العدد التاسع
لسنة 2015
القصة
علـــى ذمــــة
الحب
بقلم : وجدان
الشاذلي
((يحدث أن ؛ تطل على نفسك من علو شاهق لفوضاك ، فلاترى شىء
..سوى الخيبة التي انتعلتك عند نقطة ما من سذاجتك..))
كانت الحياة تمارس معي رتابتها المعتادة ، وأمارس بدوري معها
غبائي بكل جدارة..
القدر ، الحظ ، الصدفة .. في انتظار أن يرتطم بي أحد هؤلاء
فألتصق به..
لم يكن هناك شيئاً في هذا الصباح ؛ يوحي بأنه كان ذاك الصباح
المنتظر..
صيف ساخط ، كآبة تتلبس السماء ، مجموعة من الكائنات الحية
تبذل كل ما بوسعها لجعل الحياة أكثر رداءة..
ومازلت اشعر بثقلي النوعي يبقيني مشدودة إلى الأرض ، كيف
لي أن أدرك يومها بأني على وشك السقوط ، أو ربماعلى وشك التحليق .. ماالفرق ؟
على يقين كنت بأن ما أنا في انتظاره لايخضع لقوانين الفيزياء..
بينما مازلت مددة في سريري .. أحدق في السقف عند نقطة الصفر..
قفزت أختي وفتحت النافذة :
- انظري ؛ يبدو أنه سيصبح لدينا جيران جدد
انظري ؛ لقد جاءو بأغنامهم ، ودجاجاتهم ..!!
قفزت بنشاط ، ومن شق صغير في النافذة الأخرى ،القيت نظرة:
يقال بأن أشعة الشمس تحتاج ثمان ثوان فقط لكي تلامس سطح الأرض
، ترى كم ثانية تحتاج أشعة الحب لكي تلامس شغاف قلوبنا ؟
وقفت يومها مشدوهة وأنا استعيد تلك الملامح التي أحفظها عن
ظهر قلب .. تلك التفاصيل الصغيرة الهاجعة في دهاليز ذاكرتي .. هاهي تتجسد أمامي الأن
.. جسداً حياً، نظراً ، نشطاً.. كيف حدث ذلك ؟.
ومثلما يذوب الشمع تحت ألسنة اللهب ، ذابت كل الأقفال الصدئة
التي تركتها على قلبي وسقطت .. فوجدته يقفز إلى الخارج ويأخذ بالرقص .. يرقص .. ويرقص
..ويرقص ..
يهرول صوبه ، يتدحرج ،يلتف حوله ، يقفز عند مستو وجهه ويرفع
عن إطار نظارته الأنيقة خصلت الشعر تلك التي كانت تزعجه كثيراً، يمسح عن جبهته قطرات
العرق..
وينتشلني صوت أختي :.
- أخيراً..صاحب النظارة الأنيقة .. أليس كذلك ؟
لاأعلم كيف حدث يومها ، وانفرجت شفتي عن ابتسامة ساذجة
.. عرتني تماماً أمامها.
ترى كم نافذة فتحت ذاك الصباح .؟.
( إلى أي حد سأذهب بي معه .. وإلى أين ستأخذني إحتمالاتي
..؟) ، أتساءل كل صباح .. وتسقط جميع تساؤلاتي إلى قاع سحيق من اليقين به .. بمجرد
أن يطل من خلف الباب ..
تماماً كما كنت أحلم ، وكما اشتهيت وتمنيت..
بيت صغير .. جدران وردية ، وستائر وردية..
وأصبح العالم فستاناً ضيقا لايناسب مقاسات فرحتي..!
حدث كل شىء بسلاسة ويسر ،وبسرعة مفرطة ..
لدرجة أنني اعجز الآن عن استعادة بعض أحداث تلك الأعوام التي
خلت ..
ابتعدت كثيراً عن الشاطئ .. هناك حيث كانت تنتظر حافية القدمين
خيبتي..!
لم أكن بالنسبة له أكثر من وعاء لإفراغ سمومه.
اطفأت الكثير من لحظات عمري ،في مطفأة تلك الحقيقة ..
قبل أن ألحظ ذلك الوهج الذي كان في عينيه .. يخبو ،يتلاشى
رويداً،
رويدا..ً
أخذ الصقيع يأتِ أيامنا من أطرافها ..
- صباح الخير.
.- مساء الخير.
- هل تناولت عشائك.؟
- ايقضيني عند الثامنة صباحاً .
وأزدادت الهوة اتساعاً بيننا..
أنفقت ماتبقى من جسدي ، في محاولة لترميم مايمكن ترميمه من
تلك العلاقة ، دون جدوى.
ومرة أخرى بسرعة مفرطة ،حدث كل شىء..
وهبط حظي إلى النصف من كل شىء..
نصف قلبه ، نصف وقته ، نصف عطره ، نصف عرقه ، نصف سريره
..
فبات عليّ أن أتعايش مع كل تلك الأنصاف ..وأبتكر فلسفة جديدة
، وإيماناً جديداً.. يهدم كل تلك الثوابت والمسلمات التي لطالما آمنت بها .. حتى تلك
الرياضية منها ، التي كانت تدعيّ أن الأعداد المفردة لاتقبل القسمة على إثنين..!
كيف ، وبأي طريقة ..يمكن لإحدانا أن تصف مشاعرها ..؟ .
على ذمة الحب ..قرر أن يبقيّ عليّ..
أوهذا على الأقل ماحاول جاهداً أن يقنعني به..
لكني كنت أدرك جيداً بأن الناس عادة يحتفظون بأشيائهم القديمة.
حتى تلك التي لم تعد تساوي شيئا..!
قد نشتري هاتفاً جديداً ، أو حذاءً جديداً .. لكننا نظل نحتفظ
بالقديم .
ربما إكراماً للعشرة ، وإعترافاً بالجميل..!
على ذمة الحب..
بقيت أراقب تلك الأخرى تذهب وتجئ أمامي ، وبطنها تسبقها بخطوة..
أضع يدي على بطني فتسقط في خواء لا قرار له..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق