العدد الأول لسنة 2016
الزنزانة
بقلم : محمد عزّت عبد الحافظ
جلس في وسط زملائه هادئا كالعادة وان ازداد
توتره مع الاصوات الخارجية التي منها من يهتف و ينادي ومنها من يكر ويفر وتسللت رائحة
الغاز الذي يستعمله رجال الامن الى انفه و شعر مع سكونه وتوتره بالاختناق
....
ظل الوضع يشوبه التوتر حتى خفتت الاصوات
تدريجيا بعد ساعة ونصف الساعة وان ظلت رائحة الغاز المسيل للدموع منتشرة في المكان.
وبعد انتظار بدا زملاؤه يغادرون مخبأهم
فتحرك مع الركب وخرج من بوابة الجامعة الرئيسية وقد حاوطها رجال الامن من كل اتجاه
وشعر هو بالسخط من هذه المأساة التي تكررت طويلا ومرارا في الفترة الاخيرة حتى اصبحت
الجامعة كساحة المعارك واصبح الذهاب اليها بمثابة المغامرة و من اعماقه هتف فالتسقط
السياسة التي ادت بنا الى مثل هذا الوضع السئ .
جلس على شط النهر كعادته يوم الجمعة ساعة
العصر فهو يحب هذه الفترة و هذا المكان في بلدته الصغيرة واخذ يطالع بعض السطور من
رواية لكاتبه المفضل نبيل فاروق ....
كان البطل جذابا كالعادة بمبادئه وحبه الشديد
لوطنه والتزامه دائما بتعاليم الدين فقد رسم كاتبه المفضل شخصياته دائما بعيدا عن الخطيئة
وكان دائما البطل يستحق البطولة بقوته ، ولكن .... قبل قوته بمبادئه
....
لقد رسم دكتور نبيل ملامح عامة اثرت في
اجيال عديدة ولكن هو الان يشعر بأن هناك هزة ما في الفكر و تطرف في المبادئ يجعله دائما
يحب عالم كاتبه الافتراضي ويهرب من واقعه الحزين .
ظل في تأملاته حتى وجد فاطمة ابنة عمه و
خطيبته تجلس الى جواره كما اعتادا وتنظر اليه بحب وهي تتأمل ملامحه البريئة
...
- كيف حالك يا وائل ، امازلت حزينا ؟
نظر اليها بعينين هادئتين ، عاشقتين
....
- اشعر بالغربة يافاطمة هذه الايام فالجامعة محتقنة
وكل يوم مظاهرة وفي اي لحظة نحن مهددون والسبب السياسة و التطرف في الرأي
.
- انه قدرنا في هذه الفترة الزمنية ياوائل
...
- وما شأني انا فليس لي اي انتماء و انما اذهب لتحصيل
العلم و لا اعلم هل سأعود الي المنزل سالما ام مصابا ام لن اعود و اصبح معتقلا
- حفظك الله من كل سؤ ...
- صدقيني السئ هو مانحن فيه االآن من تخبط
نظرت اليه نظرة المغلوب على امره ونظر هو
اليها نظرة المحب وان شابت نظرته الهموم ...
اخذ يعدو مع زملائه ليفر من المعركة الدائرة
و ملأت المكان رائحة الدخان المتصاعد بكثافة مع ألسنة اللهب التي تحيط بالمكان و الكل
في حالة هروب ومن وسط امواج الطلبة تسلل رجال الامن و بعضهم يحاول معاونة الطلبة في
الفرار و البعض الآخر يضرب بيد من حديد و يعتقل وكل شئ بشكل عشوائي فقد يفر المذنب
ويتم اعتقال البرئ ....
اخذ يعدو وهو يسمع صوت دقات قلبه و يشعر
بقفصه الصدري ينقبض من العدو ورائحة الدخان و لكنه يجب ان لا يتوقف الآن فالتوقف معناه
الاصابة او الاعتقال .....
ولكن فجأة امسكت قبضة قوية به من الخلف
ووجد وجها صارما ينظر اليه واسقط في يد وائل و تجمدت دماؤه ....
وخلا ل لحظات تم كل شئ ووجد نفسه داخل عربة
مصفحة ومن هول المفاجأة سقط مغشيا عليه ...
دلف من بوابة السجن المعدنية وهو كالمغشي
عليه و لا يعرف ما الذي يحدث له و شعر وكأنه في كابوس ثقيل تمنى ان يستيقظ منه ، كل
مايتذكره هو الليلة الطويلة في المقر الامني و ذلك الظابط الذي ظل يحاصره بأسألة غريبة
...
- هل يصلي في مسجد الكلية ؟
- من يتابع من الشيوخ عبر الاعلام ؟
- هل ينتمي الي اي تيار ديني ؟
- ماهو حسابه على موقع التواصل الاجتماعي و ماهي كلمة
مروره ؟
- هل يؤيد الرئيس الحالي ؟
- مارأيه في النشطاء السياسين ؟
اسالة كثيرة بعيدة كل البعد عن شخصيته الحقيقية
، تلك الشخصية الهادئة و الحالمة والتي ليس لها اي ميول سياسية ولكنه اجاب عنها كلها
بصدق ولكن الظابط لم تقنعه الاجابات ، بل والادهي انه اتهمه بأنه خلايا نائمة
!!!!!!!
- ما المقصود بخلايا نائمة يا سعادة الظابط ؟
- لا تحاول الانكار يبدو انك شخصا محنك
....
وبعد ساعات طويلة ومعاملة قاسية وجد نفسه
يركب تلك العربة المصفحة ووجد كلمات بعضها يتحدث عن ليمان طره و البعض ألآخر يتحدث
بالتحديد عن سجن العقرب .....
انتهي من ذكرياته على صوت بولبة السجن المعدنية
ونظر الى الاعلي ليقرأ اسم المكان فوجد مكتوب عليه بخط واضح ....
ليمان طره 992 .....
سجن العقرب ... بدا العمل به في عهد اللواء
حسن الالفي سنة 1991 و تم النتهاء منه في 3 مايو 1993 و قد تم تحويل مايقرب من
1500 سجين ومعتقل الي هذا السجن .
يتكون السجن من 320 زنزانة مقسمة الي اربعة
عنابر أفقية تأخذ شكل حرف H و بكل زنزانة مصباح للانارة تحت تحكم ادارة
السجن ويحتوي كل عنبر على 80 زنزانة وبكل زنزانة نافذة صغيرة تطل على ساحة السجن و
اسواره المؤمنة جيدا.
ولكل زنزانة باب معدني بطول 2 متر وعرض
واحد متر وبه شراعة صغيرة لرؤية من بالداخل وتعامل السجين مع حارس الزنزانة .وهناك
نوع من الزنازين معد للتأديب و السجن الانفرادي وغير مزود بأي مصابيح .... و
...
- كفي ..
نطق بها وائل الى محدثه الذي بدا له شابا
في منتصف الثلاثينات له لحية كثة مما كان له أثرا في نفس وائل بوجوب الابتعاد عنه ،
فقد تربي مثل كثيرا منا أو معظمنا على كلمات تبدوا من التراث ...
" إياك و أصحاب اللحى
"
" إحذر الجماعات الدينية
"
" اذا ذهبت الى الجامع فصلي ولا تجلس وانما
غادر بعد الصلاة "
" تجنب حضور الدروس الدينية و عملية غسيل
الدماغ "
" لماذا تترك ذقنك غير حليقة ؟؟؟؟ هل أنت
متطرف ؟؟؟ "
لذلك فضل وائل عدم الاستطراد في الحوار
مع محدثه و لكن محدثه لم ييأس و انما إستطرد ....
- أنا الدكتور حسام الشافعي ، دكتور في التراث
....
تردد وائل قليلا في الحديث و لكنه شعر بشئ
من الراحة للشخص و ان تذكر التحذيرات ، فمعظم المنتمون الى جماعات دينية لهم إسلوب
جذب خاص ، ومع هذه الحرب النفسية صمت وائل تماما وفضل أن يغلق عينيه قليلا
...
ومع الساعات الأولى للفجر وجد وائل يدا
تهزه برفق ووجه الدكتور حسام المبتسم ...
- هيا لنصلي الفجر ...
بدا له الموقف عجيبا ففي الأيام الخوالي
التي وان كانت قريبة تبدوا مع أول ليالي السجن بالبعيدة لم يستيقذ وائل ابدا ليصلي
الفجر فهل يفعلها الآن و في هذه الزنزانة .....
نهض وائل وهو يغالب النعاس ويشعر بأن كل
خلية في جسده منهكة من نومة الزنزانة المرهقة ، ولأول مرة في شبابه وقف وائل في ظلمة
الليل وعتمة الزنزانة الاجبارية وراء الدكتور حسام ليصلي الفجر
....
- من أنت ؟
نطقها وائل بعد أن انتهى الدكتور حسام من
أذكار الصباح وهم يتريضوا في ساحة بشكل حرف L معدة للتريض ، ومع سماعه للسؤال ايتسم الدكتور
حسام ابتسامة من يعلم يالحرب النفسية التي تدور في نفس وائل ...
- حسنا كما اخبرتك أنا الدكتور حسام الشافعي
...
- نعم أخبرتني بذلك و لكن في أي حادث أو قضية أنت
متهم ؟
- لست أعلم كل ما أعلمه هو أن لهذه اللحية دور كبير
في اعتقالي ..
- كيف يتم اعتقالك بدون سبب واضح أو حادث ما ؟!!!!
أنت لا تريد اخباري .....
ابتسم الدكتور حسام ورد السؤال بسؤال آخر
...
- وما تهمتك أنت ؟
صمت وائل وقد فاجئه السؤال و كأنه لأول
مرة يلاحظ أنه معتقل بلا سبب منطقي....
نظر وائل الى الدكتور حسام مليا ثم أدار
ظهره مغادرا ، فإبتسم الدكتور حسام وصاح في وسط الساحة ....
-حسنا يا صديقي الصغير لنا لقاءا آخر في الزنزانة
...
امتللأت عيون والدة وائل بالدموع و شاركتها
فاطمة البكاء بينما جلس والد وائل وأفراد العائلة في حالة من الصمت بعد أن علموا بأمر
إعتقال ولدهم و إن إنقطعت اي أخبار عنه من بعدها، وعبثا حاول الوالد أن يتواصل مع الادارات
الأمنية للوصول الى أي معلومة ولكنه قوبل بالصمت وبالوعود بقرب الافراج عن ولده ما
إذا كان بريئا .....
وشق صوت والدة وائل الصمت الحزين وهي تقول
من وسط دموعها التي مازالت فاطمة تشاركها بها ...
- ولدي ... ضاع ولدي ، مالنا ومال السياسة أنا أعرف
جيدا ولدي فليس له أي علاقة بالسياسة ....
تطلعت اليها فاطمة وقالت
...
- في آخر حوار لنا كان يشعر بالحزن والمقت لكل ماهو
سياسي ....
نظر اليهم الوالد المكلوم على ولده
...
- إنه كارت إرهاب ، فقد أخذوا العاطل مع الباطل ليصمت
الجميع ....
نظرت اليه الأم بهلع
....
- وماذا عن مستقبله ؟؟؟ .. هل سوف يرى ولدي النور
ثانية ؟؟؟؟؟
وتردد هذا السؤال في أرجاء الردهة وان ساد
صمت ثقيل بعدها فلا أحد يملك الاجابة سوى الحكومة فقط ....
###################
مرت الأيام التالية متشابهة ، فأيام السجن
بلا ملامح لاتفرق فيها بين الليل و النهار الا من خلال الضوء الذي يتسلل من خلال الشرفة
الصغيرة أو عند الخروج للتريض .....
ولكن ليس هناك إحساس بالزمن أو الوقت ولكن
كانت هناك علاقة ما بدأت تنشأ بين وائل و الدكتور حسام بعد أن بدأ وائل يشعر باليأس
من الافراج بعد مرور الأيام .....
وفي احدى المناسبات بدأ وائل الحوار مع
الدكتور حسام كاسرا الصمت المخيم على الزنزانة ...
- أنا امقت السياسة والسياسين و الأحزاب
....
نظر اليه الدكتور حسام مليا ثم قال له بهدوء
...
- لماذا ؟
- لا أحب الصراع و لا أحب التظاهر اني لا أحب الخلافات
أصلا ...
- ومن منا يحب المشاكل أو يسعى اليها
....
- ان كان الأمر كذلك فلماذا أنت هنا ؟
نظر اليه حسام بتأثر و صمت قليلا وكأنه
يريد انتقاء الكلمات قبل النطق ...
- اسمع يا وائل ، قد تكون مازلت صغيرا على هذه التجربة
ولكن مجتمع السجن به كل المتناقضات ...
- لا أفهمك ...
- حسنا ببساطة في السجن تجد القاتل و السارق و المعارض
... تجد المحتال و الأفاق ولكن أيضا تجد من تم سجنة من أجل فكرة أو معتقد
....
- يتم إعتقاله في هذا السجن الرهيب من أجل فكرة أو
معتقد ؟
ابتسم حسام ابتسامة ساخرة تشوبها مرارة
الأيام ....
- نعم فأحيانا تكون الفكرة أو المعتقد أقوي من قنبلة
موقوته سواءا كانت هذه الفكرة سلبية أو ايجابية وللأسف بإعتقال صاحبها يظن السجان أنه
قضى على الفكرة علما بأن ما فعله دليل على قوة الفكرة ...
- وهل أنت اعتقلت من أجل فكرة أو معتقد ؟
- لا استطيع أن أجبرك ان تصدقني ولكن هذه هي الحقيقة
فقد تمت استضافتي في برنامج حواري مشهور وبعدها تم اعتقالي ...
- هل هاجمت الرئيس ؟ هل اعترضت على الحكومة
...
مرة أخرى اعتلت الابتسامة المريرة وجه حسام
....
- لا فأنا لا أتدخل في السياسة ولكني فقط هاجمت بعض
الأعمال الفنية التي تتناقض مع مبادئنا واسلوب حياتنا و تبث فينا روحا أجنبية لا تمثلنا
...
- مثل ماذا ؟
- انظر حولك يا صديقي الصغير ستجد هناك خطة ممنهحة
من أناس لا يعرفوا الله خطة غرضها نشر ثقافة الجهل بينكم أنتم معشر الشباب
..
- نعم هذا واضحا ...
- هناك موجة من الفن الهابط سواءا من خلال الموسيقى
أو السينما تقتل عقول الشباب وتجعل أقصى طموحهم هو أن يتخاطبوا مع بعضهم بلفظ
" يا أسطى"
- كل هذا لا يجعلهم يعتقلونك
....
- بل قلت لك سابقا إنهم يحاربون الفكرة و ما قمت به
هو رسالة تنبيه لكي يفيق المجتمع من خطر الغفوة المحيطه به ...
- هذا دور نبيل ..
- ولكنه لا يناسب البعض يا صديقي الصغير فعندما تموت
المبادئ و تحيا الأفكار والقيم المغلوطه تستطيع وقتها فقط السيطرة و هذا ما يسعى اليه
البعض ...
- عدت تلمح الى الرئيس و الحكومة
!!!....
- هذه مشكلة أخرى فكل نقد الآن يواجه بأنك ضد الرئيس
وضد الحكومة وذلك فقط لؤد الفكرة نفسها.....
- ليكن ما تفترضه صحيحا فلماذا أنت هنا ؟
- لا اعرف ....
- و لكن حوارك يعني أن إسلوبي كان سليما ، أن تحيا
في الظل أو خارج حدود الوطن ، وانت كنت بجسدك تحيا في الوطن ولكن فالتحيا في عالم افتراضي
ليس له علاقة بالسياسة ونظام الحكم ....
- وماذا بعد؟؟ , نترك الوطن لمن يشيع ثقافة الجهل
؟
- وهل نترك الوطن لمن يدمرون ؟
- ولماذا لا نترك الوطن للمفكرين ، لماذا نؤد الفكرة
يا وائل ؟؟؟؟
- هل تقصد أن نقاوم الشر بالفكر
...
- نعم فالأفكار أقوى من الرصاص
...
- الفكر المتطرف أيضا يحمل نفس الشعارات
....
- اذا فالنعطي مساحة للعلماء ، بدل من أن نعطي مساحة
للجهلاء فلا يهزم الفكرة الا الفكرة ياصديقي ....
أوشك وائل على مواصلة الحديث ولكن فجأة
دخل الحارس ومعه عدد من العساكر وقاموا بجذب كلا من وائل وحسام خارج الزنزانة وبدأ
كلا منهم يتحرك في اتجاها معاكس و لكن حسام نظر الى وائل وصرخ ويد السجان تنهال عليه
بالضرب ....
- تذكر يا صديقي لا يحارب الفكرة سوى الفكرة
....
اختفى صوت حسام وسط سيل اللكمات و الركلات
التي انهالت عليه من الحراس .....
وبدا وكأنهم يحاولون أن يقتلوا شيئا ما
بداخل حسام ....
شيئا لا يموت وان مات صاحبه
.....
الفكرة .....
خرج وائل وهو شاحب وهزيل بعد عشرة أيام
لا يعلم عددها وان مرت كالدهر في زنزانة الحبس الافتراضي وغشى الضوء عينيه بعد أن فارقها
طوال الأيام الماضية وفي خلال طريقه وجد شخصا هزيلا و تكسوا ضماضات ملوثة أما كن عدة
في جسده تعرف من خلال ملامحه حسام وان بدى متهالكا لا يقوى على الوقوف وقد أخذ ركنا
في الساحة ونظر حسام الى وائل بابتسامة مرهقة ولكنها مشجعه .....
دخل وائل زنزانة أخرى مجاورة لزنزانته القديمة
ولم يحاول أن ينشئ أي علاقة مع زميله الجديد و ان كان كل ما يشغله هو الاطمئنان على
حسام ....
لقد تعلم من حسام الصلاة وتعلم منه مبادئ
كثيرة يفتقدها العالم الخارجي وقارن في داخله بين أفكار حسام السجين وبين أفكار بعض
الاعلامينن هذا أن صح و أن نطلق عليها افكار ....
ودار في نفسه سؤال قوي ألح عليه
....
لماذا يكون مصير عالم مثل الدكتور حسام
هو السجن والاهانة والضرب والركل ؟؟؟؟!!!!!
ولماذا يترك بعض النخبة والاعلاميين اللذين
ينشرون الجهل ويصنعون له ثقافة أحرارا؟؟؟!!!! ....
بل لماذا لا نحارب الفكرة بالفكرة ؟
لماذا نحارب الفكرة بالهروب ؟!!!!!
كل هذا ملأ نفس وائل بفكرة واحدة
....
يجب أن يتغير ... يجب أن يفكر ... يجب
....
دخل الى كابينة الزيارة الزجاجية ورأى من
وراء الساتر الزجاجي وجه والدته ووالده وهالهم هزاله الشديد وارهاقه الذي لا تخطئه
العين ......
ومن بين دموعها أمسكت والدته بسماعة لتكلم
ولدها عير الساتر الزجاجي ....
- كيف حالك ياولدي ....
- الحمد لله كماترين يا أمي .....
- لا تقلق لقد أخبرونا بأنه سيتم الافراج عنك هذا
الاسبوع ....
- لم يعد هذا يفرق كثيرا يا أمي
....
تدخل والده في الحوار
...
- لا تقل هذا ياولدي فهم يعلمون بأنهم أخطؤا في اعتقالك
وسيتم تدارك الموقف فلا تخشى شيئا .....
- كم المدة التي مرت على في السجن ؟
- ستة أشهر و لكن هانت بإذن الله
....
- صدقني يا والدي لم تعد تفرق كثيرا
.....
وبعد تبادل بعض الكلمات عبر الحاجز الزجاجي
عاد وائل الي زنزانته .....
سادت حالة من الهرج و المرج في السجن و
بدا التوتر واضحا وانتشر خبر مرض الدكتور حسام وتردي حالته الصحية بين السجناء و تقطعت
أوصال وائل ألما على حسام ....
المفكر الذي دفع ثمن أفكاره غاليا و الذي
أيقظ في داخله أفكارا كانت في قبرها لا تبرحه ....
وفي وسط هذه المشاعر دخل حارس الزنزانة
واقتاده الى بوابة السجن ليركب العربة المصفحة ....
لم يشعر بالفرحة أو بالسعادة وهو يعلم بقرب
خروجه من معتقله بل على العكس شعر بشوق الى صديقه المفكر و تمنى أن يعود الي زنزانته
الأولى ليجده جالسا بها بإبتسامته المريرة الساخرة وصوته الهادئ ليستزيد منه علما ولكنه
أفاق وهو ينزل من العربة المصفحة ويدخل مبنى الادارة الأمنية حيث انتظره نفس الظابط
بإبتسامة لم ترق أبدا لوائل .....
ونظر اليه الظابط بتشفي
...
- لقد تم اعتقالك بالخطأ وسيتم الافراج عنك الآن ولكن
إحذر من العودة الى هذا المكان ....
نظر اليه وائل ببرود وبنظرة قوية
....
- ما أخبار الدكتور حسام الشافعي ؟
- انسى أمره ولا تتذكره مطلقا
...
- أسألك فقط عن حالته الصحية هل هو على قيد الحياة
؟
- وما الفارق بين كونه حيا أو ميتا انسى أمره لكي
لا تعود الي المعتقل ....
نظر اليه وائل بتحد
....
- نعم ما الفارق بين كونه حيا أو ميتا فأمثاله يموت
جسدهم و لكن تحيا أفكارهم خالدة ....
نظر اليه الظابط كثيرا بنظرات ثاقبة وغاضبة
ولكن رد عليه وائل نظراته بنظرات أكثر تحديا ...
نظرات تخبره بأن الفكرة لاتموت والكلمة
الصائبة تظل ....
قد تخبو قليلا أو تحارب ولكنها تبقى دائما
خالدة ......
وخرج وائل من المبنى الأمنى انسانا آخر
....
دخل انسانا خائفا يريد أن يحيا في عالم
افتراضي ...
وخرج من تجربته مع صديقه العالم بشئ أمده
بالقوة ...
ليست قوة السلاح أو الارهاب أو التطرف
...
وانما خرج بفكرة ...
الفكرة التي تكون أقوى من الرصاص
...
وتذكر حسام ...
زميل زنزانته .....
انه صديقه ...
العالم والمفكر ...
الذي وان سجنوا جسده فلن يستطيعوا أبدا
أن يسجنوا أفكاره ......
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق