بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 29 يونيو 2015

العدد السابع لسنة 2015 .. اللوحة .. قصة قصيرة مشتركة .... بقلم: عــــبــــيـــر هــــلال/ فـلـسـطـين فـــلاح الــعـيـسـاوي/ الـــعـراق




العدد السابع لسنة 2015

اللوحة

قصة قصيرة مشتركة


بقلم:

عــــبــــيـــر هــــلال/ فـلـسـطـين

فـــلاح الــعـيـسـاوي/ الـــعـراق








اللوحة
يتهادى بخطواتٍ واثقةٍ, ينظر إلى أفكاره التي جسّدها كلوحات، يرى تلكَ الألوانَ تزهو صارخةً كأنَّها أشباحٌ تتراقصُ في خياله ِالعاشقِ، اليومَ يحتفلُ بمولد لوحاتِ عشقهِ وهيامهِ...
أصواتُ الزائرينَ قطعَتْ عليه لحظاتَ خلوتِهِ. استقبلَهم بلسانِهِ العذبِ بينما كانت تدغدغُهُ السعادةُ وهو يشرحُ معانيَ ألوانِهِ، سمِعَ صوتاً رقيقاً خلفَهُ يقول:
- اعجبتني هذه ِاللوحةُ كثيراً ليتني أمتلكُها.
كانتْ همساتُها كهديلِ الحمامِ، التفتَ ليرى مَنْ المتكلمةُ وليرى أَتخاطبهُ شخصياً أم تخاطبُ غيرَه... التقتْ العيونُ، كانتْ تقاربَهُ بالطولِ, ذكرتْهُ حين رأها بشخصٍ ما, هزَ َرأسَهُ ليمحوَ ذكرياتٍ مؤلمةٍ مرتْ كفيلمٍ سينمائي أمامَ عينيهِ، شعرَ بطرقٍ عنيفٍ داخلَ رأسِه.
صوتُ صديقِهِ المرتعب يطالبُهُ أن يهربا، التراب يلتصقُ كطفلٍ رضيعٍ بين شفاههما... الدمُ يمارسُ رذيلةَ الشهوةِ على أجزاءِ جسميهما المرهقةِ... تركََ صديقَهُ ينزلقُ كالزيتِ بينما زحفَ نحوَ الجريحِ... بكل ِجهدِهِ حاول َانقاذَهُ لكنهُ أسلمَ الروحَ وعيناهُ تحدقانِ بالأفق.
أعادَهُ صوتُها العذبُ للواقعِ؛ كان طلبُها شراءَ لوحةِ البحرِ الذي يغازلُ السماءَ الصافيةَ أحرقَ شراعَ الأمانِ من ملكوتِ الحبِ، لم يرَ مثلَ هذهِ النظرةِ الحالمة ِللوحةٍ من لوحاته إلّا في مدائنَ عينيها العسليتين، لم يعلمْ كيفَ واتتهُ جرأة ليتسعَ له المدى؛ فيدعوها على العشاء... توقعَها ستصفعهُ أو سترفضُ لكنهُ فوجيء بها توافقُ وبسرعةٍ اندهشَ لها.
تقلَبَ في فراشِهِ لكنَ النوم لم يكنْ سلطانَه ذلكَ المساءَ.. يبدو أن طائرَ الحبِ حطَّ رحالَهُ في قلبِهِ وسرقَ منهُ الوسنَ.
نهضَ من سريرِهِ بخفةِ نَمرٍ وباشرَ برسمُها بحرارةٍ وكأنهُ مشعوذٌ يستحضرُ روحَها لتقطنَ لوحتَهُ.
مع زقزقةِ العصافير أنهى لمساتهَ الأخيرةَ.. أخيراً استطابَ لهُ طعمَ السكينةِ.
استيقظتْ على موسيقى جوالِها النقالِ، ردت على المكالمة متثائبِة، استمعتْ لهمساتِ صوتِهِ، بقوةِ ارادتِها حبستْ دموعَها وتظاهرتْ بالبهجةِ، اتفقا على اللقاءِ في المساءِ بعدَ أن يغسلَ القمرُ آخرَ أشعةٍ للشمسِ.
اغلقتْ جوالَها بهدوءٍ ثم مسحتْ عينيها بأطرافِ أناملِها... الهدوءُ سيكونُ رفيقَ دربِها الشاقّ حتى تحققُ مبتغاها وتنزِعُ الأشواكَ من صيرورةِ حياتِها المكللة ِبالغار.
لم تتوقعْ أنها بكلِ هذهِ السهولة ِستصلُ إلى عقرِ داره وتنفَذ ُإلى شرايينَ قلبِه كالمخدر اللذيذ.
نهضتْ من فراشِها تتمطى، أمسكتْ سماعةَ هاتفِها:
- ألو، غزوان لمعذرة أيقظتُك في وقتٍ مبكرٍ؟.
- نعم عزيزتي، معك... لم أنمْ الليلة َالماضية, كنتُ قلقاً عليكِ من هذا الماكر، احذريه هوَ لزج!.
أخبرتهُ بأن الليلة سيكون لها لقاء ثانٍ مع أمجد، وستُسقط الملك لتعلنَ فوزها بلعبةِ الانتقام..
لا تستهيني به... كررها عقلها ملايين المرات.
شعرت بقلبها الصغير يكاد يغادر صدرها كفراشة تودّ تحديَ النارِ، لم يخطرْ على بالها كلامُهُ. أمجد وسيمٌ للغاية وجذاب, لولا أنه من تسبب بقتلِ والدها لأحبتهُ من النظرةِ الأولى، يبدو أن الإنتقامَ سيكون أصعبَ بكثيرٍ مما توقعت.
هاتفتهُ على جوالِهِ لتخبرهُ أنها ستؤجلَ موعدهما, لم يردّ عليها، قررتْ الذهاب بنفسِها لتعتذر عن موعدهما في المساء.
حينَ دخلت المعرض وجدتهُ يضحكُ مع فتاة جميلة، شعرتْ بتيار كهربائي يجتاحُ كل كيانِها؛ إنها تكرههُ فكيف تغار عليه، رجلٌ لم تعرفهُ كثيرًا.
نظرت إليهما بغضبٍ وأخبرتهُ والغصّةُ في حلقها؛ لأنها ألغت موعدهما لهذا المساء وغادرت تاركةً خلفها قلبها المنشطر.
لحقها وأمسكَ يدها فشعرتْ بالكونِ يدور بها وهوَ يُمطرُها وردَ المحبة.
نظر إليها وهو يبتسم:
- علياء، ابنةُ عمتي كانت تدعوني لتناول طعام الغذاء معها, لكنني رفضتْ. لا يوجد متسعٌ من الوقت لذلك: لمَ قدمت الأن حبيبتي..؟ اخفتني؛ أَيوجد شيء؟.
لحظة َالحسابِ أتتْ أخبرها غزوان... ضربَ على أوتارِ الوجعِ ثمَ صَمتْ، كانا يجلسانِ في متنزه البراري في الزاويةِ حتى لا يراهم المتطفلين، أخبرتْهُ بأنها ستجعل أمجد يعترف بجريمته.
تعالت ضحكتهُ فأخبرَها كم هي بلهاء ساذجة.
حينَ لمسَ ذراعها شعرتْ كأن أفعىً سامة تغرسُ أنيابَها هناك.
أمضتْ ليلتها وهي تفكرُ بطريقةٍ تجعلهُ يقرُّ بذنبه؛ قلبها يتأمر بشراسة ضد عقلها، سوف تعاقبينه بأقسى عقوبةٍ وهيَ الهجر له والزواج بآخر، لقد حانَ وقتُ القصاص العادل.
كانَ يتهلهلُ فرحاً لأنهُ سيطلب يدَها من والدتها, حياتي بدونها مستحيلة هي شمسي التي تشرقُ لتنيرَعُتم قلبي.
كانتْ تقفُ في الشرفة تنتظرُ قدومَه. عواصف من الألم ستمحو صحو حياتها للأبد، أستقبلتهُ بوجه يفتر عن ابتسامةٍ... الأشجار المحيطة ببيتها تمتهنُ غواية العشق مع النسمات الرشيقة.
شاهد في وجهِ أمها علاماتِ الرضا والقبول حينَ تقدم لخطبتها فطار قلبهَ فرحاً لسقف الأماني الطروب. نظَر لحبيبته التي عرفها قبل أسبوعين وغرست جذورها في صميم قلبه لتنبت هناك أشجار المحبة الأزلية.
وقفت رنا وقالت:
- معذرة والدتي الحبيبة؛ أنا لا أوافق ولن اوافق.
الذهول تملك عقلهُ.
قالَ بانكسار:
- مؤكد أنت تمزحين معي؟.
- لا أنا لا أمزح بتاتاً.
الصدمةُ أخرستْ لسانَه، أمها اصبحت في موقفٍ لا تُحسدُ عليه، طالبتها بأن تخبرَها سبب رفضِها حتى الأشجارَ لم تعُد تتمايلُ على نغماتِ قيثارةِ السعادة.
- أمي... هذا الرجل هوَ من قتل أبي عندما تركهُ جريحاً يصارع الموت وحيداً في ميدان المعركة.
الدهشة اعادته لسراديبَ الماضي مرةً أخرى... بدأ يفتشُ في ذاكرته... سألها مَن تقصد بينما الغيوم تحجب عن قلبه نور القمر.
- قتلت أبي, الرائد أحمد... نظراتُ عيناها كانتْ سهامٌ تخترقُ قلبهَ.
- مستحيل، أنا لم أقتلهُ بل كدتُ أُقتل في سبيل إنقاذه من الموت.
- أنت كاذبٌ ومخادعُ، لن أُصدقَ حرفاً واحداً منك، المهم أنني أحرقتُ روحك الشريرة، وانتقمتُ لروح أبي الطاهرة.
أدارت ظهرها إليه وطردتْه من بيتها بفظاظةً..غادرها بروح محطمةٍ تتصارع مع رهبةِ الماضي وعبقِ حبٍ أضحى مستحيلاً... منْ كانت البلسم أمستْ السمَّ الزعاف.
كانَ الصيف ومعهُ بيعت كل اللوحات... تعاون مع صديقه المقربِ بوضعِ الحقائبَ بصندوقِ السيارة... حملَ بيده اللوحة التي تحمل رسمتها، صديقهُ حاول أن ينتزعَها منهُ ليحطمَها... لكنهُ ضمّها بحنان كأنها كنز.
سمعا صوت سيارة فالتفتا، شعرَ بقلبه يزقزق كالعصافير.
راقبا الأنثى التي هبطتْ من السيارة وبيدِها عكاز؛ جلستْ على مقعد بالحديقة.
سألها بقلبٍ ملتاع بينما كانت الشمس تبتلع الغيوم عن حبيبته...
أوضحتْ له أن كسر ساقها أعاقَها عن مقابلتِه قبل شهر، ثم أخبرتهُ أن صديقاً لابنتها يدعى غزوان حضرَ لبيتهم بعد مغادرته في ذلك اليوم المشؤوم وحاول تحريضها عليه، لكنها رأتْ الكذبَ ينطق من عينيه، وقد استطاعَ خداعَ ابنتها؛ سنةٌ كاملة وهوَ يحشو دماغها بالأفكار السوداوية، أقنعها ألّا تتحدث مع الشرطة فلم تتبين طبعاً الحقيقة... استغل صدمة والدتها ورقادها في السرير.
توسلتهُ أن يذهب معها ليمنع زواج ابنتها. صديقهُ أمسك يدهُ بقوة وأخبره أنه سيتأخر عن طائرتهُ...
سأمنع زواجهما ولكن بعدها سأسافر... قال بحزم بينما تعرت عينيه من معالم الرحمة.
أوصلهم صديقه لبيت حبيبته، لكن لم يجدوها في البيت، هاتفتها والدتها فأخبرتها أنها وغزوان اشتريا فستان الزفاف وسيعودان بعد دقائق.
دخلتْ البيتَ يتبعُها غزوان بفرحةِ قطٍ انقضّ على فأر ليلتهمَه..
التقتْ عينا غزوان بعينين حجريتين تتأملانه من زاويةِ الحجرة... سقط َالفستانُ على الأرض؛ واختلطتْ كلُّ فصولِ السنة.. تحولتْ كلُّ العيونِ نحوَ اللوحةِ البديعةِ المعلقةِ على الحائطِ قبل دقائق... ثمَ توجهتْ كلُّ عيونِ الاتهام لغزوان ونطقتْ شفاه أمجد بالحكم النهائي...
نطقتْ شفاهها بالأسف لظلمه واحنت رأسها بينما كانت دموعها تنهمر.

تسمرَّت عيناها على اللوحة ثمَ راقبتهُ وهوَ يُغلق البابَ بهدوء دون َأيّة التفاتة للوراء.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق