مجلة المرفأ الأخير
العدد الثاني لسنة 2018
(وخزات اللاوعي) في شعر "جاسم ال حمد الجياشي"
بقلم/ حسين عجيل الساعدي
(من لا يعيد قراءة مفاهيمه وتجاربه نقدياً لا يتقدم ولا يتطور)
"جون سيمونس"
الحديث عن لغة الشعر هو حديث عن (لعبة الشعر اللغوية)، أي؛ الحديث عن اللغة وتراكيبها وخصائصها الفنية، واللغة الشعرية لغة متميزة في خصوصيتها ودلالاتها، لأنها لغة إيحاءات، وأنزياحات، وأهتمام النقاد بحديث اللغة، نابع من حالة التناسب الناشئة بين اللغة الشعرية والسياق الشعري، فهي عالم مشحون بالصور والمفردات، والشاعر جوال بين عوالمها، يغترف من مخزونها ويتلاعب بتراكيبها، باحثاً عن مكنوناتها، مما يمنحه تفرد بلغة شعرية خاصة يتميز بها عن غيره من الشعراء.
أن النص الشعري بطبيعة الحال حامل للمعنى، والمفردة تفهم من سياقها في النص. والذي لا يظهر على النص، ليس من مخزون المعاجم، وما على القارئ إلا أن يغوص في أعماق النص ليكشف عن المعنى، فالشاعر يبحث دائماً عن المعنى، من أجل بناء نصه الشعري من خلال اللغة، لأن لغة الشعر، تسمو على اللغة المعيارية المألوفة. و(الخروج عن المألوف وعن العبارات الجاهزة لتدخل اللغة مجال المفارقة، ... كما أنها تستعير شاعريتها من العالم الذي تصفه)، "جون كوين، النظرية الشعرية، ص 282".
فالخروج عن نمطية اللغة المعيارية، وعن معانيها المعجمية، يتمثل في صور إنزياحية شتى، وخرقها لنظامها المألوف. فخروج الألفاظ عن معانيها، جعلت بعض اللغويين والنقاد يتهمون الشعراء بمخالفة القواعد اللغوية، وتجاوزهم للمألوف منها، لأن الشاعر (لا يستخدم الكلمات بحال ولكنه يخدمها، فالشعراء قوم يترفعون باللغة عن أن تكون نفعية)،"جان بول سارتر، ما الأدب؟، ص7"، من خلال إظهار الجانب الإبداعي عند الشاعر، بالخروج عن المألوف ودخول إلى غير المألوف، ومن الوعي الى اللاوعي.
إذن اللغة أداة الشاعر في التواصل مع القارئ، فـ(الشّاعر خالق كلمات وليس خالق أفكار، وترجع عبقريته كلها إلى الإبداع اللّغويّ)، "بنية اللغة الشعرية، جان كوهن ص 40".
فعلاقة الشاعر باللغة علاقة خلق، فهو يسقط أنفعالاته على اللغة، ويفكك تراكيبها اللغوية ويعيد بناءها، أضافة على أن له القدرة على تكثيفها، وتحميلها شحنات من صور وتدفق شعوري، لأنها جاءت منسجمة مع دوافع الشاعر النفسية والثقافية.
الشاعر "جاسم ال حمد الجياشي" أقرب إلى اللاوعي منه إلى الوعي، في صياغة نصوصه، فهو يتحرك في مدارات الخيال. وعلى هذا الأساس، أعتبر "شارل بودلير" (الشعر تجاوزاً للواقع العيني، وهو ليس حقيقة كاملة سوى ضمن عالم مغاير وأخروي). معبراً عنه بـ(وخزات اللاوعي). فـ(الجياشي) شاعر حر، في تصوراته وأفكاره ومشاعره، وفي إطروحاته وأنفعالاته، فهو يمتلك ذاكرة تزدحم بالأفكار والرؤى، وثراءً لغوياً وخزيناً من الصور الشعرية، ونصوصه عبارة عن تراكمات لغوية يختزنها في مخزونه اللغوي، محتملة الكثير من التأويلات، وهذا يرجع الى أمتلاكه لغة بعيدة عن الإطر اللغوية التقليدية للمفردة الشعرية في أظهار المعنى. نراه يميل الى النزعة السريالية العميقة المتسمة بالغموض، لغرض توليد لغة شعرية جديدة، فهو يبتكر نصه الخاص، مبتعداً به عن التقريرية والمباشرة، لأن مجمل تراكيبه اللغوية، تعتمد الرمزية والأيحائية، أضافة الى قدرته التخيلية على التكثيف اللغوي في إبراز جماليات النص، ليصبح نصاً مفتوحاً ذات فضاءات أكثر أتساعاً، تمنح القارئ لذة الأكتشاف.
ان الخزين المعرفي للشاعر "الجياشي" مرده الى أمرين أساسيين لا ثالث لهما؛ العملية التراكمية المثخنة بالقراءات التي شكلت مداركه الأولى في صياغة كينونته الذاتية. والأمر الأخر التجربة العميقة المتنوعة في أحداثها الفكرية والنفسية، المختزنة في ذاته، نحتت أثارها في تضاريس لا وعيه، ولم تكن في غالبها خاضعة لهذا اللاوعي، بل نتاج حالة قسرية.
كذلك، نصوصه في تراكيبها هي حالة من (التداعي الحر) لأفكاره وأنفعالاته، يفصح بها عن ذاته، بلغة (حلم فوضوي)، وهذه حالة (ميتاشعرية).
في نصوصه تشكيلة من الصور الغرائبية المليئة بالدلالات، وبالإيحائية والرمزية، يعبر بها عن حس شعري مزيج من الخيال والواقع، من الوعي واللاوعي، من المرئي واللامرئي، يرسمها بسريالية، يكشف بها ما وراء الواقع من عتمة، وكأنه "سلفادور دالي" في عالمه وهو يلوح لنا في الأفق. فالمسافة بين الوعي واللاوعي تضيق في أغلب نصوصه، فالكثير من اللاوعي موجود في جذور صوره الشعرية . يقول "فرويد" (أن اللاوعي واقعٌ ديناميكيٌ مكونٌ من محتويات الإنسان النفسية والمكبوتة)، فاللاوعي يفهم بالحدس، ويفصح عن ذات الإنسان والمتعلق بها. واللغة هي (كنز الشاعر وثروته. وهي أيضاً جنّيته الملهمة، ومصدر شاعريته ووحيه)، نازك الملائكة، الشاعر واللغة، مجلة الآداب البيروتية، والشاعر المبدع "جاسم ال حمد الجياشي" قادر على أن يخترق اللغة وتفجيرها داخل النص، وتسخير إمكانياتها والتلاعب بتركيباتها، وأقتحام المسكوت عنه، مما يمنح نصوصه خصوصية شعرية تجعله يتميز عن غيره. فهو يحفر في اللغة، لغرض الغوص في ثنايا خياله وإعادة تشكيل النص وصياغة صوره الشعرية، عبر تكثيف للغة والأفكار والإنزياحات والاقتصاد بها، فتنفتح على فضاءات جمالية وفكرية واسعة، باحثاً عن الحقيقة في اللاوعي.
أنا /ــ روحٌ تَجَسدت صرخة
تراكمت .. تراكمت/ـ؟
ف باتت سؤال ..؟؟
تشظى /ــ ف باتَ
معرفة..!
**
لأِني /ــ قَررَتُ
أن اُهديكَ كُلي /ــ فانتظرني
قليلاً .. أُتمَ إكتمالي..!
**
ويحدث /ــ ،،
أن تصرخ بصمت /ــ !...
فترتدي الأنين
ثوب صبر ...!
**
تمسك
بضفائر الريح
لإنكَ دونها /ــ ستسقط
عارياً /ـ كنجمة
دونَ ضوء..!
**
في يمَ سكوني
يقبع /ـ بركان
ضجيــــــــــــــــــــــــــــــجٍ
دائم ..! ودعوة تمرد ..!
**
ضممت يدي
على حُلمٍ /ــ حاول الهروب
ذاتَ ليلة /ــ! قافزاً
من /ــ ملوحة جفني.. !!
**
حينَ /ـ تخبو الملاذات
تجدينني الوذُ
خلفَ حروف
اسُمكِ /ــ وستائِرَ الليل..!!
**
بغنجٍ
هذا القلق /ــ يُوخزُ
خاصرةَ حلمي النحيـــــــــــــــــــــــــــــــــفْ..!
**
سَتفترشُ /ــ
رُوحيَ الطُرقاتِ..
عَلَها /ــ يوماً
تصَطاد ظلكِ..!
**
كما الشمعُ /ــ بكاءة روحيَ
على الدوام..!
لكنها تَكسِر /ــ لكَ
الظلام..!
**
أتأتين /ــ نسحقُ
الفضاء /ــ ونمحوَ
الزمن ..؟!
**
كم /ـ مهملٌ أنا ...
شُغلتَ بأن اشتري مسكناً في وطني
ونسيتَ /ـ أن أشتري قبراً فيهِ.!!
**
أنا /ــ...
أبنُ مدينةٍ
تخشى الغروب ..!
تقترضُ الوقتَ..
وتكسبُ الزمن..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق