بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 26 مايو 2019

مجلة المرفأ الأخير العدد الثالث لسنة 2019 المسرح التونسي بين الأمس واليوم لمحات تأريخية عن الفن المسرحي في تونس.. علاء الأديب


مجلة المرفأ الأخير 

العدد الثالث لسنة 2019

المسرح التونسي بين الأمس واليوم

لمحات تأريخية عن الفن المسرحي في تونس..

علاء الأديب

 



................................................... 




يعتبر المسرح من أهم الدلالات التي تشير إلى حضارة البلدان وتحضّر شعوبها في أيّ مكان من هذا العام .
ولكوني مهتم بالشأن التونسي باعتبار هذا البلد هو بلدي الثاني الذي اخترته للإقامة فيه والتعايش مع أهله فقد وجدت من الضرورة أن أبحث في مايمكن أن أستدل به على عمق حضارته وامتداد أصالته الفكرية والأدبيّة والفنيّة .فوجدت إن البدء في البحث عن تأريخ المسرح هو من أولويات البحث لما يمثله المسرح كما أسلفت من دلالة على التحضّر.
ليست من دلالة تشير إلى معرفة التونسيين بالفن المسرحي في شكله ونمطه الحديث المتعارف عليه قبل الإحتلال الفرنسي .وبالخصوص الفترة التي سبقت توافد الفرق المسرحية الفرنسية والإيطالية . عليه.وقبل توافد الفرق المشرقية منذ عام 1904
ومن الجدير بالذكر بأن أول الفرق المسرحية المشرقية التي وفدت الى تونس آنذاك كانت فرقة {كشكش أفندي وزوز}.وقد قدمت تلك الفرقة العديد من المسرحيات التي جلبت انتباه وإعجاب الجمهور التونسي على الرغم من أنها قد قّمت مسرحياتها على مسارح ثانوية في البلاد.
كان ذلك أول حافز للتونسيين في أن يوجدوا مسرحا في بلادهم .
فما كان ذلك إلا على أساس ما شاهدوه من تلك الفرقة التي وفدت إليهم من الشرق وما سبق لهم أم شاهدوه من الفرق الفرنسية والإيطالية .
فكانت حصيلة هذا الحافز تأسيس فرقة {النجمة} التي قام بتأسيسها مايمكن أن يطلق عليه بالفعل الرعيل الأول والذي اعتبر صاحب الفضل الأكبر على الفن المسرحي في تونس .
وبد زيارة فرقة {سليمان قرداحي } الى تونس وما قدمته هذه الفرقة من مسرحيات جذبت الجمهور التونسي إليها حيث كان ولوعا وشغوفا باللغة العربية التي حرم منها إلا في دروس جامع الزيتونة أو في المساجد وخطب الجمعة .
أزداد حب التونسيون للفن المسرحي وإزداد مع هذا الحب الإصرار على خلق فن مسرحي في تونس وقد ساعدهم على ذلك انحلال فرقة {جورج قرداحي} الذي مات في تونس ودفن فيها.حيث قام مجموعة من التونسيين المهتمين بالمسرح بشراء أثاث هذه الفرقة وملابس ممثليها .وهنا سعت فرقة {النجمة} الى ضم من تبقى من ممثلي تلك الفرقة الذين لم يعودوا الى مصر ليكونوا معهم فرقة جديدة وهي فرقة {الجوق المصري التونسي}.وهنا ومن خلال تلك الفرقة وعروضها ظهر وللمرة الأولى ممثلون تونسيون على الركح أمام الجمهور في سنة 1909
ومن المؤسف بأنّ هذه الفرقة لم تعمّر طويلا . فقد انحلت وذهب المصريون إلى بلادهم . أما بقيّة الممثلين التونسيين أصروا على الإستمرار وعدم الإستسلام .فكونوا فرقتين مسرحيتين جديدتين بعد أن كونوا فرقة واحدة إنشطرت على نفسها بسبب نشوب خلافات بين أعضائها.فتمخضّ هذا الإنشطار عن فرقة {الشهامة العربيّة } وفرقة { الأداب} .
لم تتمكن هاتان الفرقتان من تقديم ماهو تونسي متكامل من مسرحيات من حيث التأليف والإخراج والأمور الأخرى التي تتطلبها تكاملية العمل المسرحي . وكان ذلك بطبيعة الحال أمرا طبيعيا بالنسبة للفترة الوجيزة التي تعرّف بها التونسيون إلى الفن المسرحي.
لذا فإنّ هاتين الفرقتين أعادتا تمثيل ماشاهدوه من أعمال فرقة {سليمان قرداحي} وبعض من مسرحيات عربية أخرى أتت إلى تونس من المشرق العربي كمسرحية {أل نقاش} أو مسرحية {إسكندر فرج} أو

{ الشيخ نجيب الحداد} الى غير ذلك من المسرحيات التي كانت منهلا لهاتين الفرقتين وقد إترت هاتان الفرقتان على تقديم تلك المسرحيات .
وعلى الرغم من أنّ تلك المسرحيات حقا لم تكن بالمستوى المطلوب لأن المشرقيون ذاتهم في ذلك الوقت لم يكن لديهم تأريخهم في الفن المسرحي حيث كانوا في أول عهدهم به .
وليس هناك مايميّز أمال المشارقة المسرحيّة انذاك إلا كونها عربية بعض النظر عن جودتها.
فضلا عمّا كانوا يترجمونه ترجمة حرفية عن المسرحيات الأجنبية .
لقد أخذ الكثير من المؤلفين المشارقة الكتابة عن التاريخ العربي وقدموه للمسرح إضافة الى اقتباسهم عن المسرحيات الأوربيية التي كسوها بكل فطنة ودقة كسوة عربية تاريخية كما في مسرحية { أبو الحسن المغفل} التي كانت السبب في منع التمثيل في سوريا . وكما في مسرحيّة { أنس الجليس} التي ألفها الشيخ القباني .
ومنها مسرحيات عديدة نهلت مواضيعها من التراث العربي .

بما أن تونس كانت في ذلك الوقت تحت وطأة الإحتلال والإستعمار الفرنسي فلم يكن الفن المسرحي أو المسرح بشكل عام محبذ أو مشجع من قبل السلطات الإستعماريّة ولم يكن ذلك ينطبق على تونس لوحدها بل على جميع الدول العربية المستعمرة حينها.
وعلى الرغم من أنّ الصبغة المعروفة على الإستعمار الفرنسي لعدد من دول أفريقيا كانت صبغة ثقافية إلا إنّ المسرح كان هاجسا خطرا جدا بالنسبة للفرنسيين حيث يمكن أن يكون منطلقا لفكر ثوري تحرري فيما ذا سمح له بالإنطلاق أو الإنتشار .
ومع ذلك فقد عمد العرب في المشرق ومن بعدهم التونسيون إلى سلوك طريقة لإحياء تراثهم العربي والإسلامي مذكرين الناس بأمجادهم من خلال المسرحيات الأولى التي ألفها أهل المسرح في الشرق والتي انتقلت إلى تونس عن طريق الفرق المسرحية المشرقيّة أو عن طريق الكتب التي تصل إلى تونس من هناك بطريقة أو بأخرى.

أعادت كل من فرقة {الشهامة العربية} وفرقة { الأداب} والفرقة الصفاقصية فرقة {التهذيب}التي تأسست . . والتي أسسها الفنان التونسي المرحوم { الحبيب عكروت } أخذت على عاتقها بعدهما في عام 1912
أعادة عرض تلك المسرحيات ك { مجنون ليلى} و {أنس الجليس} من جانب الشاعريّة .
و{صلاح الدين الأيوبي } و {فتح بيت المقدس } من جانب الحماسة .
و{ هارون الرشيد } و {خليفة الصياد } من جانب الفكاهة .
و{هاملت / عطيل/ وروميو وجوليت } من جانب المسرح المترجم لمسرحيات شكسبير .
ومسرحيات {كورناي} كمسرحيّة {سينا } و{لوسيد} اتي ترجمت إلى {غرام وانتقام}.
وإقتباس لمسرحية { إيرنيه } التي حولها الشيخ نجيب الحداد إلى {حمدان}.
وهذا ما كانت تلك الفرق الثلاث تقدمه آنذاك في تونس تحت رقابة شديدة من قبل سلطة المستعمر وفي أماكن يندر أن تكون مسارح معتمدة .

وعلى الرغم من قلّة تلك المسرحيات إلا انها كانت كافية نوعا ما لتغذية تلك الفرق بما يسمح لها أن تظهر أمام الجمهور الغفير من التونسيين الذين مانفكوا يشجعون هذا الفن ويقبلون عليه اقبالا كبيرا لشغفهم وحبهم للغة العربية كما أسلفنا .إضافة للمواضيع التي تحيي فيهم النخوة العربية والإسلامية.
لم يبق التونسيون على وضعهم هذا حتى في لفترة الأولى لكنّهم واصلوا الدرب للإرتقاء شيئا فشيئا حتى جاء {الشيخ محمد الجعيبي } رحمه الله ب {السلطان عبد الحميد بين جدران قصر يلدز } مؤلفا.
حيث انهالت عليه التساؤلات عن سبب ذهابه بالتأليف الى الأتراك وتأريخهم .
فما كانت الإلأجابة إلا ماكانت تربط التونسيين بالأتراك من علاقات حميمة في حينها وقد أثبت لنا التاريخ ذلك بالفعل. فكان الرجل قد ألف هذا نتيجة لتأثر الشارع التونسي بتلك العلاقة الحميمية.

ومن هنا ظهرت الدلالات الأولى على أن التونسيين بدأوا بالفعل في ذلك الحين بالشعور لابرسالة المسرح لكونهم حديثوا عهد به ولم يفهموا رسالته . إنّما إعتبروه كفن يحيي فيهم البطولات والشمم والكرم إلى آخره من الصفات التي جاءت بها مسرحياتهم.
ومن الجدير بالذكر بأن حداثة العهد عند التونسيين بالمرح في تلك الفترة جعلتهم لاينتبهون جيدا إلى الناحية العملية من الفن المسرحي.
وبعد مجيء فرقة {الشيخ سلامة حجازي } الى تونس قلبت الأوضاع والموازينوحتى عام 1914
لأنها جاءت بمسرح جديد ألا وهو المسرح الغنائي أو الإستعراضي الذي دام فترة طويلة من الزمن.
وهكذا استمرت الفرق المسرحية بالتوافد بجديدها على تونس لتغذي الفرقتين التونسيتين الباقيتين بالرغم من انحلال العيد من الفرق التي ماأن تتأسس حتى تنحل .والسبب الذي يعزى إليه بقاء هاتين الفرقتين طويلا فيعود إلى توقف نشاطهما أثناء فترة الحرب العالمية الأولى . والتي كانت فترة ركود .

وحتى ذلك العهد لم يظهر على الساحة تأليف مسرحي تونسي سوى ماذكرناه آنفا من مسرحيتين إحداهما تأليف والأخرى ترجمة .
وعند ظهور أناس مفكرون لهم معرفة بالمسرح كالمرحوم {الطيب الجميل} و حتى عام 1921
والمرحوم {أحمد العكّي} الذي كان أحدهما قاضيا في العدليّة والآخر محاميا وقد جسدا حياة سني الحرب العالمية الثانية في استعراض رائع كتباه كما لو كان لكل منهم خبرة العشرات من السنين في المسرح وقد أطلقا على استعراضهما هذا تسمية {هو عام}.
وقد جسدا فيه حالة تونس في عهد الحرب فما أهملا فيه شاردة أو واردة من تفاصيل ذلك الزمن إلا ومرّا عليه بما يستحق من الإبداع.

أما التمثيل على الركح في تونس فمنذ أن تأسست فرقة النجمة في عام 1906 واستقدامها لمدرب ايطالي تعلم الممثلون التونسيون من ذلك المدرب أسلوب التمثيل الإيطالي الذي يعتمد كثرة الحركات في الأداء حتى غدا التمثيل عند الممثلين أشبه بصراع مستمر.
ةذوما أن قدمت الفرق المسرحية المصرية حتى ظهر اتها تتبع ذات الإسلوب بل أضافت اليه الإطناب والمبالفة في الإلقاءالتي لم تعد تحتمل في وقتنا هذا .
فكانت تلك هب الطريقة التي يمثل بها التونسيون بأخدهم لها من الإيطاليين والمصريين.

وتجدر الإشارة عند الحديث عن الفرق التونسية وأعضائها بأن ماكان يقال عن كون إن اعضاء تلك الفرق كانوا من البسطاء الذين لايحملون شهادات ومن الجهلة فهذا لم يكن صحيحا حيث كان أغلب أعضاء تلك الفرق من حملة شهادة التطويع ومعلمون وأناس مؤظفون في كبريات الإإدارات كم كان {الشيخ محمد الأكودي} رحمه الله الذي سلّم بوظيفته وبكل شيء ليموت فقيرا لأنه اختار المسرح .
ولقد نبغ العديد من التونسيين آنذاك في الفن المسرحي كالشيخ {محمد بورقيبة} والشيخ {ابراهيم الأكودي} فقد أجادوا بما شاهدوه من غيرهم وجسدوه باتقان وخاصة ماقاموا به من أدوار لم يشاهوها سابقا من مصريين قد مثلوها قبلهم.
ظهرت حالة التقليد الفاحش على الممثلين التونسيين ل {جورج أبيض} في عامي1924-1923
في تمثيلهم وفي حركاتهم في الشوارع والمقاهي وفي ألبستهم وطرابيشهم وفي طريقة ارتدائها فكان ذلك التقليد غير مرض من قبل الجمهوروكان لممثلين شباب من أمثال {محمدي فالح} و {ناصر بودرالة } و {البشير الرحال} الذي كان شيخا للمثلين في الستينيات من القرن الماضي في تونس. حيث تحسس الجمهور التونسي المحب للمسرح مدى المبالغة المفرطة في تقليد هؤلاء الشباب لجورج أبيض بالصورة التي لم تكن بمستوى الطموح في أن يكون للتمثيل التونسي شخصية مستقلة بذاتها في أدائه على الركح.
وظل هذا مستمرا حتى قدوم فرقة {يوسف بيك وهبي } الى تونس بالميلودراما . فبدأ عهد جديد.

ولو تحدثنا عن الإخراج المسرحي في ذلك الزمن ..فمن البديهي جدا أن لايكون هناك إخراج بمعناه الحقيقي.والسبب بطبيعة الحال يعود الى عدم وجود ركح مسرحي وكما هو معروف فإن الإخراج يعني الوضع على الركح.
لم تكن الفرق التونسية تقدم عروضها على المسارح لأنها كانت لاتتحصل عليها بسبب محاربة السلطات لتلك الفرق حيث كانت المسارح مغلقة بوجه الفرق المسرحية التونسية كالمسرح الروسيني والمسرح البلدي. ورغم تلك الحرب فقد تمكنت هذه الفرق من تقديم اعمالها مرة في كل اسبوع على المسرح الروسيني.
وعلاوة على حرب سلطات الإستعمار للفرق المسرحية وغلق أبواب المسارح بوجه ممثليها فقد عمدت إحدى الفرقتين العريقتين {الآداب} بعد أن حصلت على عقد مع إدارة المسرح الروسيني من احتكار هذا المسرح لنفسها فقط لمدة فترة العقد موسما كاملا دون السماح للفرقة الأخرى {الشهامة العربية } من تقديم أي عرض من عروضها على ركحه.إضافة إلى إغلاق سلطة الأستعما أبواب المسرح البلدي في وجه تلك الفرقة.
وهنا يتلخص الحديث عن الإخراج بأنه لم يكن موجودا لأن المخرج لايعتلي المسرح إلا ليقدم مسرحيته عند العرض .بينما الإخراج القيقي يتطلب إجراء التمرينات على الركح المسرحي لفترات طويلة والتعامل مع بقية متطلبات الإخراج المسرحي من إضاءة وديكور ومؤثرات سمعية وصوتية إلى مافي ذلك من أمور أخرى .

هذا ماكان لنا من لمحات تأريخية عن الفن المسرحي في تونس الذي بدأ نضالا حقيقيا وجب الحفاظ عليه من قبل هذا الجيل الذي لم يحفظ لأسلافه أمانة فذهب بالمسرح الى حيث الهاوية شأنه كشأن كل الأجيال في بلداننا العربية حيث أحالوا المسارح الى قاعات للهرج والمرج ونصوصا مفرغة من المعنى والفحوى فلم يعد وللأسف الشديد في بلداننا المسرح دلالة على التحضر قدر ما أصبح دلالة على الوضاعة والإنحدار الثقافي والأخلاقي الذي ذهب بالجمهور الى التدّني في الذوق .
رحم الله من حمل هموم وطنه على اكتافه وسار بها كل هذا المشوار ولاسامح الله من كان سببا في ضياع الإرث العظيم.
علاء الأديب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق