطنية بصورة لاذعة .. ونقلت خدماته بدعها الى وزارة الاعمار والى مديرية الاذاعة عام 1957 ةعاد مرة اخر ى الى وزار ة الاعمار ثم عين ملاحظاً في السفارة العراقية في براغ عام 1960 ونقل بعدها الى تونس بعد سنتين وأنهيت خدمته لكنه عاد الى الخدمة بعد انقلاب 8شباط عام 1963 حيث عين في وزارة الثقافة الارشاد وفي عام 1968 عهد إليه تأسيس مدرسة الاطفال الموسيقية ، سجن عزيز علي في عام 1947 بتهم انتماءه الى الماسونية



عزيز علي ممثلا :
.......................
مارس مهنة التمثيل في المسرح عندما كان شابا في الخامسة عشر من عمره، وكان أحد ممثلي أول فرقة مسرحية عراقية اسسها الفنان حقي الشبلي في عام 1927 بأسم الفرقة التمثيلية الوطنية، وكان ممن مثل معه الفنان محمد القبانجي والفنان أحمد حقي الحلي وسليم بطي ونديم الاطراقجي وغيرهم من رواد التمثيل والمسرح في العراق. وقد قدمت الفرقة مسرحية وحيدة، ومسرحية صلاح الدين الايوبي، ومسرحية جزاء الشهامة.

عزيز علي فنان ناقد وناقد سياسي :
............................................
لقد كان عزيز علي فنانا ناقدا في مرحلته الفنية الأولى من عام 1937 لغاية عام 1939م، وناقدا سياسيا بعد هذه المرحلة، بل أصبح من أكثر الداعين إلى الثورة ونتاجه في هذه المراحل كلها يدل على نضج فكري ووعي سياسي والتزام مبدئي. وهذا يتضح في موقفه المعلق ومساندته ومشاركته الفعلية في ثورة مايس 1941م، واعتقل وسجن بسببها .

عزيز علي يؤسس مدرسة موسيقى الصغار
..................................................
في كانون الأول سنة 1968 اناطت به وزارة الثقافة والاعلام في العراق تأسيس مدرسة الأطفال الموسيقية، فبادر باستقدام خبراء موسيقين من الاتحاد السوفيتي واستورد الالات الموسيقية المطلوبة لهذه المدرسة على حساب وزارة الثقافة والاعلام واشرف على إدارة هذه المدرسة سنتين .


عزيز علي والماسونيّة :
..................................
في عام 1975 تم فتح أحد صناديق البنك المتروكة لمدة زادت عن 25 عاما فوجد فيه أسماء أحد المحافل الماسونية في العهد الملكي وكان اسم عزيز علي بينها، فاعتقل على اثرها وسجن لمدة قاربت السنتين ثم اطلق سراحه لكبر سنه. عزيز علي لديه ولد اسمه عمر استشهد أثناء الحرب العراقية - الإيرانية. توفي عزيز علي عام 1998 مغمورا دون أن يذكره أحد، حاله حال معظم المبدعين الذين انجبتهم بلاد الرافدين .


عزيز علي والربيع العربي :
..................................
عزيز علي نادى بـ"الربيع العربي" قبل 70 عاماً
انتقد تأسيس الجامعة العربية.. ومونولوجاته عرّضته للسجن والإبعاد من العراق .

عزيز علي وضع قواعد المونولوج :
............................................
عرفت فترة الثلاثينيات والأربعينيات وما بعدها فناً متفرداً يسمى "المونولوج"، وكان يطلق على مؤديه لقب "المونولوجست"، وقد اشتهر في مصر مثلاً الفنان إسماعيل ياسين وشكوكو وآخرون.
أما في العراق فقد برع فيه عزيز علي ووضع قواعده ، وقد دخل بسبب مونولوجاته السجون، كما عانى الإبعاد والمحاصرة، لكونها تناهض المستعمرين وتفضح فساد الحكومة، وتطالب بالتغيير السياسي والاجتماعي .


عزيز علي ينتقد جامعة الدول العربيّة :
..............................................
ولم يقتصر انتقاده حدود العراق فقط، فحين تأسست الجامعة العربية لم يعول كثيراً على قيامها بسبب الرعاية الأجنبية لأغلب الحكومات، لأن التأسيس بدأ بسبع دول وسرعان ما تناسلت هذه السبع إلى 22 دولة، وبدلاً من الاتحاد بدأت الفرقة، فسلط عليها سيف انتقاده، مطالباً الشعوب العربية بالنهضة ومحاربة المستعمرين، وبهذا كان عزيز علي أول فنان عراقي وعربي يطالب بـ"الربيع العربي" والانتفاضة على الحكومات التي لا تمثل تطلعات شعوبها .




عزيز علي فنان الشعب الثائر :
....................................
يقول عنه المفكر حسن العلوي في كتابه الموسوم "اللحن الساخر": "إن الفنان عزيز علي كان يافعاً عندما تأسست الدولة العراقية الحديثة عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية في بدايات العقد الثاني من القرن الماضي، ولذلك فإنه اطلع على مخاض التأسيس، ورافق نموها وتطورها، وعاصر آلام الشعب جراءها وآماله منها، وراح يجسد تلك الصور والأحاسيس في مونولوجاته، فكان دقيقاً في التشخيص ومتشدداً في الحل حتى وصف بـ"الثائر"، لكنه نأى بنفسه أن يعبر عن أي تيار سياسي أو يتبنى موقفاً حزبياً، بل كان انحيازه إلى الفقراء والضعفاء، وهؤلاء كانوا يشكلون الغالبية العظمى من الشعب العراقي، بل معظم الشعوب، لأن العالم كله كان يمر عبر ممر ضيق بين الحربين العالميتين الأولى والثانية .


عزيز علي مثقف من الطراز الأول :
...............................................
لم يصل "فنان الشعب" إلى مكانته تلك إلا بثقافته العالية، فقد كان يتقن عدة لغات في آن واحد مثل الإنجليزية والألمانية والروسية، فضلاً عن لغتي وطنه الأم العربية والكردية، وهو ما مكّنه من التعبير عن مشاعر الطبقات الكادحة والمتطلعة إلى الحرية والعيش الكريم .

عزيز علي ينشد المونولوجات من شعره :
...............................................
في عام 1936 افتتحت الإذاعة العراقية، وكان مقرها عبارة عن غرفة صغيرة في سراي الحكومة، وكل معداتها جهاز إرسال فقط، وعبر هذا الجهاز كان الفنان عزيز علي ينشد قصائده التي كان يكتبها بنفسه ويسميها "مقالات" لمباشرتها وشعبيتها .

الأربعاء موعد عزيز علي مع الشعب :
..............................................
يقول السيد حامد البزركان (مواليد 1931): "في الساعة الثامنة والنصف من كل يوم أربعاء تفرغ الشوارع تقريباً، وكنا نتحلق حول جهاز الراديو لنستمع إلى عزيز علي، لتصبح أغنياته فيما بعد ما يشبه "المنشور السري"، لكونها تتعرض للاستعمار ولسياسات الحكومة، ويوم منع من دخول الإذاعة ثارت ضجة كبيرة بين الأوساط الشعبية .

عزيز علي يتحدث عن إحدى ذكرياته:
...............................................
يروي عزيز علي عن نفسه هذه الحكاية فيقول:
 "بعد ثورة 1958 حدثني د. مصطفى جواد بأنه كان عند رئيس الوزراء نوري باشا السعيد في أحد الأيام ومصادفة أدار مؤشر الإذاعة فسمع مقالك – الفن - وتابعه بكامله وعندما انتهيت قال لي - شوف هذا ابن الـ.... دا يشتمني .



مواهبه المتعددة جعلته مسموعا  :
.........................................
وتعد مواهبه المتعددة في التأليف والتلحين والإنشاد، وتناوله لهموم الناس هي من جعلته مسموعاً إلى الآن، حيث لا تخلو إذاعة من الإذاعات العاملة في العراق من بث أغانيه، كما تحرص الفضائيات العراقية على بثها، لأنها كأنما كتبت لزمننا الحاضر وليس لأواسط القرن الماضي .


عزيز علي نسيان الأمس وذاكرة اليوم :
................................................
دخل المعتقل في العهد الملكي، لأنه شارك في مظاهرة ضد العدوان الثلاثي على مصر؟
خرج من السجن بعفو عام بعد سبع سنوات. ومات منسيّا عن سبعة وثمانين عامًا. ومن لطائف سيرته أنه أجاد خمس لغات. وكان، في فترة ما، مديرًا لمدرسة الموسيقى، ومُلحقًا ثقافيًا في براغ. وقد عادت أغنياته إلى الواجهة منذ تدهورت أحوال البلد. يتبادلها العراقيون ضمن موجة الحنين إلى الماضي، ويستذكرون معانيها، ويهزّون الرؤوس إعجابًا، بل حسرة. صار عزيز علي موضة. تُقام له، غيابيًا، الاحتفاليات، وتُقدّم عنه البرامج، وتُكتب الأطروحات. ونشرت ابنته مي مقالاً تعترض فيه على من يصوّره فنانًا كوميديًا يدور على المسرح. وقالت إن أباها كان رصينًا يؤدي أغنياته وكأنه يقرأ نشرة الأخبار. ولم يعمل في الملاهي يومًا. ليت أيام الملاهي تعود ويطلع الصباح وتسكت شهرزاد عن الكلام غير المباح.


يقول عزيز علي  عن نفسه :
...................................
فصلت من المدرسه سنة 1927 مع من فصل من طلاب المدارس لنشاطي في التضاهره الكبرى في بغداد ضد مجيئ عميل الصهيونيه  السير الفرد موند .
كما فصلت بعد ذلك من الوظيفه سنة 1941 لنشاطي ودعمي لثورة رشيد عالي الكيلاني واعتقلت في معتقل العمارة .


يقول عنه د.هاني سالم حافظ :
....................................
لم يتعرض فنان في العراق للاضطهاد والمضايقات كتلك التي تعرض لها الفنان المنولوجست عزيز علي والاتهامات كانت تلاحقه سواء في العهد الملكي بحجة انه نازي او شيوعي وفي العهد الجمهوري يتهمة الماسونيه وهو بريئ منها جميعا .
وكان المرحوم عزيز علي يراجعني عندما كنت مديرا لمصرف الدم في باب المعظم ( المركز الوطني لنقل الدم حاليا) لحاجته الى الدم لعلاج ابنته المريضه وكنت وتقديرا له ولفنه ازوده بالدم دون تبرع مقابل وحسب صلاحياتي حيث كان المعمول به ضمن سياقات التبرع بالدم ان من يحتاج الى الدم من المواطنين ان يصطحب معه عدد من المتبرعين بقدر وحدات الدم المطلوبه مهما كان صنف دم المتبرع وعلى المصرف ان يزوده بالدم المتطابق مع دم المريض والمفحوص مختبريا وحسب انظمة السلامه الصحيه .    
جاءني عزيز علي في احد الايام والسعاده بادية عليه حيث اخبرني بانتهائه من طبع ديوانه الشعري واهداني نسخة من الديوان وكتب عليه الاهداء بخط جميل ولكنه متعرج حيث كان يشكو من رجفة في يده .



عزيز علي يوضّح معنى المونولوج :
............................................

كان المرحوم عزيز علي ينظم الشعر ويلحنه ويلقيه كمنلوج وقد وضح هو معنى المنلوج بقوله انه مصطلح يوناني مركب من كلمتين هما ( مونو وتعني واحد او فرد واحد) ( ولوج - لوجوس اليونانيه وتعني الكلام او المقال) وبدا بالقاء المنولوجات في دار الاذاعه العراقيه منذ تاسيسها عام 1937 واقتصرت هذه المنولوجات كما يقول هو على استعراض ومحاربة بعض التقاليد والمعتقدات ( السخيفه ) وبدا هذه المنولوجات عندما حصل خسوف القمر تلك الايام فانشد منولوج عال العال واليكم نص المنولوج عال العال
*********
نص الليل فزيت من نومي
شلكي ؟ الكيلك هوسه بمهجومي
مرتي مصعده جفجير وصينيه
وطشت هدوم وفد طاوله وجدريه
وتدك بيهن خبصتلك هالدنيه
وتغني بحس عالي هالاغنيه
يا حوته يا منحوته
هدي كمرنا العالي
وان كان ماتهدينه
ادكلج بصينيه
هذا كمرنا نريده
وهو علينا غالي
زوعيه يا ملعونه
وهديه بالزينيه
عال عال عال العال
من هالمال حمل جمال
وج شنهاي؟؟ عاطت ذيج العيطه
ما تشوف الكمر بالعته الحوته
هاي احنا اندكلها عالصينيه
حتى انخوفها اسال هاي الدنيه
ليش اني شمسويه حتى تصيح بيه؟
كلتلها اني المخطي يامريه
عال عال عال العال
من هالمال حمل جمال




عزيز علي والنقد اللاذع :
.................................
تميَز عزيز علي بنقده اللاذع حد التهكم لسلبيات الواقع المرير الذي عاشه العراقيون، ولم يدخر جرأة ولا مبادرة في نقد الأفكار والعادات المتخلفة وهاجم دون خشية مظاهر الدجل والشعوذة والإفتعال الزائف والتصنع، ولم يدخر وعيا لغويا ونفسيا إلا وجسده في تناول الامثال والجمل الشعبية البغدادية. لقد كان له موقف سياسي نقد فيه جميع الحكومات المتعاقبة على العراق، ولم يتزلف أو يحابي كسبا للإمتيازات التي شاعت إبان العقود المتأخرة وسرى مفعولها اليوم، ودافع عن حق المواطن بالوجود وأرجع الأمر الى السمتعمر وأذنابه، وكأن الحياة تدور دورتها كل مرة، بمهزلة أو تراجيديا كما قال أحد الحكماء .

مونولوجات عزيز علي متجددة مع الزمن :
.....................................................
كانت ميزة مونولوجات عزيز علي التجديد، والعضوية التي جعلها نافذة لكل زمان ومكان. ومن يسمعها أول مرة يضنها نقد لأيامنا الحاضرة، حتى تفاجأت الأجيال الصاعدة من قوة الرمزية و_(الحسكة) الشعبية في جنباتها، بالرغم من تقادم الزمان عليها وإختلاف المفردات وإختلال المعايير الجمالية أو حتى زوغان المفاهيم الأخلاقية عن سالف عهدها. كل ذلك جعلها تسمع بشغف من طبقات الوعي العراقي بعد سقوط الصنم ،و تناقلتها الفضائيات والإذاعات بما لمسته فيها من حمل للهم و متنفس للتضامن مع من يشعر بالغبن بعد عقود الطغيان. وهكذا شعر الناس بالسليقة ، مبدئية عزيز علي، بما زاده أحتراما وشغفا بفنه .

أول مونولوج غنّاه عزيز علي :
......................................
اول مونولوج غناه عزيز علي كان ذو مغزى اجتماعي وموضوعه بسيط ولم يثر في حينها لغط عن فحواها، الذي تناولت موضوعة عادة "القبول" المنتشرة في المجتمع المخملي لتلك الأيام، حيث كان النسوة العراقيات يخصصن يوم واحد في الاسبوع لاستقبال الضيوف، وأمسى طقس "القبول" عبارة عن جلسة نسائية تجمع خليطاً من الباكر والثيب، المتزوجات والمطلقات .. الخ، بما جعلها مناسبة للتفريغ عن هموم النفس وتنفيس للخواطر التي أملتها عزلة البيوت وكثرة المشاغل والهموم .

عزيز علي مؤرخا :
...........................
لقد أرخ عزيز علي فترة تاريخ العراق المعاصر بمونولوجاته التي تؤرخ للقضايا الوطنية وحراك الحرية من الاستعمار واذنابه، ونجد في مونولوجه "البستان" مثلا تشبيه العراق رامزا له ببستان يقطف ويجني ثمار هذا البستان الانكليز واتباعه، وقد هاجم مجلس الاعمار عندما اراد بناء اوبرا في وقت تعاني مدن العراق من الفقر والتخلف في مونولوجه الذي يقول:

الله من ينطي يغطي بلادنا عمرت ترى
ونبني فندق هلتون ماكومنه بالكون
على عناد العاندونا كلفته جم مليون


عزيز علي ينتقد شخصيات مؤثرة وجهات فاعلة :
...........................................................

ونقدت مونولوجاته شخوص وجهات منها السفير البريطاني في بغداد في "صلي عالنبي" الذي اذاعته على الهواء دار الاذاعة العراقية في بغداد.
وبعد انهيار النظام الملكي عام 1958 انفجر بمونولوجه الشهير " كل حال يزول "بقوله:

كل حال يزول ...
ماتظل الدنيا بفد حال
تتحول من حال لحال
هذا دوام الحال محال
كل حال يزول
هالعالم مليان اسرار اسرار تحير الأفكار
دولاب الدنيا الدوار صاعد نازل باستمرار
مايتوقف ليل نهار يقبل ويودع زوار
زغار كبار
اطفال يصيرون رجال ورجال يصيرون ابطال
ورجال يظلون اطفال ورجال انصاف رجال
وعلى هالمنوال تمر الاجيال
وكل جيل يكول
كل حال يزول


عزيز علي يستخدم الرمز في انتقاداته خشية البطش:
............................................................
وفي قصيدته "عيش وشوف" ينتقد النظام السياسي والحكومة البرطانية وخاصة سفارتها لكن ميزة قصائد عزيز على انها لاتذكر فيها الاسماء خوفاً من بطش الحكومات بمعنى انه ينتقدها بصورة غير مباشرة :

عشنا وشفنا وبعد انشوف قرينا الممحي والمكشوف
ماظل فد شي مو معروف عيش وشوف عيش وشوف
عشنا وشفنا بها الدنية كل الادوار
وزين فهمنا الوضعية من احنا زغار

المفكر حسن العلوي يتحدث عن عزيز علي:
..................................................
يذكر حسن العلوي في كتابه "عزيز علي اللحن الساخر" أنه فنان اجتمعت فيه ثلاث مواهب، شعرية، موسيقية، صوتية، سخرها لقضية شعبه فعانى الجوع والحرمان، وعاش السجن والاضطهاد، كأي مبدئي ملتزم، حيث أنه سجن لمشاركته في ثورة مايس عام 1941 وقبلها فصل مع طلاب المدارس لنشاطه في التظاهرة التي قامت في بغداد احتجاجاُ على مجيء سير الفريد موند الى العراق عام 1927.
ولم يتخذ عزيز علي من مونولوجاته دعاية ووسيلة للتزلف أو المداهنة، ولم يتصعلك أو يبتذل بل تمتع بشخصية متزنة وقورة أكسبت فنه الإحترام. و توفي في 24 تشرين الاول عام 1995بعد أن همشته السلطة البعثية، مثله مثل كل رموزنا الفكرية والإبداعية التي كان مصيرها النسيان أو النفي ومن ثم النسيان. ولم يظهر بعده من يقلده أو يحاكي اسلوبه بما يعني أنه رحمه الله كان ذاتا شكل مدرسة قائمة بذاتها.

عزيز علي والاستشعار المبكر للأحداث :
...................................................
لم يكتشف عزيز علي في نفسه ظاهرة موهبته الفطرية التي يفتقدها اكثر السياسيين حنكة ودراية، تلك هي قوة إستشعاره للأحداث والحوادث، فقد كانت مونولوجاته، مقالات ورسائل انذار مبكر للحاضر المريض فيما هي كانت في الواقع تحاكي الواقع المستقبلي وكأنها تعيشه بكل تفاصيله .. لذا فأن كل مونولوجاته التي نستمع اليها ونتناغم معها، تصلح لحال اليوم، فحين نستمع اليها نكوّن وصفاً دقيقاً لواقعنا السياسي والأجتماعي وأرهاصاته وتداعياته وإنكفاءاته وأمراضه .. انه يبرهن على براعته السياسية، رغم انه لم يكن منتمياً لأي حزب سياسي .

قال عزيز يوما :
.....................
قال يوماً في حديث، انه لم يذهب الى مجتمع الكبار ولم يسلك هذا الدرب أبدا رغم الدعوات الكثيرة التي كانت ترده لأن عقيدته كانت تتعارض مع مصالح اولئك اضافة الى انه لم يسخّر فنه للأرتزاق والكسب والثراء ولو " فعلت ذلك لأصبحت مليونيراً

إذاعة العراق الحر أول من رفع الحظر عن عزيز علي :
...................................................................
 تعتبرإذاعة العراق الحر صاحبة المبادرة إلى رفع الحظر الذي وضعه النظام السابق عليه لعقود طويلة باستخدام أغانيه في مستهل البث وأثناءه وفي ختامه عند بدءها البث عام 1998، حتى أصبحت علامة فارقة لها، وسببا من أسباب إقدام المستمعين عليها، واحترام تبنيها لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة في العراق، لذا فإنها ارتأت أن تستذكر هذا الفنان في ذكرى ميلاده .

اللحن الساخر ..عزيز علي
..................................

لم يكن التسجيل قد بدأ بعد، ويتحدث صاحب الكتاب الوحيد عن حياة عزيز علي الذي يحمل عنوان "اللحن الساخر" الكاتب والمفكر حسن العلوي عن تلك الفترة بالقول، "عندما تحل الثامنة والنصف من مساء كل يوم أربعاء ، ينساب السحر الحلال ، فتشرئب إلى الراديو أعناق الرجال في مقهى " رجب " في كرادة ، بغداد و تتحرك اللجى .. إن " عزيز علي " يصدح بصوته الآن ، كان هذا الصوت يجمعنا ، نحن الصبية ، مع رجال المقهى ، يحركنا كما يشاء ، فنضحك حين يضحك ونسخر حين يسخر... كنا نمخر عباب البحر في مونولوجه الشهير ( السفينة ) وكان مونولوجه ( الدكتور )........ يأخذنا إلى حيث نكشف أمراض المجتمع .. وعندما تنتهي الدقائق العزيزة المخصصة لهذا الفنان من قبل إذاعة بغداد ، نقوم بترديد كلمات مونولوجاته بينما تنهال عبارات الثناء التي يطلقها رجال المقهى .

عزيز علي يستغل فسحة الديمقراطيّة في العهد الملكي :
...................................................................
وتميز عزيز علي بمبدأ التحريض يبدو واضحا حتى سمي بالفنان الثائر، وقد استغل فسحة الديمقراطية والحريات المتاحة في العهد الملكي للتعبير عن فكره وفنه ولم يتعرض إلى الملاحقة إلا في العهود الجمهورية التي تلت إذ تعرض لأشكال القمع المختلفة مثل العزل والنقل والفصل، بالرغم من انه لم يواصل عمله وكانت أعماله ممنوعة من البث لكن فنه علق بالأذهان وظل الناس يرددون أغانيه ما كان يثير غضب وسخط الأنظمة عليه، ولكونها لم تجد ما تتهمه به فاتهمته بعلاقات خارجية لم تثبت ضده .
عزيز علي يطالب بمحاسبة المفسدين :
................................................
لم يتردد عزيز علي في المطالبة بمحاسبة المسيئين من المسؤولين والسياسيين ممن آل إليهم مصير الأمة لكنهم لم يكونوا على قدر المسؤولية مما تسبب في استشراء الفساد المالي والإداري واستغلال المناصب لتحقيق مآرب خاصة وشخصية وغياب الشفافية والصدق في الأداء والعمل .

عزيز علي وثورة الإتصالات :
........................................
وكان عزيز علي قد انتبه إلى ثورة الاتصالات التي بدأت في العالم وتحسس أهميتها لأنها كانت بوابته إلى الرأي العام عندما فتح الملك غازي الأبواب أمامه للغناء من إذاعة بغداد فغنى الراديو .
وقد دافع الفنان عن مظاهر التحضر في المجتمع ومنها الأدب والفن الرصينين واخذ ينتقد محاولات الإساءة وما سمي بالفن الهابط الذي حصل جراء دخول أناس غير مختصين وليسوا أصحاب كفاءة وموقف.


الكتاب الوحيد الذي تحدث عن عزيز علي :
...................................................
" اللحن الساخر" هو الكتاب الوحيد الذي ألف عن الفنان عزيز علي وهو للكاتب حسن علوي وألفه عام 1967 ويقول علوي إن " عزيز علي " رسم خارطة اجتماعية عراقية ، بحس ورؤية وطنية ، فلم يتخذ من رسالته الوطنية دعاية أو وسيلة للتزلف أو المراهنة، وكان يتمتع بشخصية مهابة ، ويحرص على الأناقة في الملبس وفي الكلام وهو محب للنكتة .

مي عزيز علي تنتقد محاولات تجاهل والدها والإساءة له :
........................................................................
استاءت  ابنة الفنان مي عزيز من تجاهل والدها و من محاولات الإساءة المتعمدة وغير المتعمدة ومنها مايقول انه كان يعيش على فنه ويتنقل بين البارات والملاهي فتقول انه عندما منع من أداء المنولوج في الإذاعة انتقل إلى كربلاء مع عائلته وفتح محلا لبيع الأحذية .
وأضافت مي في رسالة لها ردا على ما ورد في برنامج أعدته قناة فضائية عراقية أن والدها عزيز علي كان موظفا في مديرية الجمارك وانه فصل مرة لاشتراكه في تظاهرة ومرات بسبب منولوجاته التي كان يدخل بسببها السجن ويطلق سراحه بعد حين .

عزيز علي يجيد خمس لغات :
......................................
وكان عزيز علي مثقفا يجيد عدة لغات وهي الألمانية ، الروسية ، العربية ، الكردية والفارسية إجادة تامة ما أهله للحصول على وظيفة ملحق ثقافي وإعلامي في سفارة العراق في براغ، التي شهدت انطلاق إذاعة العراق الحر منها والتي أحيت تراثه الذي كان ممنوعا في بلاده وجعلت من أغانيه علامة فارقة لها حتى اليوم .

عزيز علي ونوري سعيد باشا :
......................................

في يوم أربعاء من اربعاءات عام 1956 استعد لدخول الســتديو لانشاد مقال (السفينة) و(صل عالنبي) وأثناء الانشاد فوجئ بوجود (نوري السعيد) -باشا- وراء زجاج غرفة مراقبة الستديو ينظر اليَّ مع بعض موظفي الاذاعة وقد خيل له انه سيكرمه فأنسجمت مع المقال وبعد فترة ترك غرفة المراقبة وعاد بعد قليل وهو يحدق بي ويطيل النظر نحوي وبعد لحظات دخل مهندس الاذاعة (ناجي صالح) واسر في اذنه (هل تحمل معك مجموعة اشعارك لان الباشا يريد ان يراها) فسلمه اياها وهي بخط يدي وكان الباشا قد سأله (لك هذا شنودا يحجي من كلبه) فأجابوه (لاباشا هذا هو ينظم ها الاشياء وحافظها ويقرأها على الغيب ومدير الاذاعة موافق عليها) فطار صواب الباشا وقال وين مدير الاذاعة فأجابوه (طلع قبل شويه) فقال (لعد جيبولي الاشعار اللي دايكولهه هذا- يقصد عزيز). و حين عاد المهندس ناجي ليقول له (الباشا يريدك) فذهبت اليه وانا اجهل ماقاله للموظفين.. فقال الباشا وبشكل يوحي بعدم الرضا (انت شدعوه هلكد متشائم.. وداتبجي الناس بها الحجايات ييزي تتشاؤم.. ييزي مضت علينه اربعميت سنة واحنا نبجي) ثم اردف قائلاً: (انت شنو شغلك)؟ فقال اني موظف بالكمرك فقال (واي واي.. جمالة موظف بالحكومة) فقلت لنفسي (اكلها عزيز افندي خوش تكريم راح يكرمني الباشا). ثم قال الباشا شنو (جي) وشتقصد بعبارة (اخر كل علاج هلجي) فقلت(باشا انت باشا تعرف الجي) فقال الباشا (المن تريد الجي) فأجبته لم اقصد ناساً معينين. فدس المجموعة في جيبه وقال بسيطة وغادر المكان فخاف في حينها ولم ينم في تلك الليلة وفي اليوم التالي ذهب إلى كمرك بغداد حيث كان يعمل مخمناً فرن جرس الهاتف وحدثه مدير الدعاية العام خليل ابراهمي وقال الباشا يريدك ويبدو انه كان يظن انه شيوعي.

فذهب إلى مجلس الوزراء في القشلة واستقبله الباشا قائلا (شتشربون) فاعتذرنا كلانا عن طلب شيء ثم قال (انته يا أخي الله ناطيك هالموهبة تسفط الكلام مثل ماتريد فليش دا تفزز الناس واتبجيهم كول البلد بخير وبيه رجال مخلصين يكدرون يقضون على هالعيوب والافات.. ليش تلزم الجوانب السلبية وماتذكر الايجابية ثم توقف عند كلمة في مقال (حبسونا) اقول فيها (مجلسكم مجلس اشرار) وقال بالله هذا اشلون حجي فأجبته بانني اقصد مجلس الامن وليس مجلس الامة فقال (ليش اني غشيم هذا الحجي مايعبر عليَّ). فسكت ثم اعاد اليَّ المجموعة وغادرت بدون ان يعاقبني الباشا لكن (خليل إبراهيم) الذي بقي في غرفته بعد خروجه وبعد ذلك قال خليل إبراهيم (الباشا تأكد انت موشيوعي وصار معجب بيك هواية) فقلت له(ارجوك ان تشطب اسمي من برامج الاذاعة) وقد خفت على نفسي كثيراً وفعلاً لم اذهب إلى الاذاعة في الاربعاء الذي تلا الحادثة رغم اذاعة اسمي وموعد برنامجي في ذلك اليوم لكن جريدة الاهالي هاجمت الباشا في اليوم التالي وقالت انه ذهب إلى الاذاعة لاسكات اصوات الحق المتمثلة بالادباء والشعراء.. فأزددت خوفاً وشعرت ان عدم ذهابي هو السبب في ذلك وكي لاتتطور الامور أكثر ذهبت في الاسبوع التالي وانشدت مقال ..انعل أبو الفن لابو أبو الفن .

 يقول الأستاذ قحطان جاسم جواد :
.........................................
* قلتُ للفنان الكبير عزيز علي في احد لقاءاتــي معه عام 1991 لو لم تختــــر (المونولوج) الذي تسميه (مقالاً) وعدت الى بداياتك فأي مجال تختار؟
- فنظر الفنان الكبيـر الذي تجــــــاوز عمره الثمانيـن اليُ نظرة عتــــــــــاب.. المعروف عن عزيز علي انه عنيد وانه برغم الشــــــيخوخة فانه ما زال عنيداً لا يتراجع عما آمن به... وقال بـإصرار: لو عدت  الى سنوات عمري الاولى  لما اخترت غير هذا الطريق الذي وجـدت نفسي فيه.. ولا احيد عنه برغم عذاباته وتعاسته ومعاناتي فيه، كنت اشــعر انني اقرب للمصلح الاجتماعي اكثر من قربي للفنان.. ولم اندم على  اختياري لهذا الطريق الصعب ابداً .

ما حكاية صاحب الهاتف 85385
.............................................
* ما حكاية اســـــــتدعائك من الإذاعة بعد ثورة 1958 عبر إذاعـة رقم هاتفك (85385)؟
- لم تكن  ثورة  تموز 1958  مفاجأة  للكثيرين بل  كانت  متوقعة  على الاقل  بالنسبة  لبعض  المثقفين - وانا احدهم - وفي صباح  يوم الثورة  وانا  في البيت سمعت  مذيع الاذاعة يعلن عن صاحب الرقم الهاتفي 85385 الحضور الى  الاذاعة فوراً, وكان هذا هو رقم هاتفي وحين وصلت وجدت عبد السلام عارف  واقفاً امام باب الاذاعة الداخلي فبادرني بالقول (وينك يا عزيز علي هذا يومك  اشوفك) لكني كنت ارتجف ساعتها لانني لا اعرف ماذا كانــوا يريدون مني  لا سيما وان الوضع لم يستتب كلياً واصوات الرصاص تلعلع في كل مكان.. فوعدتهم خيراً وعدت الى البيت كي اكتب مقالي ورجعت عصر نفس اليوم الى الاذاعة  وانشدت مقال (نو) وقلت فيه:
بالغش والفتنة وبالدس
هواية سمعتوا جلمة يس
ثخنتوها ييزي عاد نو
نو نو لهنانة وبس
عاهدناكم ما اخلفنا العهد وياكم
داريناكم بالمعروف
صادقناكم وكل هذا العالم عاداكم
عاملناكم على المكشوف
وانتو نكثتوا العهد وخنتوا
وعلتوا على عاداتكم ملتوا
لكن عاد الويل  الكم من عدنا الويل
راح نعيد لكم كل كيل بمية كيل
ونشوفكم بالظهرية نجوم الليل
يا خاين شوف الشعب شلون تحمس
وتطوع للخدمة وبوجهك عبس
دخجل من نفسك عاد انجب واخنس
نو نو لهنانة وبس

عزيز علي مالك الفرقة التمثيلية الوطنيّة ورئيسها :
............................................................
تمكن عزيز علي من امتلاك (الفرقة التمثيلية الوطنية) وأصبح رئيساً لها.. وكان من جراء ذلك خروج عدد من  الأعضــاء،  فمنهم  من انتسب الى فرقة أخرى  وبينهم  من شكّل فرقة جديدة.. مثل  الفنان محيــــي الدين  محمد الذي كوّن الفرقة  العصرية .

لكن عزيز علي،  لم يمكث طويلاً في الميدان المســــرحي، حيث تنازل  في شهر آب عام 1930  عن رئاسة (الفرقة التمثيلية الوطنية) الى الفنــــان (اميل أفندي جبوري) وواصل اندماجه بالعمل السياسي.. وطور موهبته المعروفة في الموسيقى  والغناء. الى أن استقر به المطاف  عند  (المونولوج)،  وصار علماً بارزاً من أعلامه في العراق... كما عرفه أبناء جيلنا طوال الخمسين سنة الأخيرة .

وفاته :
............
توفي عزيز علي  رحمه الله في 24 تشرين الاول عام 1995 وحيدا مغمورا من دون ان يذكره أحد حاله حال المبدعين العراقيين ممن لم يتركوا مالا  ولاأملاكا بل تركوا تراثا حيا لايزال يعشقه ويقلده الملايين رحم الله الفنان الكبير عزيز علي وأسكنه فسيح جنانه.

المصادر :
............
ويكبيديا الموسوعة الحرّة
العربيّة نت
الشرق الأوسط / انعام كجه جي
الكاردينيا
محطات في حياة عزيز علي/ مازن لطيف
عراق بريس
جريدة الزمان / فائز جواد
جريدة المشرق
المدى للثقافة والآداب والفنون



إلى لقاء آخر مع حلقة جديدة من مسلسل
{فنانون منسيون من بلادي}
أستودعكم الله.
علاء الأديب
تونس/ نابل
7-1-2018