بحث هذه المدونة الإلكترونية

‏إظهار الرسائل ذات التسميات القصة القصيرة ..راوية جراد. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات القصة القصيرة ..راوية جراد. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 14 ديسمبر 2014

العدد الرابع لسنة 2014 ... القصّة ... رهام الحياة ... بقلم : راوية جراد





العدد الرابع لسنة 2014

القصّة

رهام الحياة

بقلم : راوية جراد







تمايل الليل منهكا ثملا واستلقى على خصر زيتونة مثيرة قصير فستان أغصانها فابتسمت له مستسلمة ودثرته بشعرها الطويل الاسود ونامت حالمة بحضنه الدافئ. ارتمت الارض متثاقلة تحت نخلة وهزت جذعها لتلتقط بعض حبات من عذب رطبها . فتحت فمها لتسد رمقها فتذكرت حبيبها فلطالما قد داعب بجنون ثغرها.
اااه منه لِمَ يطيل الغياب ؟؟ أين هو الان ؟؟ هل انجذب لغيرها من الحسناوااات ؟؟ هو حلمها ،هو نورها ،هو عبيرها ،هو أملها ،هو دفؤها ،هو نبض الحياة !! استرخت قليلا وشردت بفكرها . رأته يداعب كل تفاصيلها بيده الساحرة . يهمس في أذنها في جنون .يجذبها. يقبّل جبينها الندي حتى اخر اصبع في بستانها . يعانق خضرتها .يسبح ببسمتها ويشهق من فتنتها ، يسكر من عذب رضابها ويتأوّه من سحر همسها وشذى لحن حروفها . كم ارتجفت بين أحضانه حتى تمايلت !!! حتى ثملت واشتدّ دورانها وجنونها !!! كم التهبت واشتعلت نيرانها وتفجرت براكينها من لهيب أنفاسه ودفئها!!!
هي أنثى فاتنة وهو بكل ما في الرجولة من معنى في صلابته وبرودته الناعمة . ليته يطل عليها بدرا ينير دربها ، ينير عتمة ليلها، يؤنس وحدتها ويلبي رغبتها !! ليته يهلّ لحظة حتى ولو كهلال يحضن وحشتها ويسقي حوجتها !! اعتصر الشوق بها عبث بقسماتها حتى رقّ قلبه لحالها فضمها وعاشرها حتى عشقها ولم يعد يريد ان يفارقها !! كل من مرّ بها تعلّق بمفاتنها ولكنها أبدا لم تنظر الى غيره ولم تعشق سواه . هو يسكن فكرها وقلبها لا يفارقها في كل حالاتها وتقلباتها . حنينها اليه قد فتت صخورها ونخر هضابها ، قد فجّر براكينها وصحّر ثراها وشحّت عيونها من البكاء ورُمدت مقلتاها .شوقها اليه قد نثر ترابها وعبث بجمالها وبدّد الجمال في رباها . ترهلت من بعده بدأت تغزوها الشيخوخة بلا رحمة وهي في أحلى سنوات العطاء والبهاء. غزاها القحط تجلفت أطرافها واعتلاها البؤس وطفحت على مسامها بعض سموم من ثورات مفتعلة ودسائس مقيتة. كيف لها أن تحتمل كل هذه الطعنات ؟؟ كيف يمكن لها ان ترى كل هذه الويلات ؟؟ وكل يوم يموت في احشائها طفل بريء وشهيد مغتال !!!!! الى متى ستظل صامته تتجرع مرارة الدماء !!! أين انت يا من سكنت سراديب قلبها وهززت ضلع نبضها كلاجئ فى المنفى أو كمحارب فارس مغوار أنهكه القتال في معركة ضارية مع أعداء الحياة. تنهدت من اعماق أعماقها . صرخت كما أم وقت ولادة .. انتحبت ورودا وياسمينا وزلزلت اهااات ومرارات .. فتلبدت السماء حزينة وتغيمت بسحب كثيفة من دموع وكآبة وانحنت تحضن الارض في سكون وسلام...وفجأة تراءى لها من بعيد.. وهو يهلّ عليها بجلباب ابيض نقي شفيف مبتسما كما الملاك . نعم هاهو من بعيد بعيد يمدّ لها بذراعيه في لهفة وحبور .. فانتصبت وانتفضت وارتجفت في شغف ..وتهاطل على جبينها بقبلاته العذبة وقبّل جبينها بحنان فتراقصت وتمايلت معه في سمفونية عذبة "لقاء العشاق" . وهمست في اذنه معاتبة وهي تذرف دمعا غزيرا بلل كفيه فطفق يمسح لها خديها بلطف : اين انت يا حبيبي اين انت يا ماء؟؟ فهمس قائلا : كنت في مهمة حبيبة روحي وها أنا قد عدت لك . فأردفت باصرار: لا تتركني لا تتركني !!!! انا من بعدك أموت والله أموت فاحتضنها بقوة بقوة ودسّ وجهه في صدرها باكيا ...
ارتعشت الارض نشوة وتبعثر قلبها وتناثر فتاتَ رغيفٍ .تهافتت عليها الأطيار تلتقطها في تدافع وعناء. رفرفت الفراشات ترسم بأجنحتها حروفَ قصيدة على دفتر الحياة. وتثاءب الصمت وتكوّّر ونام في كوخ متداعي في أعماق الانسان وانحنى الصبر يلثم كفّ السلام متضرّعا مناجيا. مرّ الخوف مرتجفا يدفع عربة يبيع عليها بعض فطائر من الوعود وبعض كعك من الأكاذيب . وطاف الزمان متّكئا على عصاه يراقب كل التفاصيل وعَبَر في شموخ وكبرياء...
راوية جراد 2014/12/09






الجمعة، 7 نوفمبر 2014

العدد الأول لسنة 2014 ... القصة القصيرة ... نحيب جنازة ... بقلم : راوية جراد


 العدد الأول لسنة 2014

 القصة القصيرة

نحيب جنازة

 بقلم : راوية جراد





تلحف الجميع غيمة سوداء يتقدمهم زعيم الحزن وقد اعتلى جوادا أصيلا يخطو خطوات تتأرجح حينا الى العدم وحينا يتقدم الى الوراء الى العتم . يمشي متثاقلا في تمرد ثائرا يرفل في كسوة منسوجة من ربيع الألم. وساروا كالقطيع وراءه يرفلون في جلباب مرتق بأحلام الذكريات المسكونة المسجونة في قلب نفق اللوعة والندم.. تأبطوا ذراع الانكسار الذميم في ارتداد من وجل... واحتضنوا شوك الحسرة واعتنقوا دين الدموع.. وساروا في جنازة رهيبة من مات في ساحة الوغى موت مخدوع ... يتقدم الموكب شيخ الخشوع.. ..يضع على راسه المخضرم عمامة الجلد وبعض خنوع.. ويرتدي جبة ماض منتكس العلم من ترهل وصدوع .. ويسبح بلسان لا يتوقف عن الحوقلة وذكر ابيات من عشق ممنوع ...
ويجر العدل أذيال الخيبة ويضع على وجهه برقاعا.. ويزحف مطأطأ الرأس نادما ملتاعا .. ويغوص في دمعه المنسكب يفيض من القاع حتى النخاع.. الكل يمشي الهوينى ..وكأن على رؤوسهم طيرا من سكون وطمأنينة .. وتزاحموا في حشر رهيب والكل يحمل على أكتافه حملا من الأوزار والذنوب المكينة .. وتمنى الصمم ان ينطق بما يجيش في صدره من غبن وضغينة .. وعدَل عن رأيه خوفا من ذنب يقترفه في حق نفسه الأمينة.. وينسلخ عن بني جلده الأسبقين ..فتاب وغاص في سكون باهت ،شاحب ،مبهم وانبرى كالأسد الصامد وهو يعتلي عرينه ..
وتعالى صوت الموعظة يخطب في الناس: "يا قوم يا قوم توبوا الى الله وعودوا الى رشدكم ". فأسرع الناس هاربين.. من صدى الصوت الصاخب هروب المعتقلين.. من سجون التعذيب وقد اهترأت أجسامهم من جلد السياط تحت تعذيب الجلادين ..واحترقت أحشاؤهم لوعة من لهيب الجراح والتضليل والتعتيم والكبت وساروا الى دنياهم لاأتقنوا حياة ولا دين ...وتبخرت أرواحهم رياحينا .. وثقبت طبول اذانهم وما عاد يهزهم طربا لا خطابا هادفا ولا رنينا ...
ويبكي الصمت في كبت و حسرة يتكأ على عكاز الضيم مختنقا ،متوجسا ان تكون اخر الاحزان في دنيا الغافلين .. . ويمضي الموكب وتغرق الجحافل في بؤرة الضياع ويرتهن السكون ويرتجى السلام غيمة ولو كانت عابرة ولكن مثقلة برهام الامل و الأمان واليقين...
وتتمايل الحشود سكرى ،ثملة كانها كانت تشرب من ماء حميم تعتق بعطور باريسية فيها اختلطت كل الورود والرياحين مع وهج عابق مضرج بالأنين .....
يا الله.. يا الله !! الفقيد عزيز، نقي القلب تقي ،كريم، سخي ، لطيف، ودود، يحب الخير للجميع ولا يتوانى عن الارشاد.. عن حب الخير لكل العباد . ..
وصل الركب المقبرة ليوارى الفقيد في ثراه الأخير وتعتصر الدمعة آهاتها في اخر طقوسها في محراب الوفاء وهي توصي أخواتها بالتأني في الانسكاب خوفا عليهم من الغرق في بحر المآسي العميق.. .الكل يكبر هو وحده الخالد والباقي، ذكرى لن تنكسف ولن تغيب ولو غار الكل بين أمواج الهلاك غريق..
يالله.. الخسارة موجعة مات العزيز الصادق الصدوق . مات صوت الحق : مات الضمير ..
لقد نطقت المحكمة بحكم الاعدام حكما لا رجعة فيه ولا استئناف وقد تقدم بالقضية أناس قد أنهكهم التعب من الخوف واستقوا من أرق التأنيب كأسا من الحنضل و المرّ الزعاف حاولوا أن يردوه عن "ضيمه "عن "الحاقه الضرر بهم" فهددوه ،حاصروه ، تلهوا عنه ، خنقوه ثم اتفقوا عليه ليخمدوه.... وجاء اليوم الموعود اليوم المشؤوم ليدفنوه ...
وانطلقت زغاريد الحسرة على الشهيد، على الضمير المجيد على كل براءة كانت والدا ووليد .. وانطلق من بين الصخور نور ساطع يجرّ من خلفه ومن أمامه قافلة من نور .وأ جشهت الجبال رهبة وأصابها بعض كسور وغشيت السماء واعتراها فتور ..
وانطلقت حبات من ياسمين مجروحة تتبسم في بهاء صارخ وغرور ...وتبلسمت الجراح بأحلى عطور.. وطفق الجميع يهرولون لا يلون على شيء سوى المرور ..سوى العبور من بوابة منكوبة الى بوابة حبلى بمتاهات الآمر والمأمور .. لا يملكون من أمرهم لا جوازا ولا دليلا في مفترق طرق ولو حتى طريقا سالكا آمنا من بعض نقاط التفتيش ولا حتى مضيقا ضيقا يقيهم من عبث مغمور...
ونادى صوت المجد في السماء حبورا وترحابا بالضيف النبيل الضيف المبجل ،حافظ الرسالة وناشرها شهيد الكلمة الطيبة شهيد من قمة القمم.. قد أنهى حياته بين أعماق ثرى القلب موؤودا مرتهنا في ساق الألم ...