بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 15 مايو 2016

العدد 5 لسنة 2016 ... التقزيم والاختزال ... بقلم علي الشافعي



العدد 5 لسنة 2016

التقزيم والاختزال 

بقلم علي الشافعي





يطلق على عصرنا هذا ( يا سادة ) عصر السرعة , وفي هذا العصر تنتشر ظاهرتا التقزيم و الاختزال , والتقزيم ظاهرة زراعية تعني تصغير حجم الشجرة الكبيرة , تدخل أي بستان او مزرعة فترى اشجار التين واللوز والتفاح والمشمش وحتى الزيتون صغيرة الحجم , لا يتعدى طولها المترين , فتسأل فيقال لك انها مقزّمة , ليستوعب الدنم منها اضعاف ما يستوعبه من الشجر الكبير , وبنفس الوقت يكون عمرها قصيرا , يمكن خلعها في أي وقت وابدالها بنوع جديد من الاشجار , حسب طلب السوق . اما الاختزال فبحسب قواميس اللغة يعني تقليص حجم العبارة بكلمة او حرف , كأن تكتب(ص) بدل صلى الله عليه وسلم او (البسملة ) بدل بسم الله الرحمن الرحيم . وقد انسحبت هاتان الظاهرتان على الافكار والقيم والمبادئ , واصبحت المعاني الكبيرة لبعض القيم تختزل في معنى ضيق واحد , فالصدق مثلا اصبح مختزلا بعكس الكذب في القول , اما صدق الافعال والمواقف فلا احد يتحدث عنه. وكذلك الامانة صارت عكس السرقة مع انها اكبر من ذلك بكثير .
لعل اكثر قيمة قزمت واختزلت في عصرنا ــ ي دام فضلكم ــ هي الشرف , فبمجرد ان تقرأ او تسمع هذه الكلمة ينصرف ذهنك فقط الى العلاقة غير البريئة بين الرجل و المرأة , خاصة وان وسائل الاعلام لا تركز في اخبارها ومقالاتها الا على هذا المعنى , فتكتب في عناوينها (جريمة شرف , قتل من اجل الشرف , خصام بين عشيرتين على خلفية شرف... وهكذا) . والمشكلة اننا نحمّل تبعات الشرف للجانب الاضعف (لمرأة ), والتي تتربى طوال حياتها في اغلب البيوت على الضعف وسلب الحقوق والارادة , ولا تكاد تسمع كلمة حنان واحدة من والديها ودائما الولد مقدم عليها , ثم يحملونها هذه المسؤولية الخطيرة , فاذا وقعت فريسة ذئب بشري يعرف من اين تؤكل الكتف ؛ اصبحت ضحية مجتمع لا يغفر واهل لا يرحمون , فتكون اول الضحيا دفاعا عن شرف العائلة وعلى راي المثل العراقي تصبح مثل (الجمل لو طاح كثرن سكاكينه ) وفي العادة يفلت الرجل من جريمته وكان شيئا لم يكن .
عودة الى موضوعنا فمعنى الشرف اكبر من ذلك بكثير : كلمة شرف ــ يا سادة ـــ في اللغة مصدر الفعل الثلاثي شرُف بمعنى ترفع وتعالى عن كل نقيصة . فالشريف هو المترفع عن النقائص . فالشرف عباءة مُقصّبة جميلة جليلة , يلبسها كل من حاز الصفات الحميدة والخصال الكريمة , كالصدق والكرم والامانة والعفة والنخوة والشجاعة والشهامة والرجولة الى غير ذلك . اذن لا يلبسها التاجر الذي يأكل اموال الناس بالباطل ويتلاعب في قوت عيالهم سواء باحتكار السلع , او افتعال الازمات لرفع الثمن , ولا المزارع الذي يضيف الهرمونات والمبيدات المسرطنة للنبات , من اجل اكثار المحصول وانضاجه في اسرع وقت . ولا الصانع الذي يغش منتجه لزيادة ربحه ثم يتعطل الجهاز عن العمل بعد يومين من شرائه . وكذلك العامل الذي لا يتقن عمله او يغش صاحب العمل , مع استيفائه اجره كاملا . والموظف الذي يبدد المال العام بصفقات مشبوهة او سفرات مشبوهة . والمواطن الذي يماطل في دفع ما عليه من التزامات يتلاعب بعدادات الماء او الكهرباء تحت أي ذريعة .... هل عرفتم الان ـــ يا دام عزكم ـــ سعة هذه العباءة , ومن يحق له ان يلبسها . 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق