العدد الثالث لسنة 2018
الشعر وغزارة الثقافة والادب
بقلم د. فالح الكـــيلا ني
بدأت بوادر النهضة الفنية في الشعر العربي الحديث في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، حيث بدات كشذرات خافتة لدى بعض الشعراء ا و ضئيلة الشأن وكأنها أصوات هامشية كما عند الشاعر ناصيف اليازجي الذي يقول :
دَعْ يومَ أمسِ وخُذْ في شأنِ يومِ غَدِ
واعدِدْ لِنفسِك فيهِ أفضَلَ العُدَدِ
واقنَعْ بِما قَسَمَ اللهُ الكريمُ ولا
تَبسُطْ يَديَـكَ لنَيلِ الرِّزقِ من أحَدِ
وولده ابراهيم اليازجي في قصيدته الوطنية الرائعة ومطلعها :
.
تَنَبَّهُـوا وَاسْتَفِيقُـوا أيُّهَا العَـرَبُ
فقد طَمَى الخَطْبُ حَتَّى غَاصَتِ الرُّكَبُ
.
فِيمَ التَّعَلُّـلُ بِالآمَـال تَخْدَعُـكُم
وَأَنْتُـمُ بَيْنَ رَاحَاتِ القََنَـا سُـــــلـبُ
.
اللهُ أَكْبَـرُ مَا هَـذَا المَنَـامُ فَقَـدْ
شَكَاكُمُ المَهْدُ وَاشْتَاقَتْـكُمُ التُّـرَبُ
.
ثم أخذ عود القصيدة يقوى ويشتد على ايد ي الشاعر محمود سامي البارودي ومن شعره رائعته و مطلعها :
.
أبابلَ رأي العين أم هذه مصـر ُ
فإني أرى فيها عيوناً هي السحرُ
وغيره من شعراء ذلك الزمن فجاءت مندفعة بجد نحو الرقي والاكتمال حتى اذا اكتملت خلال القرن العشرين ا ضحت متبلورة في اتجاهات شعرية مختلفة في نهضة ادبية شعرية قد حددت مذاهب الشعر العربي الحديث و تفوقاته ورصدت اتجاهاته - راجع موسوعتي (شعراء العربية )في مجلدها الثامن ( شعراء النهضة العربية ) - مستفيدة من التراث العالمي وخاصة الفكر الاوربي آخذةً منه ما يوائم القيم والتقاليد العربية الأصيلة سائرة في سمتها الاصيل نحو الافضل ودائرة في محورها و بالوقت نفسه ربما رافضة في بعضها مفهوم القصيدة الشعرية كعملية تأليف أو تنظيم كنظم القواعد او نظريات علمية بل فاتحة آفاقاً شعرية جديدة غير مسبوقة في تاريخ الشعر العربي مثل الشعر الحر الذي رسم الشعر وفق اوزان معينة هي نصف بحور اوزان عمود الشعر – و بما يسمى ب (ا لسطر الشعري) بشعر التفعيلة (الشعرالحر)او بالشعر الحديث او المعاصر التي أثبتت في نهايات القرن العشرين وبدايات هذا القرن حضورا متميزا في الساحة الشعرية العربية على الرغم من شدة المعارضة – من اصحاب عمود الشعر او الشعر التقليدي ( التقييدي ) ا و الذين شكّلوا دافعاً قويّاً لاستهداف التغيير والحط من قيمته ومكانته - غير عابهين بهم او غير مستمعين لهم - للتطور الزمني الرافض لهذه الحالة والسائر في مسيرة متقدمة نحو المستقبل بنزعاته وارهاصاته .ومن الشعرالحر تنشد الشاعرة نازك الملائكة :
.
أقبل الليل عليها فأفاقت مقلتاها
ومضت تستقبل الوادي بألحان أساها
ليت آفاقك تدري ما تغني شفتاها
آه ياليل وياليتك تدري ما منها
جنها الليل فأغرتها الدياجي والسكون
وتصباها جمال الصمت والصمت فتون
فنضت برد نهار لفّ مسراه الحنين
وسرت طيفاً حزيناً فإذا الكون حزين
ان الشعر الحديث صمد أمام تيارات الرفض هذه وبدأت هذه المعارضة الرافضة تضعف رويداً رويداً أمام رغبة الأغلبية في حتمية التغيير والتحديث وذلك لان الشعر عالمٌ يختلف كليا عن عالمنا المرئي فهو عالم ملئ بالسحر والجمال والطقوس والرمزية ( المعاصرة ) في بعض الاحيان بعيداً ومتجرداً تماماً من الامور المادية . راجع كتابي - ( الموجز في الشعر العربي )– الرمزية في الشعر المعاصر ج 4 صفحة\732 وما بعدها ).
اما الشعر الجيد فهو الكنز الثمين والوجه الحقيقي للواقع الإنساني ولطالما حلم الإنسان به منذ أقدم العصور بأ ن يكون شاعرا او يولد شاعرا لذا استطيع ان اقول ان الشعر حالة روحية او نفسية تكتنفها العاطفة الحقة و تتأ رجح بين التأمل والالهام والحدس فالانسان الحديث ربما كانت له حالة مركبة من المشاعر الرومانسية والألم الواقعي والرموز السيريالية والقلق الوجودي فهو غيّر الانسان العربي القديم الذي كان هائما في الصحراء ينشد الكلآ والماء ويتغنى بما يجيش في نفسه من مشاعر واحا سيس في حدود امكانيته وظروف طبيعته فالإنسان العربي الحديث ربما تعتريه حالة او مجموعة حالات متناقضة بما تمليه عليه نفسيته والواقع المعاش في الوقت الحاضر وتناقضات المجتمع الانساني المختلفة المحيطة به . يقول الشاعر ادونيس في سطوره الشعرية :
.
خَرَجَ الوردُ منْ حوضِه
لملاقاتها،
كانتِ الشمسُ عُريانةً
في الخريفِ، سِوَى خَيْطِ غيمٍ على خَصْرِها.
هكذا يُولَدُ الحبُّ
في القريةِ التي جئتُ مِنْها
.
والشاعر الحقيقي هو هذا الذي يرخي عنان قصائده لما يعتمل في نفسه بتأثيرات مجتمعية حادثة فتخرج عفوية حصيلة ثقافة انسانية ومشاعر مركبة ومعبرة عن طموحات نفسية الشاعر ومدى تأثيرها في الاخرين و ابداعات خلابة وطموحة . فالقصيدة الحالية تمثل كائنا حيا او هي أشبه بالكائن الحي حيث يمثل شكل القصيدة او بنيتها بجسده . ومضمونها بروحيته فهي تمثل الصدى الذي تنبلج منه اسرار روح الشاعر واراؤه ممتزجة بعواطفه واحاسيه .
ومن المفيد ان ا بين ان الشاعر الحديث المطبوع شاعر تتمثل فيه غزارة الثقافة في امتدادات عميقة وكأنه وارث الحضارات كلها ومطلع على ثقافات الامم المختلفة . لذا اصبح متمكنا من استخدام مفردات اللغة لتصوير افكاره وارائه وعواطفه وخلجات نفسه دون تاثير من خارج او امر من احد و يرتكز على فلسفة عميقة غنية تحصنه من القول الضحل الفاني اوالركيك الى القول العميق والرصين فهو اذن يمثل فيضا هادرا وتلقائيا للمشاعر النفسية القويَّةِ المنبثقة من اعماقه يَأْخذُ بها مِنْ العاطفة المتأملة المتجددة المنطلقة نحو الافضل متألقة متناغمة تنشد الحياة والانتشاء فيها والحب للانسان المثالي نحو الافضل والاسمى في توليده للافكار والابداعات الشعرية الجميلة ومحاولة خلقها من جديد .
تقول الشاعرة سعاد الصباح :
أنا امرأة لاتشابه أي امرأة
أنا البحر والشمس واللؤلؤة
مزاجي أن أتزوج سيفاً
وأن أتزوج مليون نخلة
وأن أتزوج مليون دجلة
مزاجي أن أتزوج يوماً
صهيل الخيول الجميلة
فكيف اقيم علاقة حب
إذا لم تُعَمّد بماء البطولة
.
اما اؤلا ئك المتشاعرون الذين يكتبون الشعر وما هو بشعر ويقولون انهم شعراء فسيلفظهم الزمن وتضمحل نتاجاتهم السقيمة ولو كثرت لانها بدت سقيمة ثم تتهاوى و تموت على قاعدة البقاء للاقوى وللنتاج الاسمى والشعرالاصلح .
اميرالبيــــــــــــــان العربي
د فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلـــــــد روز
د فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلـــــــد روز
**********************
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق