بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 23 أبريل 2021

مجلة المرفأ الأخير .. العدد الثالث 2021 فنانون منسيون من بلادي .. الجزء الأول.. الحلقة العشرون.. المطربة عفيفة اسكندر.

 

 

 مجلة المرفأ الأخير ..

العدد الثالث 2021

فنانون منسيون من بلادي ..

الجزء الأول..

الحلقة العشرون..

المطربة عفيفة اسكندر.

 


 

 

التقديم /

................

لايمكن في أي حال من الأحوال اعتبار المطربة الكبيرة عفيفة اسكندر من المطربات العراقيات اللائي طواهم النسيان لسبيين راسخين أولهما إنها لم تغادر الدنيا بتأريخ بعيد عن الآن وثانيهما وهو الأهم بأنها قد تركت لنا مما تركته إرثا فنيا كبيرا يفوق كلّ إرث في هذا المجال فقد تركت لنا بحدود ألف وخمسمائة أغنية مازال إلى   يومنا هذا  الكثير منها يردده العراقيون في مناسباتهم وتجمعاتهم المفرحة وأعراسهم .هذا على وجه العموم أما من عاشوا زمن هذه المطربة فذلك هو وجه الخصوص الذي يتميز بأنه قد توسم بأغانيها حتى أصبحت جزءا لايتجزأ من ذاكرتهم التي قد ختموها بختم الزمن الجميل دون أدنى رغبة منهم في تحميل تلك الذاكرة بما لايجدونه ملائما لها من الحداثة التي عاثت في أغلب الأحيان بالموروث الذي احتفظوا به نفيسا غاليا.

أطلق على عفيفة اسكندر خلال فترة تألقها العديد من الألقاب التي كانت تستحقها عن جدارة كشحرورة بغداد بعد أن أطلق لقلب الشحرورة على المطربة صباح في لبنان ومصر .

وقد أطلق عليها أيضا لقلب فاتنة بغداد لما كانت عليه من جمال فائق في الشكل والمضمون فقد كانت رحمها الله تمتلك روحا شفافة أنيقة  إضافة لما حباها الله من جمال وجه ورشاقة قد  وخفة دم.

ماخلت حياة شحرورة بغداد وفاتنتها من المصاعب والألم والأحزان منذ بدايتها حتى نهايتها لكنها تمكنت أن تحيل كل لحظات الحزن والألم إلى ابداع يضاف إلى إبداع .

وفي هذا البحث المتواضع ستتعرفون على مدى معناة تلك الروح في الحياة وعمق النضال في مواجهة ذلك الألم .

اتمنى أن أكون قد وفقت بجمع أهم  ما كتب  عنها وماقيل ليس لغرض إعادة الذكرى بل رغبة في سبق النسيان إليها.

ومن الله التوفيق.

علاء الأديب.

 

الولادة :

...................

ولدت عفيفة إسكندر إصطفيان في مدينة الموصل عام 1921 من أب عراقي أرمني وأم يونانية، وعاشت في بغداد، وبدأت الغناء وهي في الخامسة، وأول حفلاتها كانت في مدينة اربيل في شمال العراق وعمرها لم يتجاوز ثمانية اعوام.

 

البداية :

................

 

غنّت وهي في الخامسة من عمرها . وكانت أول حفلة أحيتها في عام 1935، لُقبت بمنلوجست من المجمع العربي الموسيقى كونها تجيد ألوان الغناء والمقامات العراقية .

وهي من عائلة مثقفة فنياً والدتها كانت تعزف على أربع آلات موسيقية وتدعى «ماريكا دمتري» وكانت تعمل مغنية في ملهى هلال عندما كان يطلق عليه اسم (ماجستيك) والذي أُنشيء بعد احتلال بغداد في منطقة الميدان بباب المعظم، كما هو حال بقية الملاهي التي ظلت تعمل حتى عام 1940، وكانت والدتها المشجع الأول وكانت تنصحها دوماً بأن الغرور هو مقبرة الفنان. تزوجت وهي في سن ال(12) من رجل عراقي أرمني يدعى «إسكندر اصطفيان» وهو عازف وفنان وكان عمره يتجاوز ال 50 عاماً عندما تزوجا، ومنه أخذت لقب إسكندر.

 

 

 

ظهورها على المسرح :

....................................

ظهرت لاول مرة على المسرح في ملهى صغير بمدينة أربيل في أواسط الثلاثينيات وكانوا يُسمونها (جابركلي) أي "المسدس سريع الطلقات"، وأتت هذه التسمية من صفة الغناء الذي أدته حيث كان غناء سريعا نتيجة لصغر سنها وعدم نضوج صوتها آنذاك. وأول أغنية غنتها في أربيل كانت بعنوان: "زنوبة" وهي بعمر 8 سنوات.

 

مشوارها الفني :

............................

بدأت مشوارها الفني عام 1935 في الغناء في ملاهي ونوادي بغداد وغنت في أرقى ملاهي العاصمة بغداد حينها مثل ملهى (الجواهري) و(الهلال) و(كباريه عبد الله) و(براديز).. علما أن الملاهي كانت سابقا أفضل من النوادي الاجتماعية الموجودة حاليا. واستطاعت عفيفة بنباهة تحسد عليها أن تتعلم وتتأقلم مع أجواء الفن.. وبسرعة تحولت إلى نجمة من نجوم الفن، كانت حينها شابة مغناج وذكية جدا. والتف حولها شخصيات مهمة وذات مكانة اجتماعية.. وغنت لهم المونولوج لمدة (5-6) دقائق باللغة التركية والفرنسية والألمانية والإنكليزية، وعملت مع الفنانة {منيرة الهوزوز} والفنانة {فخرية مشتت}.

 

دخولها الإذاعة :

......................

شغلت المطربة عفيفة إسكندر الأوساط الفنية والثقافية في بغداد واستطاعت هذه المرأة أن تدخل الإذاعة العراقية عام 1937 ليصبح اسمها بين ليلة وضحاها على كل لسان، حتى استحوذ أثير الراديو على البيوت .

وكانت الإذاعة العراقية (إذاعة بغداد) على بعد خطوات من المنزل الذي سكنته عفيفة إسكندر وغامرت ذات يوم بالذهاب صوب الإذاعة لتطلب من فؤاد جميل مدير الإذاعة آنذاك أن تغني ولكن من سيلحن لها الأغنية؟، وهنا لم يكن غير صالح الكويتي الذي كانت أصوات المطربات تنتظر عند عتبة منزله .

ومن هنا غنّت عفيفة إسكندر فأطربت وقبضت أعلى أجر تأخذه مطربة آنذاك وهو دينار ونصف الدينار ودُفع لها من أموال الجباية التي تأخذها الإذاعة نظير تقديم برامجها لمن عنده جهاز راديو .

 

 

 

عفيفة اسكندر في السينما المصرية :

................................................

سافرت إلى القاهرة عام 1938 وغنت هناك وعملت لمدة طويلة مع فرقة (بديعة مصابني) في مصر وهي أشهر راقصة وممثلة مصرية في الأربعينيات. وكذلك عملت مع فرقة تحية كاريوكا. وأبرز مشاركاتها العربية هي التمثيل في فيلم (يوم سعيد) مع الفنان الراحل الكبير محمد عبد الوهاب وفاتن حمامة وغنت فيه لكن لسوء الحظ لم تظهر الأغنية عند عرض الفيلم بسبب المخرج الذي حذفها لطول مدة العرض التي تجاوزت الساعتين. مثلت في أفلام أخرى في لبنان وسوريا ومصر منها القاهرة ـ بغداد إخراج أحمد بدرخان وإنتاج شركة إسماعيل شريف بالتعاون مع شركة اتحاد الفنانين المصريين ومثل فيه حقي الشبلي وإبراهيم جلال وفخري الزبيدي ومديحة يسري وبشارة واكيم وكذلك فيلم (ليلى في العراق) إنتاج ستوديو بغداد وإخراج أحمد كامل مرسي ومثل فيه الفنانون جعفر السعدي والراحل محمد سلمان والفنانة نورهان وعبد الله العزاوي وعرض الفيلم في سينما روكسي عام 1949. ثم تعرفت إلى الأديب المازني والشاعر إبراهيم ناجي وعندها بدأ مشوارها الأدبي. ثم عادت إلى العراق واستقرت في بغداد .

 

صالون عفيفة إسكندر :

...............................

 

وكانت لها تقاليد خاصة في الفن والحياة، حيث كانت تملك صالونا في منزلها الواقع في منطقة المسبح في الكرادة انيقا وفاخرا، وضم مجلسها في ذلك الوقت ابرز رجالات السياسة والأدب والفن والثقافة في البلاد.. ومن أبرز الرجالات الذين كانوا يحرصون على حضور النقاشات من رجال الدولة في الحكم الملكي.. ومنهم نوري سعيد رئيس الوزراء العراقي السابق وفائق السامرائي عضو حزب الاستقلال وعضو مجلس الأمة، والنائب حطاب الخضيري، واكرم أحمد وحسين مردان وجعفر الخليلي وإبراهيم علي والمحامي عباس البغدادي والعلامة الدكتور مصطفى جواد الذي كان مولعا بفنها وجمالها ومستشارها اللغوي وتقرأ له الشعر قبل أن تغنيه. فضلا عن الفنانين حقي الشبلي وعبد الله العزاوي ومحمود شوكة وصادق الازدي والمصور آمري سليم والمصور الراحل حازم باك.. وأسماء كثيرة أخرى .

 

أغنيات عفيفة اسكندر :

..................................

من أكثر الملحنين الذين تعاملت معهم هما احمد الخليل والملحن خزعل مهدي والملحن ياسين الشيخلي ومن الاغاني التي قدمتها هي (يا عاقد الحاجبين) و(ياسكري يا عسلي) و(اريد الله يبين حوبتي بيهم) و(قلب.. قلب) و(غبت عني فما الخبر) و(جاني الحلو.. لابس حلو صبحية العيد) و(نم وسادك صدري) ومن اغانيها أيضاً (يايمة انطيلي الدربين انظر حبي واشوفه) واغنية (مسافرين) واغنية (قسما) واغنية (حركت الروح) واغنية (قيل لي قد تبدلا) واغنية(هلال العيد) واغنية (دورت بغداد للموصل رحت) واغنية (جينا من بغداد) واغنية (الك يومين) واغنية (شايف خير ومستاهلها) واغنية (يانجوم غني) واغنية (جوز منهم) واغنية (خلهم يكولون)وغيرها من الاغاني الكثيرة حيث بلغ رصيدها من الاغاني أكثر من (1500) اغنية .

 

عفيفة والسياسة :

...........................

كانت المغنية الأولى بالعصر الملكي وكان كبار المسؤولين في الدولة العراقية من ملوك وقادة ورؤساء ووزراء يطلبون ودها ويطربون لصوتها ويحضرون حفلاتها من دون حياء. فالملك فيصل الأول كان من المعجبين بصوتها. أما نوري السعيد رئيس الوزراء السابق فقد كان يحب المقام والجالغي البغدادي وكان يحضر كل يوم اثنين إلى حفلات المقام ويحضر حفلاتها. وعبد الكريم قاسم أيضاً كان يحب غناءها ويحترمها. ولكن عبد السلام عارف كان يحاربها ويضيق عليها حسب وصفها وتقول إنه كان يتهمها بدفن الشيوعيين في حديقة بيتها .

لم تغن عفيفة لقادة الثورة ولم تطلب منها الملكية ان تغني لها رغم أنها كانت على صلة وثيقة بها، وانما كانت تغني في عيد الجيش وغنت لفيصل الثاني، ولهذا أُهملت وغُيبت في عهده وظلت مُغيبة .

لم تغنّ أيضًا لصدام حسين، ولم يمنع هذا من  مصادرة أملاكها ومنزلها الذي تسكنه، بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، فانتقلت للعيش في الأردن .

 

آخر مشاويرها الفنية :

.................................

في آخر مشاويرها الفنية، شاركت عفيفة اسكندر في مسلسل "فاتنة بغداد" في عام 2011، وكانت في ذلك الحين تبلغ التسعين من عمرها .

 

 

عفيفة والأدب :

...........................

وأثناء وجودها في مصر تعرفت على الشاعر إبراهيم ناجي الذي أثر فيها وجعلها تعشق الثقافة والاطلاع .

ودفعها حبها للثقافة إلى العودة للعراق، وأقامت صالونا ثقافيا في منزلها، كان يشارك فيه نخبة من رجال السياسة والفن والثقافة، مثل نوري السعيد، رئيس الوزراء العراقي الأسبق، والكاتب والمؤرخ العراقي عباس البغدادي، والفنان حقي الشبلي، رائد الحركة المسرحية في العراق ..

 

خطف عفيفة اسكندر :

............................

الإسم الحقيقي لعفيفة اسكندر {تريزا اسكندر} وهي من عائلة متدينة ووالدها "شماس" من مواليد 1889 أما هي فمن مواليد 1921، فيما تقول مصادر أنها ولدت عام 1927 حسب ورقة معموديتها.

أخذها والدها وهي في عُمُر ثلاث السنوات برفقة شقيقتها "أغاته" إلى الموصل بمناسبة عيد القيامة المجيد واختطفت عفيفة (تريزا) وبيعت الى عائلة ديمتري اليونانية في الموصل وتبنتها مريم العراقية زوجة ديمتري اليوناني .

عفيفة تتبنى أنطوانيت :

...............................

لم تنجب عفيفة من زوجها أولادًا فتبنت "أنطوانيت" من دار أيتام الراهبات في الموصل وكانت وقتها شابة .

 

عفيفة اسكندر أول مطربة  عراقية  غنّت القصيدة :

................................................................

وتعد عفيفة إسكندر المغنية الأولى في العهد الملكي بالعراق، ومن ألمع فنانات العهد الجمهوري، فهي فنانة شغلت الجمهور دهرًا طويلًا لعذوبة صوتها وفطنتها ودرايتها بالأمور فضلًا عن تذوقها الموسيقي وهي أول مطربة بغدادية تغني القصيدة عند تأسيس التلفزيون العراقي عام 1956، وأول من غنى في الإذاعة عام تأسيسها 1936، وأول أغنية لمطربة حين ظهرت الألوان في التلفزيون العراقي عام 1976

 

 

 

 

 

 

قوقل يحتفي بعفيفة اسكندر :

..........................................

احتفى محرك البحث قوقل بالذكرى السنوية الـ 98 لميلاد المطربة  العراقية الشهيرة عفيفة إسكندر التي توفيت في بغداد في عام 2012 عن عمر ناهز واحدا وتسعين عاما .

ويرتبط اسم عفيفة إسكندر الى حد كبير بالاغنية البغدادية التي ظلت لعقود في القرن العشرين اللون المهيمن على الغناء العراقي .

 

 

اللحظات الأخيرة في حياة عفيفة :

..........................................

انتهت أسطورة عفيفة إسكندر بعدما لفظت أنفاسها الأخيرة وهي على سرير الشفاء في مستشفى مدينة الطب في العاصمة العراقية بغداد، بعدما صمدت لسنوات دافعت فيها بكل جمالها وشيكاتها عن جسدها الذي لم يعد يمتلك القدرة على الوقوف إزاء التداعيات الصحية الخطيرة التي نالت منه ما بين هبوط في الدورة الدموية ونزيف في المعدة أو غيبوبة طويلة كما نالت منها الشيخوخة ولم يعد لها أي نشاط حركي خلال السنة الأخيرة من حياتها

 

وفاتها :

..................

تَوفّيت عفيفة إسكندر يوم الـ22 من أكتوبر من عام 2012 عن عمر ناهز الـ91 عامًا، وتقول "أم عيسى" القائمة على رعايتها أن عفيفة اسكندر دُفنت في المدافن الخاصة بعائلتها في مدينة بعقوبة بمحافظة ديالي وذلك لعدم وجود أهل لها في بغداد ولا مقابر معروفة للعائلة إذْ كانت تسكن في شقة مؤجرة في منطقة الكرادة الشرقية، إضافة إلى أنها رحلت عن دنيانا وهي لا تملك شيئًا بعدما فقدت كل شيء في شيخوختها.

 

رحم الله المطربة الكبيرة شحرورة بغداد عفيفة اسكندر وأحسن مثواها .

 

المصادر :

....................

ويكبيديا الموسوعة الحرة

صحيفة عربي نيوز

صحيفة العربي الجديد

العين الإخبارية

صحيفة المعرفة

صحيفة صوت آلترا

موقع إرم

صحيفة الخليج.

 

وإلى حلقة جديدة من مسلسل { فنانون منسيون من بلادي}

نستودعكم الله.

علاء الأديب

تونس / نابل

20/4/2020

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق