بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 12 أغسطس 2019


مجلة المرفأ الأخير

العدد السابع لسنة 2019

الكمان

للشاعر عبد الجبار الفياض



 

يقولُ الكمان
أنَّ ظمأً
في بقعةٍ غيرِ ذاتِ عُقم
اعتصرَ أثداءَ الغيمِ بلهفةِ حنينِ ناقة . . .
تركَ شفتيْهِ
تلعقُ سبخَ الأرضِ
بعدما عقدوا شريانَ نهرٍ
ما أمسكَ يوماً يديهِ عن رفد . . .
ليسَ حُرّاً لهُ
أنْ يغادرَ منبعَه
فوهبَ مجراهُ مُرغماً للمطر . . .
كانَ الجّدبُ عبداً مُطيعاً لسيدِه . . .
. . . . .
لا غزلَ
والشّمسُ مرهونةٌ عند مُرابٍ
بخزائنَ
لا يُشبعُها ما فاضَ قارونُ من مُلْكِه . . .
لحمٌ بشريّ
بسعرِ الماشيةِ المُتردّية
إنْ لم يكنْ هو أدنى . . .
تمضغُهُ ذاتُ فكٍّ سائبٍ بلذّةِ صائمٍ لطعامِه . . .
الكهنةُ
يباركون ما يُنحرُ على عتبةِ معبدِهم
وإنْ كانَ مما تدمعُ لهُ من الملائكةِ عيون !
. . . . .
لا غزلَ
وليلٌ
تعصرُهُ جواريه
نشوةً في كؤوسِ لصوصٍ
يقتسمون النّاسَ كيلاً بكيل . . .
إنَّهم يقتنصون لحظاتِ الفرحِ زُغباً في عُش . . .
يشنقون الرّيحَ إنْ مرّتْ بقبرِ ثائرٍ
تخطّى شفيرَ قبرِه . . .
يلجُ مضاجعَ القَتَلة
يسلبُ نوماً من عيونٍ
شهدتْ صورةَ أنفاسهِ الأخيرة . . .
إنّهُ خيرُ مَنْ يُطاردُ فريسةً
كانتْ ذاتَ يومٍ صيّاداً
تُحنى لهُ على الأبوابِ رقاب . . .
. . . . .
ليالٍ
فوقَ ما قصتْهُ في مُباحِها شهرزاد . . .
نزعتْ أوراقَ التّوت
تحرسُها بنادقُ
يخرجُ منها الموتُ صامتاً . . .
تعبرُها قوافلُ الإيلافِ بما حملتْ بسلام . . .
دونَها
ما صرعتْهُ على شبقٍ غوانيه . . .
ليسَ لابنِ هانيء
أنْ يداويها بصفراءِ دائِه . . .
لِيذهبْ ابنُ الورد
يحتسِ ماءَهُ القراحَ بينَ ثُلّةٍ من صعاليكِ مكّة . . .
فهنا
يُولدُ الزّمنُ مسوّماً بختمِ مَنْ فُتحتْ لهُ أبوابُ الفارهات . . .
. . . . .
تحت أقدامِ الوالي
ذيولٌ مقطوعة . . .
تستبقُ بنصبِ فِخاخٍ في أيّامِ مكرٍ مفتوحةٍ إلى نهايةِ ما يتمنّاهُ لصّ . . .
تدخلُ جماجمَ
بمثلِها
صنعَ عجلَهُ السّامريّ . . .
مخصيّون
يستعرضون رجولتَهم من قَفا . . .
لكنَّ الظّلامَ إلى رحيل . . .
لا تُكتبُ نهايتُهُ بحبرٍ ملكيّ كما في أقبيةِ ما سَلف . . .
. . . . .
يقولُ الكمان
أنّ ملكَ الموتِ أخبرَهم
أنْ يختاروا الرّجمَ لا الحجارة . . .
لا جدلَ أمامَ صوتٍ
هدرَ بعدَ صمْت . . .
على لسانِه جروحٌ
نطقتْ بكُلِّ مُفرداتِ القتلِ البارد . . .
أبوابٌ
مُغادراً غيرَ عائدٍ
بكتْ . . .
طُرقاتٌ
أُغتصبتْ على قارعتِها أفراحُ الأهلّة . . .
. . . . .
يقولُ الكمان
هنا زمنُ الأنيابِ الصّفر . . .
الخوفِ المُندسِّ في مخدّاتِ التّعساء . . .
زمنٌ صُرِع
قبلَ أنْ يتركَ وصيةً لغدِه . . .
شُدّتْ عقاربُهُ إلى غيبوبةِ انكسارٍ
حلزنَتْ حروفَ رضاعتِهِ رصاصاً
تقاسمتْهُ أيادٍ من بني نهبِ الدّار
لم تفقدْ أصابعُها بعدُ عالقَ دسومتِه . . .
. . . . .
أُحيطَ بثمرهِ من جهاتٍ أربع . . .
ما كانَ لقريبٍ
شُقَّ من لَبن . . .
لبعيدٍ
أتى بثيابِ جودو . . .
أنْ يتردّدَ عن طعناتٍ
تبرّأَ منها على خستِهِ بروتس . . .
سيفٌ
تجاهلَ غمدَهُ من ثقيف . . .
باغٍ ما تركَ لبغدادَ من حُسْن . . .
أضدادٌ تآلفتْ
لترسمَ خريطةَ رمادٍ لجنتِه . . .
إنّهم لا يُريدون للموتِ أنْ يموتَ لواحدة . . .
للجوعِ أنْ يغادرَ بيوتَ الطّين . . .
ما كادوا وقع
على أسوأِ ما دهرٌ شَهِد . . .
. . . . .
تُلَّ للذّبح
كيفَ لا يُفدّى بكُلِّ ما بقيَ تحتَ جلدهِ يتنفّس؟
خطوبٌ في مخاض . . .
ماذا يُسمّى مَنْ وِلِد ؟
غشيتْ عينيْهِ العَتمة
أبصرَ بعدَ رَمَد . . .
نهضَ برئةٍ مثقوبة
نزعَ خوفَهُ المفتولَ قيوداً من خَدَر الوعّاظ . . .
إنّهُ
يستعيدُ سفنَهُ من قراصنةِ البرّ . . .
مسلتَهُ . . .
حرفَهُ الأوّل . . .
بغدادَهُ وما حفِظَتْ لها من مفاتنِها الأزمنة !
. . . . .
فاكهينَ رجعوا
بعدَ ما أجهضوا حُبلى نخيلِه . . .
لكنَّ الشيطانَ
استعادَ ثيابَهُ المُعارة
فبدتْ سوءاتُهم لكُلِّ عين . . .
ما تراكمَ من شحمٍ
نبتَ في سُحت . . .
إنّهم هم . . .
وإنْ أُستحضرتْ علبُ المكياجِ من صالوناتِ العرّابين . . .
أفرغَ الماكيرُ نهاياتِ فنّهِ بحذاقةِ أصابعِه . . .
انّهُ يعرفُهم جميعاً
بما قبلَ نعوتِهم الصّدفيّة . . .
بألوانِ الأقنعة . . .
بخوارِهم لكُلَّ شيءٍ
أضاعوه لجنونِ رغبة . . .
بهتوا
أيُبعثُ هذا من رمادٍ بعدَ موت؟
أجلْ . . .
هو ذاك المُتجرّد . . .
لهُ البقاء
ولكم ما على نفسِهِ جناهُ يهوذا !
. . . . .
عبد الجبار الفيّاض
آب / 2019

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق