العدد 1 لسنة 2017
وتلك الأيام ..مقالات ملفقة(2\3)
بقلم( محمد فتحي المقداد)
أنا مهجوس بالخوف منذ أن رأت عيناي النور من لحظة ولادتي، وازدادت حالة التخويف الأكبر من (الدُّولاني)، نسبة إلى الدولة، وهو رمز لها، بلباسه العسكريّ سواء كان شرطياً أو جندياً، وهو ابنٌ للدولة كما كان يُكنّى، ودليل على قوته، وعدم استطاعة أحدٌ بمواجهته في أي خلاف، مهما كان صغيراً أو كبيراً.
طالما خشي النّاس الدولة، فهي رمز القوة الكاسحة، التي لا يستطيع أحدٌ أن يقف بوجهها، ومن غامر فسيكون نصيبه الخسران، وقضاء باقي حياته خلف الجدران.
وفي الحرب عندما تُدالُ أمور إحدى الفئتين على الأخرى، فهذه الغلبة ما يقالُ لنا عليهم (الدَّولة), وتجمع على (الدِوَلْ)، وفي الآية الكريمة يتأكد هذا المفهوم (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) آل عمران 140، وجاءت بخصوص معركتيْ بدر وأحُدٍ، وذلك أن الله عز وجل أدالَ المسلمينَ من المشركين في يوم بَدْرٍ، فقتلوا منهم سبعين، وأسروا سبعين، وأدالَ المشركينَ من المسلمين بأحُد، فقتلوا منهم سبعين، سوى من جَرَحُوا منهم، و(دالتْ) الأيام دارَتْ، و الله يُداولها بين الناس، وإذا (تداولتْهُ) الأيدي، أخذته هذه مرة، وهذه مرة أخرى.
من هنا جاء مصطلح الدولة، التي اختلفت في مفهومها في العصر الحديث، لتصبح مجموعة من الأفراد يمارسون نشاطهم على إقليم جغرافي محدد، ويخضعون لنظام سياسي معين، متفقٌ عليه فيما بينهم يتولى إدارة شؤون الدولة، وتشرف الدولة على أنشطة سياسية واقتصادية واجتماعية؛ التي تهدف إلى تقدمها، وازدهارها، وتحسين مستوى حياة الافراد فيها، فالمواطنون، والإقليم، والحكومة، والسيادة، والاستمرارية السياسية، إضافة لعنصريْ الثقافة والحضارة، هذه العناصر هي مكونات أية دولة في العالم.
ولتجنب الخلط بين مفهومي(الدولة و الحكومة)، لا بد لنا من التوقف؛ لنتبيّن الفرق بينهما، رغم أن المفهومين متلاصقان لدرجة يصعب الفصل بينهما.
فمفهوم الدولة أكثر اتِّساعاً من الحكومة، حيث أن الدولة كيانٌ شامل يتضمن جميع مؤسسات المجال العام، وكل أعضاء المجتمع بوصفهم مواطنين، وهو ما يعني أن الحكومة ليست إلا جزءاً من الدولة، ذات الاستمرارية و الديمومة و الاستقرار
والحكومة هي الوسيلة، أو الآلية التي تؤدي من خلالها الدولة سلطتها، وهي بمثابة العقل لتسيير شؤون الدولة إجمالاً، وإدارة الأزمات بحنكة ودراية، إذا كان الرجل المناسب في المكان المناسب في الوقت المناسب، وعلى مبدأ تكافؤ الفرص، من خلال كفاءة وخبرة الأشخاص، لا من خلال الولاءات، ضمن حدود الصلاحيات الممنوحة لها من القانون و الدستور.
وهناك العقل المدبر في كل دول العالم، وهو ما يمكن أن نطلق عليه الدولة العميقة، الأجهزة الأمنية الخفية التي تعمل على صيانة مصلحة الدولة، بشكل خفيِّ غير ظاهر، كل ذلك يأتـي لخير الوطن و المواطن، على خلاف دول وحكومات العالم الثالث.
و قد حظيت النشرات الاقتصادية على الفضائيات، بانتشار واسع للاهتمام البالغ بها، لما تبيّن من حركة الاستثمارات، وتدفق الأموال من خلال أسواق الأسهم المطروحة للمساهمة، و تداولها فيما بين الجمهور، فكانت (الدُّولة) بالضمّ في المال، يُقال صار الفيءُ دُولةً بينهم، أي يتداولونه، فيكون مرةً لهذا، ومرة لهذا، و الجمعُ منها(دُولاتٌ و دُوَل)، وفي هذا جاءت الآية من سورة الحشر لتأكيد هذا المعنى (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، والفيء هنا هو ما يأخذه المسلمون من العدو دون قتال، و اشتباك، أو ما تركوه بهزيمتهم قبل القتال، وهنا يأتي الأمر الإلهي بتوزيعه على هؤلاء المهاجرين الذين ذكروا في الآية الكريمة التي تليها، وكل ذلك من أجل أمرٍ مُهِمٍ، وهو (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ)، لعدم تكديس الأموال في أيد المتنفذين و القائمين على الأمر، فتوزيعها على مستحقيها يضمن ذلك الأمر ألاّ يحدث، بهدف إقامة العدالة الاجتماعية.
وفي تراثنا الشعبي، ما يُغني هذا المفهوم، فيما يجري على ألسنة الناس، ببساطة وبلا تكلف، فللدلالة على أن الدولة قوية، وتعرف كل شيء، يأتي المثل خير مجيب عن ذلك(الدَّوْلة أفهم من بني آدم)، أو( الدَّوْلة تُمسك بالغزال على حِمارٍ أعرج)، أي مهما طال التهرب من تنفيذ عقوبة وقعت على أحدهم، فلا يمكن أن يفلتَ منها، مثله كَمثل الغزال يقفز بسرعة هائلة، فأين هذا من سرعة الحمار، خاصة إن كان أعرجاً.
وكثيراً ما تلجأ الدول لرفد ميزانيتها، وتسوية العجر فيها، من خلال تحصيل الضرائب المتراكمة من سنوات، وهذا ما يُعبّر عنه(الدَّوْلة إذا فلّسَتْ، تًدوِّر على الدفاتر المشلّخَهْ)، أي تعود لدفاترها وقيودها القديمة. ولا أدري على وجه الدقة، من أين جاء إطلاق كلمة (دولة) على إناء غَلْيِ القهوة الحلوة، أو ما هو مشهور عالمياً بالقهوة التركية.
فالذاكرة الشعبية تحمل الكثير من أحلامها المؤودة، خوفاً من سلطات دولها، لا تبوح بما في نفسها إلا من خلال المواربة في القول باللسان، وربما يكون مصحوباً بحركة الجسد، ولا أدال الله دولة العدل و المساواة، حتى و إن كان ذلك جزئياً، خير من أن يفتقده عالمنا، والعيش في ظلام الظالمين.
عمّان \ الأردن
17 \ 12 \ 2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق