بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 29 أغسطس 2015

العدد الثامن لسنة 2015 ... الداراسات والأبحاث ... اسلوبيات النص الفسيفسائي و الترادف التعبيري عند كريم عبد الله ... د. أنور غني الموسوي



العدد الثامن لسنة 2015

الداراسات والأبحاث

اسلوبيات النص الفسيفسائي و الترادف التعبيري عند كريم عبد الله

د. أنور غني الموسوي







المعهود ان لكل لفظ و كلام غاية تعبيرية و مقصد هي نهايته التعبيرية ، اما في لغة المرايا فان هذه القاعدة و الناموس يُحطَّم ، لتحل محله توظيفات و تقنية مغايرة بحيث ان معادلات تعبيرية متباعدة تكون مرايا لعوامل تعبيرية متقاربة فيكون ( التناص الداخلي ) او ( الترادف التعبيري )، او ان معادلات تعبيرية متقاربة تكون مرايا لعوامل تعبيرية عميقة او ( الاشتراك التعبيري ) .( أنور الموسوي 2015)
ان طرح الفكرة ذاتها بتراكيب لفظية مختلفة يمكن من القول اننا نظرنا للشيء الواحد من زوايا متعددة ، و من هذه الحيثية يمكن وصف النص بانه متعدد الزوايا ، الا انه لو نظرنا الى التراكيب فيما بينها فانا سنراها تركيبة فسيفسائية يكون كل تركيب بشكل مرآة لذاك يمكن وصف هذه اللغة بلغة المرايا و وصف النص بالنص الفسيفسائي ( أنور الموسوي 2015).
الشاعر كريم عبد الله يكتب نصوص فسيفسائية تبلغ غاياتها المعيارية و الجمالية ، بشكل الترادف التعبيري ، كما انه سبّاق في هذه التجربة الادبية المغايرة للمألوف .
في نص ( خلف أبوابك نحتمي دائما(2015 ) ) نجد لغة المرايا حاضرة باسلوب الترادف في التعابير . ان التراكب هنا تتجه دوما نحو غايات موحدة كأزهار الشمس تتجه في كل وقت نحو الشمس ، محققة مرآتية ترادفية اذ تكون التعابير - رغم افادتها المختلفة - معبرة عن معنى عميق تلاحقه ، بنسيج فسيفسائي مرآتي يعكس عمقا تعبيريا من المعاني و الافكار الموحدة .
ان الشيء الجديد فعلا في النص الفسيفسائي اضافة الى الاستعمال المختلف و غير المعهود للغة هو تحقق انظمة جديدة لوحدة القصيدة العضوية ، يتمثل بأنظمة متعددة اهمها التناسق و التناغم الذي تحققه المرآتية و الفسيفسائية ، و الثاني العمق التعبيري الذي يوحد مكونات النص اللفظية ليس فقط في الموضوع و انما في الغايات الرؤيوية و الفكرية و المعنوية ، اضافة الى وحدة اسلوبية تفرضها الفسيفسائية على النص .
في النص ثلاثة عوامل تعبيرية عميقة تتجه نحوها التعابير ، لها مسحة زمانية و تاريخية بين الماضي مع الاعتداد و الاعتزاز و الحاضر مع المأساة و المرار و المستقبل مع الانتظار و التطلع . و مع هذه الانظمة النصية العامة هناك محاكاة تعبيرية تفصيلية ايضا في كل نظام سنبينها لاحقا ، مما يجعل النص يحقق لغة المرايا و الفسيفسائية بشكل نموذجي .
الوحدات النصية للنظام الاول ( الاستذكار والاعتداد و الاعتزاز )
1- خلفَ أبوابكِ إكتظّتْ ذكرياتنا نحتمي بها ونطردُ وساوسَ الشكوك
2- حصونكِ العصيّةِ مِنْ هناكَ تغمرني بأريجِ حقولها وتمشّطُ سَعَفَ ضفافي الغافيةِ ,
3- بينما قصائدي الملتهبةِ حقولاً مِنَ الحنينِ تبذرينها دائماً في صدري أرتّلها إذا أصابكِ الخطر
4- ينابيعكِ المعطّرةِ بأنفاسِ كرنفالاتكِ الملوّنةِ تتقافزُ فيهِ تسابيحُ حَدَقاتٍ تتناهشها الأطياف
5- تماسكي جيداً فلا ترهبنّكَ أسلاكهم لو تحاصرُ دروبكِ المحلاّةِ بالحنينِ يتساقطُ عناقيداً تتشجّرُ في روحكِ ,
لقد نجاح الشاعر بقاموس لفظي متقارب ينتمي الى مجالات الاعتداد و الاعتزاز و العمق و الانتماء و الاحتماء في خلق مزاج موحد لتلك التراكيب باعث على خلق صورة براقة لوجود عميق و اصيل و متجذر . نلاحظ في المقاطع الاربعة وحدتين مركزيتين بارزتين الاولى ( تعابير المنعة و السعة ( خلف ابوابك ، حصونك العصية ، تبذرينها في صدري ، ينابيعك ، دروبك المحلاة ) و الثانية فاعلية المخاطب ( نحتمي بها ، تغمرني ، تبذرينها ، المعطرة ، تتشجر في روحك ).
الوحدات النصية للنظام الثاني ( الحاضر المرّ و المأساة )
1- بزينةِ مدائنكِ تتمرّى سنوات القحطِ
2- أكشطُ مِنْ شغافِ الروحِ راياتُ الغزاةِ لئلا تشوّهُ زهوركِ المفعمةِ بالنبضِ هتافاتهم المسعورةِ
3- أحصّنكِ ( بربِّ الفلق ) مِنْ ويلاتِ الحروبِ الخاسرةِ وظمأَ فوّهاتها , سأدسُّ مدائنكِ العائمةِ فوقَ ركامِ الفجيعةِ بينَ الحنايا ,
4- ساجمعُ مِنْ على جسدكِ ما خلّفتهُ المحنة أصوغهُ قناديلاً تضيءُ وحشةَ الفجرِ وتمزّقُ هذا الليلَ الطويل ,
5- فكمْ ترنّحتُ على أرصفةِ الخناجرِ مطعوناً أبكيكِ معشوقة رائعة ,
ان هذا النظام له تجل واضح في النص ، حتى انه يمكن عده القطب و المحور متمثلا بألم الحاضر و مأساته الذي فاض من جانبيه البوح الاول بالاعتداد بالماضي و البوح الثالث بالتطلع الى مستقبل افضل ، كما ان الشاعر قد استخدم زخما تعبيريا قويا هنا مما اعطى هذا النظام محورية ظاهرة و تجل كبير، و لم يترك الشاعر شيئا من التوظيفات التعبيرية و القاموسية الا و استخدمه وهذا ما نسيمه ( الحد الاقصى من البوح ) .
الوحدات النصية للنظام الثالث ( الانتظار و التطلع الى المستقبل الافضل و الخلاص )
لقد استخدم الشاعر في تجلي و ابراز هذا النظام اسلوبين الاول الاستفهام و السؤال و الثاني الطلب و التشجيع ، و من المعلوم ان كلاهما من انظمة الطلب
أ‌- الصيغة الاولى ( سؤالات الخلاص )
1- مَنْ يلمُّ شتاتنا وغربةَ الأحلامِ المشققة , ومَنْ يرفعُ صلواتنا تطرقُ أبوابَ السماءِ البعيدة وأنا أسمعُ هديلكِ يحكُّ اناشيدنا المكبوتةِ ؟!
2- مَنْ يعيدُ لتأريخكِ تدفّقَ البهجةِ ويمسحُ عنْ عيونكِ كلَّ هذا التشتتَ ؟ مَنْ يزرعُ السلامَ محبةً ينفتحُ على هذا الأفقِ الشاحبَ ؟
3- كمْ مِنَ الوقتِ نحتاجُ أنْ نمزّقَ شرنقة عنكبتْ في حقولكِ الشاسعةِ ؟ ومتى ستزهرُ شرفاتكِ المدثّرةِ بجروحٍ نازفةٍ تفيضُ بالقرابين ؟ .
ب – الصيغة الثانية ( طلب التغيير )
1- فأستعيدُ توازنَ اللغةِ كلّما ينتابها الضمور
2- أنهكني هذا الآنتظارَ والمواعيدُ تنأى تلوذُ خلفها الأمنيات
3- فأمنحيني صحوة تعيدُ لي بعضَ أنفاسي .
4- أيّتها الساكنةُ في سواقيِ الشهقةِ تدفّقي ياقوتاً يرصّعُ أبوابنا المغلولةِ بالصمتِ ,
5- ما أحرَّ لهيب الروحِ وقدْ إستشرسَ هذا الطغيانَ وتهدّلَ حزني فأوقفي هذا التصحّرَ بنبيذٍ طالما إنتظرتهُ على مضضٍ ,
6- إحتشدي مِنْ جديدٍ وأنزعي مِنْ عيوني الذابلاتِ سنيناً ثيّباتٍ ,
7- لنْ يتكاثرَ الحزنُ مجدّداً في أرضي ولا تتعثرُ الخطوات وأنتِ الآنَ تمطرينَ حجارةً مِنْ سجّيلٍ على رؤوسِ الطغاة .
لقد حقق النص غاياته القصدية التعبيرية بتجلي طلب الخلاص و الثورة على الواقع غير اللائق و غاياته الاسلوبية بتعابير ترادفية و لغة مرآتية متعاكسة و نص فسيفسائي ، بسردية تعبيرية عذبة ورفيعة .
النص : خلف أبوابك نحتمي دائما
كريم عبد الله
( لغة المرآيا والنصّ الفسيفسائي )

خلفَ أبوابكِ إكتظّتْ ذكرياتنا نحتمي بها ونطردُ وساوسَ الشكوك , ينابيعكِ المعطّرةِ بأنفاسِ كرنفالاتكِ الملوّنةِ تتقافزُ فيهِ تسابيحُ حَدَقاتٍ تتناهشها الأطياف , بزينةِ مدائنكِ تتمرّى سنوات القحطِ فأستعيدُ توازنَ اللغةِ كلّما ينتابها الضمور , حصونكِ العصيّةِ مِنْ هناكَ تغمرني بأريجِ حقولها وتمشّطُ سَعَفَ ضفافي الغافيةِ , أنهكني هذا الآنتظارَ والمواعيدُ تنأى تلوذُ خلفها الأمنيات . أكشطُ مِنْ شغافِ الروحِ راياتُ الغزاةِ لئلا تشوّهُ زهوركِ المفعمةِ بالنبضِ هتافاتهم المسعورةِ , أحصّنكِ ( بربِّ الفلق ) مِنْ ويلاتِ الحروبِ الخاسرةِ وظمأَ فوّهاتها , سأدسُّ مدائنكِ العائمةِ فوقَ ركامِ الفجيعةِ بينَ الحنايا , تماسكي جيداً فلا ترهبنّكَ أسلاكهم لو تحاصرُ دروبكِ المحلاّةِ بالحنينِ يتساقطُ عناقيداً تتشجّرُ في روحكِ , فأمنحيني صحوة تعيدُ لي بعضَ أنفاسي . مَنْ يلمُّ شتاتنا وغربةَ الأحلامِ المشققة , ومَنْ يرفعُ صلواتنا تطرقُ أبوابَ السماءِ البعيدة وأنا أسمعُ هديلكِ يحكُّ اناشيدنا المكبوتةِ ؟! مَنْ يعيدُ لتأريخكِ تدفّقَ البهجةِ ويمسحُ عنْ عيونكِ كلَّ هذا التشتتَ ؟ مَنْ يزرعُ السلامَ محبةً ينفتحُ على هذا الأفقِ الشاحبَ ؟ كمْ مِنَ الوقتِ نحتاجُ أنْ نمزّقَ شرنقة عنكبتْ في حقولكِ الشاسعةِ ؟ ومتى ستزهرُ شرفاتكِ المدثّرةِ بجروحٍ نازفةٍ تفيضُ بالقرابين ؟ . ساجمعُ مِنْ على جسدكِ ما خلّفتهُ المحنة أصوغهُ قناديلاً تضيءُ وحشةَ الفجرِ وتمزّقُ هذا الليلَ الطويل , أيّتها الساكنةُ في سواقيِ الشهقةِ تدفّقي ياقوتاً يرصّعُ أبوابنا المغلولةِ بالصمتِ , ما أحرَّ لهيب الروحِ وقدْ إستشرسَ هذا الطغيانَ وتهدّلَ حزني فأوقفي هذا التصحّرَ بنبيذٍ طالما إنتظرتهُ على مضضٍ , إحتشدي مِنْ جديدٍ وأنزعي مِنْ عيوني الذابلاتِ سنيناً ثيّباتٍ , فكمْ ترنّحتُ على أرصفةِ الخناجرِ مطعوناً أبكيكِ معشوقة رائعة , بينما قصائدي الملتهبةِ حقولاً مِنَ الحنينِ تبذرينها دائماً في صدري أرتّلها إذا أصابكِ الخطر , لنْ يتكاثرَ الحزنُ مجدّداً في أرضي ولا تتعثرُ الخطوات وأنتِ الآنَ تمطرينَ حجارةً مِنْ سجّيلٍ على رؤوسِ الطغاة .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق