العدد الثامن لسنة 2015
تحقيقات صحفيّة
شبابنا .. بين سندان البطالة ومطرقة الخجل من بعض المهن
تحقيق : الصحفي دريد ثامر
* يجد الكثير بأن مهنة الحمالين حالها حال غيرها من المهن
* يرفض الشباب العمل في تسليك المجاري كونهم سيكونوا موضع
سخرية
* أغلبهم يجدون الاعمال " شريفة " مادامت تُدر
المال
كثير من المواطنين يعانون البطالة وقلة الاعمال الحرة ، ولا
يجدونها عند بحثهم عنها ، وعندما يجدون أحدها ، يعزفون عن العمل بها ويتجاهلونها بصورة
كبيرة كونها أعمالاً معيبة وتنتقص من كرامتهم ( حسب إعتقادهم ) ، كالعمل بالمجاري أو
سحب المياه الثقيلة بواسطة السيارات أو حمل البضائع في الاسواق ، وبما إنها أعمال تدر
دخلاً لا بأس به على من يمتهنها ، الا إن بعضهم
يراها لا تناسبهم ويشعرون من خلالها بالاهانة مع أنفسهم أو في نظر الاخرين ممن يعرفهم
من الاهل والاصدقاء ، ويتناسون أنها ربما تساعدهم في إعالة عوائلهم عندما تغلق الابواب
أمامهم في يوم من الايام .
فلماذا يشعر المواطن بالاهانة من بعض الاعمال وهي تسهم في
عيشه ؟ وهل إن الاعمال التي يقوم بها المواطن عنوان للتفاخر أمام الاخرين أم لكسب العيش
فقط ؟ وكيف يمكن أن يفكر الذي يعيش البطالة وعدم حصوله على أي فرصة عمل إن هذا العمل
يناسبنه ويرفع من مقامه وهذا العمل يشعره بالاهانة ؟ .
(( بغداد الاخبارية )) تجولت في شوارع العاصمة بغداد وتحدثت
مع بعض المواطنين حول هذا الامر .
فرص العمل
المواطن شاكر عبد اللطيف مهند ( كاسب ) يقول، لقد عشت مع
البطالة سنين طويلة ، وحاولت أن أجد فرصة عمل واحدة ، ولكني لم أجدها ، وقد فاتحني
أحد الاصدقاء بممارسة أعمال حمل البضائع في بعض مناطق بغداد ، في البدء ترددت بسبب
نظرة المجتمع لعمل الحمالين ، غير إني وجدتها مهنة حالها حال غيرها ، ولا يوجد هناك
ما يعيبها ، ولا تقلل من إحترام الناس لي ولا
شيء يمس كرامتي عند ممارستها ، وبعد أن طلبت من أصدقائي أن يعملوا معي فيها رفضوها
بشدة ، لانها أعمال لا تليق بهم كما يرون ، وهم يتناسون المكسب الذي يحصلون منها بصورة
جيدة من هذه المهنة ، وبفضل الله سبحانه تعالى وهذا العمل فقد تزوجت وصار لي ذرية ،
صحيح إن هذا العمل متعب ولكن لا يوجد دخل في هذه الحياة بلا تعب أو مشقة .
العمل حسب المزاج
وأضاف المواطن غني عبد الوهاب قاسم ( عاطل عن العمل ) بقوله
لقد تلقيت العديد من العروض للعمل في تسليك المجاري في المنازل المواطنين أو الشوارع
، فلم يعجبني هذا العمل وقد رفضته بشدة ، لانه سوف يجعل أصدقائي يخسرون مني ، نتيجة
كونه عملاً معيباً بنظر الاخرين ولا يستهويني مطلقاً ، وإن هذه الاعمال هي آخر شيء
أفكر فيه ، لانني أرى أن العمل يجب أن يستهوي
الشباب لكي يمارسوه ويبدعون من خلاله ، وهناك أعمال شاقة ومتعبة ويرفض الكثيرون العمل
به لانهم لا يرون فيهاً مكسباً يوازي ما يقومون به من تعب .
نوعية المهنة
أما المواطن جمال عبد القادر محي ( كاسب ) فيشير الى إن المقاهي
لم تكون مكاناً مناسباً له ، بعد أن أصبح زبوناً دائمياً فيها منذ مدة طويلة ، ولم
يشعر من خلال تواجده فيها ، أنها قد أعطيته شيئاً غير ضياع الوقت من دون فائدة ، وأخذ
يبحث عن عمل عندما تحدث مع أصدقائه وأقربائه ، فوجدوا له عملاً في إحدى الشركات الاهلية
كـ( ساعي ) فيها يقوم بتهيئة الشاي والبن وتقديمه للمدير والموظفين مع تنظيف الغرف
ومكاتب الموظفين ، ولكنه رفض هذا العمل ، لانه لا يشعر فيه بأي كرامة وهو يقوم به ،
ويشعر بالذل وهو يمارس تقديم الشاي لغيره وكأنه خادماً لهم ينظف أوساخهم وأعقاب السكائر
التي ترمي ، وغيرها من الامور ، وكان يتمنى أن يجد عملاً يمارسه فيه كرامة وعزة نفس
وليس أعمال تهين الانسان ولا تجعله يرفع رأسه عندما يسأل أحد الاصدقاء أو الاقارب عن
عمله حالياً .
تنظيف الشوارع
ويؤكد المواطن سعيد .ش. م الذي رفض الافصاح عن إسمه بصورة
كاملة وهو يمتهن عمل تنظيف الشوارع على أنه يقوم بتغطية وجهه ولا يبقي الا عينيه مكشوفة
، وهو يمارس هذا العمل أو أثناء رفعه النفايات من بعض الاحياء خجلاً وإستيحاء ، كونه
يخجل وهو شاب في مقتبل العمر ، أن يراه أحد
اصدقائه ، وهو يعمل بهذه المهنة ، وقد لامه الكثير من الناس عندما سمعوا به ، الا إن هناك أعمالاً كثيرة لا يعمل بها أحد ويبتعدون
عنها ، ومع هذا ، فهي أعمال تدر دخلاً وتعيل عوائل .
شراء الحصص التموينية
وأوضح المواطن وليد هادي محسن ( 15 عاماً ) وهو يمارس مهنة
شراء بطاقات النفط والحصة التموينية التي يقوم أصحابها ببعيها وحملها بعربته التي يسحبها
الحصان ، عندما قال ، أنا لا أجد فيها عيباً ، كوني أحصل على رزقي منها ، وما دام عملاً
شريفاً ، فلا أخجل منه ، لان عائلتي تنظر مني أن أعود الى المنزل ببعض المال من أجل
شراء ما تحتاجه يومياً ، فعملي يبدء منذ الصباح
منادياً للناس ببعض العبارات التي من خلالها يخرجون لبيعوا ما يريدون بيعه .
مصلح الطباخات
وترى المواطنة هدية سالم تحسين ( ربة بيت ) بقولها إن المهن
التي أشهد أن كثير من الشباب يعزفون ممارستها ، أن بعضها تحتاجها العوائل وبشدة ، فمثلاً
مصلح الطباخات ، عملاً لا يوجد فيه عيب ، ولكن أغلبهم لا يريدون ممارسته لخجلهم منه
، نتيجة سيرهم في الشوراع ومناداتهم طوال النهار ، فلو علم الشباب أن هذه المهن لا
تستطيع العوائل الاستغناء عنها ويحتاجونها بشكل مستمر ، لما عزفوا منها ، كون طبخات
المنزل لابد أن تعطب في يوم من الايام ، فيكون الاحتياج لهم بصورة كبيرة ، ولكنهم لا
يدركون ما مدى أهميتهم من أجل تصليها ، والحصول على بعض المال تساهدهم في معيشتهم ومعيشة
عوائلهم .
شراء المواد العاطلة
ويذكر المواطن رامي قاسم جميل ( يشتري كافة الحاجيات العاطلة
) بقوله عملي هو شراء كل ما لا تحتاجه العوائل من حاجيات زائدة أو عاطلة ، كالتلفاز
والمبردات والثلاجات والمجمدات والاطارات وغيرها ، وفي بعض الاحيان لكثرتها ، لا أستطيع
أن أعمل وحدي في حملها وبيعها للاخرين ، فاقوم بطلب من أصداقائي ليشاركوني في هذا العمل
، ولكن أجد كثير منهم يلمونني على ذلك الامر ، كونه عمل مخجل ولا يستطيعون أن يقومون
به ، خوفاً من رؤية أصدقائهم أو أقاربهم وهم يشاهدونهم بهذه الحالة ، فكنت أتمنى أن
يبتعد بعض الناس من هذه النظرة ويعدونه عملاً حاله حال الاعمال الاخرى .
ماذا بعد !
مفهوم العيب والخجل ، هو من يسهم في عزوف الشباب عن
بعض المهن ، وهم يتناسون بان بعضها تخدم الاخرين بشكل كبير ، وبما إن البطالة لم تعطي لهم
إختيارات في نوعية العمل ، فان هذه المهن تحديداً ، ربما تكون هي المتاحة أمامهم
وقد تجلب لهم عيشا كريماً وتخلصهم من الجلوس في المنزل من دون أي عمل عندها
ستخرجهم من هذا المفهوم ـ العيب ـ الذين يضعونه مع المهن ، لذلك الحديث بصراحة
عن هذه الأمور، ومناقشتها بشكل واسع مع الشباب وبمشاركة الاعلام بها بطريقة
واضحة، والتحدث في مختلف جوانبها ، سوف ستزول الاسباب الذي تدعو الناس
لاعتبار ممارسة مهنة معينة عيباً ، ولا يعودون لذكرها مرة أخرى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق