مجلة المرفأ الأخير
العدد الثامن لسنة 2019
فنانون منسيون من بلادي
الجزء الأول
الحلقة 12
صالح عزرا يعقوب الكويتي
تقديم علاء الأديب
التقديم /
ليس من اليسير الحديث عن صالح الكويتي ذلك
الفنان الذي أثرى المكتبة الغنائية العراقية بألحانه الشجية التي مازال يتذكرها
العراقيون ويتغنون بها دون أن يذكر معه أخوه الفمان داود الكويتي لأنهما معا قد
شكلا ثنائيا فنيا رائعا معطاءا.
لقد كان بينهما من فارق العمر سنتان فقط وكان
لكليهما اهتمام واحد هو الموسيقى لذافقد تعاضد الأخوان ليكونا متممين لبعضهما في كل مانجزا من رائع
خلال فترة ابداعهما التي استمرت حتى نهاية عمريهما.
أرجو أن نوفق في تسليط الضوء على أهم ماكتبته
عنهم الصحف والمجلات والكتب لنسبق بذلك النسيا
ن اليهما وإلى تأريخيهما .
ومن الله التوفيق.
علاء الأديب
ولادتهما :
..................
ولد صالح الكويتي عام 1908
1910أما داود الكويتي عام
ترجع اصول الفنانين صالح وداود الى اسرة
يهودية كانت تسكن منطقة العمارة جنوب العراق وتحترف التجارة كمهنة وحرفة تعتاش منها
أبوهما عزرا بن يعقوب أرزوني وهو من مواليد شيراز، انتقلت أسرته بعد ولادته من إيران
إلى مدينة العمارة. في بداية القرن العشرين تزوج أبوهما وانتقل إلى الكويت، حيث ولدا.
أبو الموسيقى العراقيّة :
..................................
لقب صالح الكويتي بـ(أبو الموسيقى العراقية)،
وهو أول من أسس الأغنية المأخوذة من المقام العرقي، كما لحن لأشهر مطربات ومطربي تلك
الحقبة في العراق أمثال سليمة مراد، عفيفة إسكندر، داخل حسن، زهور حسين، منيرة الهوزوز.
الشغف بالموسيقى :
............................
أبدى صالح وداوود شغفا بالموسيقى منذ الصغر،
وتلقيا دروسا في العزف والغناء لدى الموسيقار الكويتي المعروف خالد البكر. في البداية
تعلما الألحان الكويتية والبحرينية واليمانية والحجازية. وتعرفا على الموسيقى العراقية
والمصرية بالاستماع إلى أسطوانات. وحين تقدما في العزف والغناء اشتركا في إحياء حفلات
لدى المعارف والأقرباء والشيوخ والوجهاء في الكويت ثم في باقي أقطار الخليج .
بين العود والكمان :
........................
كان صالح الكويتي ماهرا في العزف على الكمان،
واشتهر اخوه داود بالعزف على العود. وفي عام 1927 رافقا المطرب الكويتي المعروف عبد
اللطيف الكويتي إلى البصرة لتسجيل أسطوانات. نال الأخوين الإعجاب والتقدير في البصرة
من مطربين عراقيين كبار، ومن العاملين في حقل الموسيقى والغناء. كما استغلا وجودهما
هناك لتوسيع مداركهما في أصول المقام العراقي وتفرعاته .
إلى بغداد حيث الأصل :
...............................
في عام 1929 قررا الانتقال نهائيا إلى بغداد
حيث عملا كعازفين في ملهى الهلال، وهناك اقترحت المطربة العراقية المشهورة سليمة مراد
على صالح الكويتي ان يحاول تلحين بعض الاغاني، فاخذ قطعا شعرية من الشاعر الغنائي المعروف
عبد الكريم العلاف ولحن في فترة قصيرة عدة اغان منها قلبك صخر جلمود، هوّه البلاني،
آه يا سليمة، ما حن عليّ، منك يا اسمر، خدري الجاي خدري. لقيت هذه الاغاني إقبالا منقطع
النظير من قبل الجمهور، الامر الذي شجع صالح الكويتي علي إعطاء التلحين اهتمامه الأول.
اللقاء بعبد الوهاب
..........................
في عام 1932 كان لصالح الكويتي لقاء فني
هام مع الموسيقار المصري الكبير محمد عبد الوهاب الذي زار بغداد لاحياء حفلات غنائية
على مسرح حديقة المعرض. وقد ابدى عبد الوهاب في حينه اهتماما خاصا بالالحان العراقية
ونقلها من صالح الكويتي بالنوتة في لقاءاتهما الليلية، وخاصة لحن اللامي الذي وسعه
صالح الكويتي ولم يكن معروفا خارج العراق وقد استعمله عبد الوهاب فيما بعد في تلحين
عدد من اغانيه.
اللقاء بأم كلثوم :
.....................
في 20 تشرين الثاني 1932 زارت بغداد سيدة
الغناء العربي أم كلثوم، وأعجبت بأغنية قلبك صخر جلمود التي لحنها صالح الكويتي للمطربة
سليمة مراد. وقد غنت أم كلثوم هذه الأغنية في حفلاته بعد أن علمتها سليمة مراد اللحن
والكلمات. وهذه هي المرة الوحيدة التي غنت فيها أم كلثوم لملحن غير مصري .
صالح يشكل فرقة الإذاعة :
...................................
حين أقيمت الإذاعة العراقية عام 1936 كلفت
الحكومة صالح الكويتي بتشكيل فرقة الإذاعة الموسيقية. وقد عملت هذه الفرقة برئاسته
إلى ان استقال عام 1944، وقد استمر في تقديم برامج خاصة في الإذاعة بعد استقالته .
الموسيقى
التصويرية لأول فلم :
......................................
في عام 1947 وضع صالح الكويتي الموسيقى
التصويرية لأول فيلم سينمائي عراقي – عليا وعصام ، ولحن جميع أغانيه التي أدتها بطلة
الفيلم المطربة سليمة مراد .
سحبت الجنسية العراقية من
الأخوين :
..............................................
هذان الفنانان اللذان قدّما للموسيقى العراقية
أجمل ما في جعبتيهما من عطاء جمالي، واعتُبرا من أهم المجددين في العزف والتلحين الغنائي،
كانا قد سُحبت منهما الجنسية العراقية وطلب منهما الرحيل خارج وطنهما العراق، لأنهما
يهوديان. كان ذلك في الحادثة المعروفة باسم "فرهود اليهود"، عام 1948.
الأخوان يهاجران إلى اسرائيل :
...........................................
- في عام 1951 وبحكم الظروف التي نشأت بسبب
النزاع العربي الإسرائيلي وصدور قانون إسقاط الجنسية ترك الشقيقان صالح وداود الكويتي
العراق، فكان ذلك بالنسبة لهما نهاية حقبة حافلة بإنتاج فني غزير، منحهما مكانة مرموقة
في الاوساط العراقية الشعبية والرسمية على حد سواء.
داود الكويتي بييع الأدوات
المنزلية المستعملة ليعيش
..............................................................
كانت مفاجأة كبرى وحزينة أيما حزن للباحث
الموسيقي المعروف حسقيل قوجمان، حين التقى صدفة الفنان العراقي داود الكويتي (1910
- 1976) في سوق حنون، في حي يُدعي حي الأمل، في فلسطين المحتلة، وهو سوق شبيه بسوق
حنون في بغداد .
كان داود يبيع الأدوات المنزلية المستعملة،
متخذاً منها مهنة يعيش منها هو عياله. يقول قوجمان: "فوجئت ودهشت لرؤية داود الكويتي
في حنون وهو يتعامل مع سيدة على ثمن قدر صغير". يضيف: "لم أعرف داود الكويتي
شخصياً، لكني أعرفه موسيقياً. وقلت في نفسي؛ إذا بلغ وضع داود الكويتي هذا المستوى،
مستوى بيع أدوات المطبخ من أجل الرزق؛ فإن تاريخ صالح وداود الكويتي ودورهما في الموسيقى
العراقية أصبح نسياً منسيا .ً
سليمة مراد تغني لصالح من
شعر عبد الكريم العلاف
..............................................................
بعد أن قابلت الفنانة سليمة مراد وسمعت
فن صالح المتقدم، طلبت منه أن يلحن لها أغنية؛ فقدم لها في البدء أغنية كان قد لحنها
في الكويت على إيقاع الصوت المشهور؛ فأعاد صياغتها وفقاً للروح البغدادية، مغيراً إيقاعها
إلى إيقاع الجورجينا. يقول صالح: "كنت أقدم لسليمة مراد، من شعر عبد الكريم العلاف،
بين خمس إلى ست أغنيات في الأسبوع؛ فكانت تستقبلها بفرح غامر وتغنيها بأداء جميل .
الأغنية التي كانت السبب في
شهرة صالح الكويتي:
............................................................
الأغنية الأخرى التي جعلت صالح شهيراً،
حتى وصل صيته إلى مصر والكويت، هي أغنية "قلبك صخر جلمود ما حن عليه". هذه
الرائعة، لحناً وشعراً وأداءً، صارت أغنية العصر، حتى إن السيدة أم كلثوم أعجبت بها.
صالح ونرجس شوقي وقصة حب
ذاعت
...............................................
من أبرز المطربات اللواتي تعامل صالح معهن؛
نرجس شوقي، إذ لحن لها معظم أغانيها وجمعتهما قصة حب شيقة انتشرت أخبارها في الوسط
الفني آنذاك.
من أبرز المطربين والمطربات
الذين لحن لهم صالح:
...............................................................
لحن صالح كذلك لمنيرة الهوزوز، وزهور حسين،
وجليلة أم سامي، وسلطانة يوسف، وبدرية أنور، وعفيفة إسكندر. ومن المطربين، نذكر: حضيري
أبو عزيز وداخل حسن، وأخوه داود الكويتي الذي سجل بصوته جميع ألحان صالح، وعبد الصاحب
شراد وغيرهم الكثير .
الثقافة الموسيقية لصالح
الكويتي:
..........................................
كان صالح يحمل ثقافة موسيقية واسعة، مُطّلعاً
على مستجدات المشهد الموسيغنائي العراقي والعربي. هذا ما أهله لأن يضع الكثير من المقدمات
الموسيقية للمقامات العراقية التي كانت تخلو منها. وبهذا، فتح الباب على مصراعيه لظهور
ما يمكن أن نسميه الأغنية المتقنة، وهي بالتأكيد غير البستنة .
الناي والتشيلو أدخلهما صالح
على التخت الشرقي :
.............................................................
أدخل صالح آلتي الناي والتشيلو على التخت
الشرقي حين وجد أن لهما دوراً كبيراً في تطوير أداء الفرقة الجمالي. وكان الفنان محمد
القبنجي قبله قد أدخل آلة القانون لتحل بدل آلة السنطور، والكمان لتحل بدل الجوزة.
وهكذا اكتمل في عهد صالح الشكل الأساس للفرقة الذي يسمح كثيراً للتطور في ما بعد؛ أي
كما هو حال الفرق الموسيقية التي بات عددها يفوق الخمسين. وليس هذا فحسب، بل إن صالح
الكويتي يعتبر أول مؤسس لمعهد غير حكومي تدرس فيه الموسيقى الشرقية في العراق .
صالح يضع موسيقى فلم عليا
وعصام أول فلم عراقي :
................................................................
لمكانة صالح الموسيقية بين أقرانه من الفنانين،
اختير ليضع الموسيقى التصويرية لأول فيلم عراقي، اسمه "عليا وعصام". وبهذا
وضع الأسس الموسيقية لمفهوم الموسيقي التصويرية، وهي بطبيعة الحال تحتاج إلى ثقافة
سينمائية موسيقية.
صالح أول من بادر بالتدوين
الموسيقي :
................................................
يحسب لصالح الكويتي أنه أول من بادر بعملية
التدوين الموسيقي للأغاني والبستات وكذلك المقام العراقي والأبوذيات، رغم وقوف الكثير
من الموسيقيين المغنين ضد عملية التدوين، لأنهم يعتبرون ذلك ضياعاً للروح الشرقية في
الفعاليات الموسيغنائية، وهي مشكلة قائمة حتى اليوم .
صالح يكتشف ويدعم الشباب:
.......................................
كان صالح الكويتي فناناً داعماً، بل ومكتشفاً
للأصوات والمواهب الجديدة. فبعد أن أصبح المشرف على إدارة الفرقة الموسيقية في ملهى
"أبو نواس"، أخذ يقدم لهؤلاء الشباب والشابات فرص العمل فيه.
الحفيد دودو تاسا
.......................
لم يلمع أبناء الأخوان صالح وداوود في عالم
الفن و الموسيقى، لكن الحفيد «دودو تاسا» أحب الموسيقى والغناء وعرف أهمية جدَّيه ورد
لهما جزءًا من حقهما الضائع، وأعاد تقديم أغانيهما بتوزيعات جديدة مزجت بين صوتيهما
وصوته ..
البوم “دود تاسا والكويتيون”
........................................
أصدر تاسا في العام 2011 الألبوم “دود تاسا
والكويتيون” الاسم الذي أصبح اسم فرقة تاسا الموسيقية. تأسس الألبوم على أغانٍ كلاسيكية
عراقية من النصف الأول من القرن العشرين والتي ألّفت وغنيّت على يد داود وصالح الكويتي،
جد تاسا وأخيه. بدأ تاسا العمل على الألبوم عشر سنوات قبل صدوره، وبعد أن أدى أغنية
فوق النخل كجزء من الموسيقى التصويرية لفيلم “إتجه يسارا بعد آخر الدنيا” (Turn Left at the End of the World).
بعد
هذه التجرية الأولية، بدأ تاسا بجمع الأغاني التي ألّفها وأدّاها الأخوان الكويتي،
وضمها في ألبوم مع موسيقى حديثة. احتوى الألبوم على تسجيلات أصلية للأخوين الكويتي
وجوقتهم العراقية. لقي الألبوم نجاحا كبيرا.
يقول الكاتب والباحث العراقي
علي عبد الأمير في أغنية على شواطي دجلة مر. :
..............................................................................................
أغنية (على شواطي دجلة.. مر) هي تمثيل فذ
لذلك المعنى الفريد الذي يتدفق طواعية في مشاعره، كما مويجات النهر وشواطئه .
الأغنية هي من إبداع ذلك الثنائي الذي لو
نظرنا إليه بشيء من الإنصاف، لكان من أوائل الذين وضعوا الأساس لهوية وطنية روحية وثقافية
عراقية، فقد صاغ كلمات الأغنية الشاعر والباحث والصحافي عبد الكريم العلّاف، ووضع لحنها،
الأب الحقيقي للموسيقى العراقية المعاصرة، صالح الكويتي (بالتعاون مع شقيقه داود)،
وغنتها أول مرة سليمة مراد.النص مقام على قراءة شعرية لملامح بيئية وإنسانية تتعلق
بالامتداد الجغرافي الذي يعنيه مرور النهر في بغداد، حيث يتجه أهلها في أيام الصيف،
صوب شاطئ دجلة الممتدة من الباب الشرقي حتى الكرادة الشرقية، ويقيمون فيها بيوتاً صيفيةً
من الحصران والخشب، معروفة باسم “الجراديغ”. تطل واجهاتها الأمامية على النهر وتحفّ
بواجهاتها الأخرى الخضروات والأزهار، ويمضون فيها حياة هانئة، حيث الحرية المطلقة والجو
اللطيف فيتسامرون في لياليهم على ضوء القمر .
أمير الكويت ينام على الحان
صالح:
............................................
شاءت الأقدار أن تجمع شلومو الكويتي بنجل
أمير الكويت من آل الصباح في لندن عام 1995 عندما كان يشترك في معرض زراعي. توجه شلومو
إلى مجموعة من الكويتيين في فندق راقي في بريطانيا معرفا بنفسه أنه نجل العازف والموسيقار
صالح الكويتي وما كان من الأمير الكويتي إلا أن يحتضن شلومو ويروي له كيف كان أبوه
ينام على أنغام موسيقى الكويتي .
الأخوان يتنازلان عن
نجاحاتهما ويقرران الرحيل :
...........................................................
إختار الأخوان الكويتي التنازل عن نجاحهما
في العراق والكويت، والتوجه إلى إسرائيل مع أبناء جلدتهما. لم يكن القرار سهلا كما
يروي شلومو، لكنه اتخذ بتأثير زوجتي الموسيقيين.
وقد حاول أمير الكويت آنذاك الشيخ احمد الجابر الصباح ومتنفذون في العراق أنذاك بإقناع
الإخوين بالعدول عن قرارهما دون جدوى.
:2003أعادة الأعتبار لصالح وداود بعد عام
.......................................................
في أعقاب سقوط نظام صدام حسين في عام
2003 مع إفتتاح الأرشيفات في العراق، تجلت حقيقة مساهمات الأخوين وانقشع الظلم الذي
لحق بحقوق المبدعين وبفنهما العريق .
وقال شلومو كم اسعده معرفة أن الجمهور العراقي
إختار قبل سنتين الأخوين الكويتي كأفضل ملحني مقامات من خلال تصويت نظمته إحدى القنوات
العراقية .
وفاة الأخوين :
.....................
توفي داوود الكويتي في إسرائيل عام
1976، وتوفي صالح في عام 1986 وبقيت الأغاني والألحان تردد من قبل العراقيين حتى يومنا
هذا .
المصادر:
................
ويكبيديا الموسوعة الحرة
صحيفة العربي الجديد
صحيفة جمينا
صحيفة المغرد
صحيفة البيان
رحم الله صالح الكويتي وأخاه داود الكويتي
وأحسن مثواهما.
وإلى لقاء متجدد من مسلسل
{ فنانون منسيون من بلادي}
علاء الأديب
تونس / نابل
27-8-2019
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق