بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 16 مايو 2016

العدد 5 لس 2016 ... رحيل ... بقلم : عبير هلال



العدد 5 لس 2016

رحيل 

بقلم : عبير هلال
 
 


سئمت..سئمت .. أرجوك دعني أغادر هذا المكان اللعين.
لم أعد أستطيع الاحتمال أكثر. "
حمل حقائبها وأدار ظهره لها : " كم كنت أود بقاءك هنا..
لتدعميني, لكنك للأسف الشديد أنانية ..لن أضيف صفاتك
الأخرى ولكن يجب أن أضع سطرين تحت صفة من صفاتك
التي عرفتها بينما كان الظلام يغادر ستائرك المخملية التي أخفيت
بها عني وجهك الحقيقي .. أنت جبانة ، بل قمة الجبن .. غادري ولكنني
لن أغادر معك . أنا طبيب وواجبي يحتم علي إنقاذ من أستطيع ولو على
حساب حياتي .. أثبتِ لي المرة تلوَ المرة أنك ممرضة فاشلة. الممرضة الوحيدة
التي تهتم بجمالها وتتباهى بطول أظافر يديها .. لا أعلم ما سبب اختيارك هذه
المهنة الشريفة أيتها الغنية .. لك قلب متعفن .. سأوصلك إلى أقرب محطة وبعدها
سأنساك وكأنك لم تكوني هنا .. الوداع .." انحنى ليطبع قبلة باردة على خدها بعد أن استدار في آخر لحظة لينفض من قلبه ذكرياتهما السعيدة معاً التي لم تتعدَّ فترة شهر العسل. حين أخبرها أنهما سيسافران إلى هذا البلد الفقير. تحولت حرارة عواطفها لصقيع.. ظهر لها وجه آخر لم يألفه .وما زاد ألمه سماعه ما دار بينها وبين والدتها من حديث : أنت تعلمين أنني كنت منذ البداية ضد زواجكما .. دعيه يسافر وحده وأبقي معنا . تزوجت مجنون وإن ذهبت معه ستذوين . أنت ابنة دلال لم تعتادي الخشونة والحياة القاسية.ما كان يجب أن تتزوجيه ولكن بما أن عكس ما أردته لك حدث فأنا ووالدك ضد فكرة ذهابك معه ومتأكدة أنك أيضاً لا تودين المغادرة."
_ أجل ، لكنني أحبه .
سافرت معه رغم معارضة أهلها الشديدة ومن حينها وهيَ تردد على مسامعه نفس الكلام : ليتني لم آتي إلى هنا .. أكره هذا المكان المقيت.. أكره الذباب والحشرات .. أرتعب من منظر الفئران التي تقفز وتظهر من لا مكان..لم أعد أحتمل." وكانت يومياً تنفجر بالبكاء المرير ." كان يجب أن أبقى مع والديّ".
- وأنا وحبنا العميق ألا يعنيان لك شيئاً؟
كانت تدير له ظهرها وتدعي النوم وترفض الإصغاء لأي طمأنينة كان سيبثها بقلبها..حتى الحرارة الشديدة كانت تزيد مزاجها حدة . أخبر زميله في العمل سبب حزنه وكآبته فقال له : أعطها فرصة لتتأقلم ...الحياة هنا صعبة للغاية .
وقفت تنتظر القطار ليقلها بعدما غادرها زوجها عائداً إلى مستشفاه الصغير المصنوع من الخيزران .
سمعت صوت إطلاق نار قريب منها فارتمت على الأرض ترتجف كالريشة ، وبعد عدة ثوان توقف كل شيء وكأن الزمن تجمد. نهضت ونفضت ملابسها من التراب وتوجهت نحو المكان الذي صدر منهُ صوت إطلاق الرصاص بشجاعة لم تعهدها في نفسها .
اقتحمت المكان ووجدت رجلاً ينزف على الأرض وصاحب المحل يقول للزبائن بفخر : هذه الأشكال مكانها ليس هنا .. كيف تجرأ ودخل .. اللعنة عليه هذا التافه ..الحشرة . احملوه وارموه في الخارج حتى يتعفن ."
ابتعد الجميع بتقزز ولم يحاول أحد إسعاف المصاب . انحنت رانيا على المصاب لتتفقده ،
نظرت إلى عينيه لتتفقد إن كانتا حمراويين أم لا .. تفقدت نبضه
طلبت من المتجمهرين مساعدتها لكن احداً منهم لم يحرك ساكناً .. قالت لنفسها : لو لم يغادر زوجي لتعاونا بإنقاذ هذا المسكين.
حاولت بعض النسوة إبعادها عن المصاب ولكنها دفعت أيديهن بعيداً وقامت بما تعلمته
في سلك التمريض لإيقاف النزيف.
شعرت بيدين تمسكانها من الخلف وتنهضها ، حاولت دفعها بعيدا .. سمعت صوتاً وكأنه
قادم من بعيد يقول لها : عملت ما عليك فعله ..هيا يا حبيبتي سأوصلك للقطار معك خمس دقائق قبل أن يغادر ..ما كان يجب أن أحضرك معي .لا تقلقي عليه سأنقله للمستشفى حالاً .." قال لها حين لاحظ اضطرابها الشديد .
- ظننتك وصلت للمستشفى .
- لم استطع تركك تنتظرين وحيدة فعدت . عانقها وهمس لها : سامحيني كنت قاسياً معك.
نظرت إلى عينيه الحزينتين. غمزته ثم ابتسمت قائلة : هيا بنا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق