بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 5 يناير 2017

العدد 1 لسنة 2017 .. مقطع من رواية (حنين) .. عفاف السمعلي




 العدد 1 لسنة 2017

مقطع من رواية (حنين)

عفاف السمعلي





ما أجمل الشعر وما اشدّ قسوته حين احتاجه يهرب مني ، ينفلت من بين أصابع زمني؛ وزمني أنا..هو أن أكتب.....أن أكتب أن ألفّ جسدي بزهريات من قصائد وروايات انثرها كالياسمين. أسدلت جسدها المتعب على المقعد،وكما عهدت نفسها كل مساء أخذت أجندتها ورسمت بعض الخربشات هنا وهناك في انتظار أن تمطرها السماء سمكا من المفردات لحياكة قصيدة.
  
سبحت بنظراتها مع حبات الياسمين التي تطل عليها باحتشام شديد بعبقها الشهيّ وسحرها النديّ، الّذي يتناغم مع تدفق الدم في شرايينها. كان القلمُ مجروحا والذاكرة تدفعها لتحولها إلى فصول وأيام . تناولت فنجان القهوة ،ترشفت- مُرّة- نسيت كالعادة السكر.لكنّ طعمها المرّ دفعها للكتابة أكثر. شجرة الياسمين المطلة على شرفة غرفتها ترحل بها إلى حيث الحلم يتوسد أقباء الصمت.

شذاها يتسرب بنعومة إلى مسامها فتنتشي.شغّلت حاسوبها لتسمع أغنية (حليم )-قارئة الفنجان- الّتي كلّما استمعت إليها اصطدمت مشاعرها بجدار الحياة ..كان المساء يغتسل تحت زخات مطر صيفية ،والحديقة التي تغمرها بعطر شجر ألارنج والليمون تهز أوتار روحها. طائر الخطّاف الذي عشش في الفرندة يزيدها دفئا. بدأت الشمس تتمايل نحو الاختفاء، مبعثرة شعرها الناري على وجنتيها فتأسرها حبيبتها لحظة غروبها.
 ضاعت شمس حافية عارية كلماتها كما يشتهي حلمها خاطبت ذاتها ,قلمها ,حبرها ,أريد أن أنكتب فالقلم لا يراوغ أحرفي لا يكتبني زيفا بل يترجمني. في هذه اللحظات وهي تجادل الشرود لمحت طيفا بهيا بين بتلات الياسمين.

أغمضت عينيها وفتحتهما وأغمضتهما وفتحتهما...؟ لكنّه على خدود الورد قد رُسم ..يرمقها بنظرة لم تفهمها لكنّها أسعدتها. مسكت رأسها بين يديها مستغربة قدومه في هذا الوقت ..هذا الزمن.. وكالطفلة دسّت رأسها بين أحضان أجندتها تخفي بعضا من خجلها مع الخربشات والأوراق. تسترق النظر إليه...كانت عيناه تبتسمان لها؛ رغم مسحة الحزن التي تطفو على مقلتيه....وبين حفيف أوراق الأشجار وخشخشة أساور الكون حملت النسائم حروفها إليه: "جاثية على زجاج الغياب تنتظر غيمة ماطرة تمنحها ما سلبها الخريف عشتار يا مناهل الحب تموز وطن ضائع يحتسي العذاب تستحمين في مآقيه ليلا نهارا تعزفين على أوتار روحه انثري شذا وردك كي يولد من جديد أجمل" تسرب صوته إليها بنبرة حنونة :سيدتي :"أتسمحين أن نتجاذب بعض الحديث؟؟ أدبه ولطفه جعلاها تتجاوز ترددّها .

سألها :"ماذا تخطّ أناملك من زهر على تلك الوريقة ؟؟
قالت: محاولة.. مازلت أنتظر سمكي. ابتسمَ..داعبتها ابتسامته. تناول حروفَها ..تسللت إلى قلبه كنسمة صيف.غاص في عمق كلماتها، أعجبه بعد موجها وفلسفة الذّات .بعد أن أنهى مديح باقتها نظر إليها وقال: " القصيدة رائعة لكن لا أظن أن الشاعرة كانت تقصد ماذهبتُ إليه في تحليلي. أذهلتها جرأة جوابه .غضبت ..كظمت غضبها بين بتلات نرجسيته . سألته أتحب الشعر.؟؟ آه قال ومن لا يحب بهاء الكلمات واللغة حين تكون عروسا.؟

 والموسيقى ماذا تمثل لك؟؟                               
 الموسيقى لغة الشعوب ونغم النفوس .
والوطن ؟
قال بصوت يحمل حشرجة البكاء كلّ الأوطان أوطاني ووطني جرح في دمي القاني ".أنا من جارت الدنيا ولم يأبه .أنا من مزقت أحزانه قلبه. وما قد هان أو أذعن. فجرح القلب خلاّ صار لو أزمن" ...عادت أدراجها  ووشجت الكلمات بين شفتيها فلزمت الصمت . يا الله من يكون ؟؟ إنّهُ يغزو أفكاري ويداعب أوتاري.. إنّه يعزف قيثاري...وتزاحمت الأسئلة بداخلها تطلب الإنعتاق. همس بصوته الدافئ :شمس أنا هنا ..أين ذهبتِ ؟
واحتقنت وجنتاها. لقبّها بالشمس دون أن يعرف شكلها ولا ملامحها. وارت حياء الأنثى وراء ضحكات متتاليات تتجاوز بها هذا الغزل الأنيق.

هاي.. يا قمر ...لقبته بالقمر.
وكتبا أول سطر من وثيقة الصداقة المفعمة بالطهر ،والنبل...تبادلا الأشعار،تبادلا الأغنيات، حليم ،أم كلثوم ،كاظم... (هل عند شك إنّك أحلى وأغلى امرأة في الدنيا؟؟) .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق