مجلة المرفأ الأخير
العدد الرابع2021
الفكرة بين الإسراف والتقتير
بقلم محمد فتحي المقداد
كلّ شيء بحاجة إلى تدبيرٍ وحساباتٍ، بلا إسرافٍ ولا تَقْتيرٍ في مجالات الحياة المُختلفة، والمَيْل للوَسَطِيَّة؛ فإنّ خير الأمور أوسطها، لكنّ الوضع مع الأفكار؛ أعتقدُ أنَّ الأمرَ مختلفٌ تَمامًا.
أيَّةُ فكرة لها مساراتٍ ودروب عديدة وشتّى، ومُتنوّعة الأشكال والرُّؤى، والكاتب صاحب الفكرة، إذا أراد تنفيذها، سيحشد لها كافّة إمكاناته، ومهاراته الذّاتيَّة، وينسحب الأمر وُصولّا إلى لحظة التنفيذ، أي الكتابة، لتتجلَّى خبرة الكاتب من مخزوناته المكنونة والمُكتسبة، واللّغة ومُفرداتها أساس التنفيذ ومُنتهاه.
كُلّما أسْرَفَ الكاتبُ، فلن يُكتب من المُسرفين المُبذّرين عند الله، ولن يكون بأعين النّاس وخاصّة القُرّاء منهم، إلّا ذلك المُبدع، الشّجاع في الولوج في دهاليز اللّغة، لعمل أحفوريّاته العميقة، لنبش الجواهر واللآلئ، ليُطرّز بها مدارات فكرته، التي تحوّلت إلى نص أدبيٍّ، سوء كان شاعرًا أم قاصًّا أم رَوَائِيًا أم بمقالته الأدبيّة الجادّة والسّاخرة، أو الفكريّة ذات الطّابع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والإصلاحي.
القصد ليس إلّا تقديم وجبة ثقافيّة دسمة، مفيدة للقارئ، وتجعله يعيش الحالة ليصبح شريكًا للكاتب في مشروع فكرته، وبما أثار عنه من رؤى مُوَلَّدَة وتَساؤُلات، تذهب به إلى البحث عن المساحات الفارغة فيما قرأ، التي تركها الكاتب عن قصديّة أو خلاف ذلك، واستنباط رُؤًى جديدة رافدة دافعة إلى المُقدّمة للفكرة، وهو ما يُعتبر رصيدًا ثمينًا للكاتب عند قارئيه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق