بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 26 مايو 2019

مجلة المرفأ الأخير العدد الثالث لسنة 2019 أَبدِيـــَّـةٌ جَديدة عادل قاسم


 مجلة المرفأ الأخير 

العدد الثالث لسنة 2019

أَبدِيـــَّـةٌ جَديدة

عادل قاسم


 




حينَ نَهضَ من ميــتَــتــهِ الأخيرةِ، لمْ يَتذكرْكيــــفَ وأينَ ماتَ، انتـَـزَعَ - منْ ثَقبٍ دامٍ في أَعلى صــَــدغهِ الأَيمنِ - ذاكِرتــَــه ُالمُحْتــــَرِقةَ، تَلــمَّسَ أزرارَها المَعطوبــةَ وتدثَّــرَ في الرَمادِ
مُتمَسِكاً بريشةِ الجَمـْـرِ التي تَنفَّســتْ عِطــــرَ فنائهِ، وهي تَشيــرُ إليهِ لامتطاءِ جوادهِ الخَشَبي، إذْ احْتَشدُ هُناكَ الفــرسانُ والأشبــاحُ، يتنابزونَ بألقابِــهم التي تآكلتْ بعدَما أُشرِعَتْ الأبوابُ والنوافذُ، وهلَّلَ الغَجرُ كلَّما سَقطَ مُضَرَّجاً بدمائهِ فتىً، المسافاتُ تَقْصرُ، والطريــقُ سالكــاًَ كما يَتوهَّــمــون، شيــوخٌ عُراةٌ يَتضــوَّرونَ من فَمِ الحُروبِ قَلــقَ الأُمَّهاتِ اللواتــي جَثمْنَ على حافَّــــــةِ الجــــــــــوعِ والرَصاصِ ، يُشيِّعْنَ بالصَلواتِ الأبناءَ الذينَ تدثَّروا بالنورِ وخَرائِبِ الوطنِ المَسْفــــوحِ على مِقْصلةِ الدمــوع، تَجوَّلَ كأيِّمــا جِــثَّةٍ مُحتَرمــةٍ في طُرقاتِ المَدينةِ، وحينَ لم يرَ إلاَّ الأمواتَ مُحلِّقينَ في عدَمِــهِــم، كانَ عليــهِ أَنْ يَعـُـدَّ - كما الأسلافُ - خيــولَهُ فــي صَحْرائـِـهِ البهيجــةِ، مُهْتدياً بعشبةِ الخُلــودِ ِ لأبديَّتهِ الجديدَة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق