العدد الثالث لسنة 2015
تجليات
مفاهيم الأدب المقارن في قصائد الشاعرة عفاف السمعلي
بقلم : علاء الأديب
تجليات مفاهيم الأدب المقارن في قصائد الشاعرة
عفاف السمعلي
الجزء الثاني
المفهوم الثاني:
يذهب
أصحاب هذا المفهوم للدفاع عن الأدب المقارن من الذين يدعون بأنه مشابه للأدب العالمي
ومطابق له من حيث المزايا والخواص.
فهم
لا يجدون لوجوده مبرّرا على هذا الأساس.
لذا
فإن أصحاب هذا المفهوم دافعوا عن وجود الأدب المقارن وضرورة ديمومته من خلال بيّانهم
وتركيزهم على الفروق الأساسيّة والجوهريّة بينه وبين الأدب العالمي. وبينه وبين الأدب
العام بصورة عامة.
ومن
أهم النقاط الجوهريّة التي يختلف بها الأدب المقارن عن الأدب العالمي والأدب العام
..هي ما يتميّز به الأدب المقارن في البحث عن العلاقات المشتركة ومدى التأثير والتأثر
بهذه العلاقات في الثقافات المختلفة وكذلك مدى تطور هذه التأثيرات وإسهامها إسهاما
فاعلا في بناء فكر عالمي جديد .
ومن
هنا نجد أنّ العديد من نصوص الشاعرة التونسيّة عفاف السمعلي موضوعة البحث تعتمدّ هذا
المفهوم من خلال استثمار الشاعرة لدلائل المقارنة للوصول إلى حالتي التأثر والتأثير
بثقافات أخرى.
فهنا
في هذا النص المقتطع من قصيدة (شهرزاد)
نص:
شهريارُ مصلوبٌ
على خشبة التردّ د
على مرمى ليل قَمِيءٍ
تحت جناح رمشٍ أرّقه السّهاد
يراقصني "التانغو" و يضيع فيّ
نلاحظ
جليّا ماذهبت اليه الشاعرة بحرفنة عاليّة ودقّة متناهية باختيار قرينين مختلفين زمانيّا
ومكانيّا وقامت بصهرهما ببوتقة جديدة لتصنع منهما صورة مغايرة لصورتيهما تحت إطار المفهوم الثاني من مفاهيم الأدب المقارن.صورة
للفكر الجديد.
شهريار
(الملك العادل الذي يكره النساء ) والذي وردت قصصه بحكايات (ألف ليلة وليلة)
والتانغو
(رقصة الطبقات الفقيرة في بوينس أيرس)
والصورة
تتحدث عن نفسها في هذا المقتطع من القصيدة .
فلا
الملك العادل كاره النساء بقيَ على ما وصفته به
الحكايا .
ولا
رقصة التانغو بفيّت رقصة لطبقة المعدمين. فشهريار
ضاع بحبيبته وهو يراقصها التانغو .
وارتقت
الرقصة لبلاط الملك .وكلّ هذا في إطار إنساني جديد جمعت الشاعرة فيه صوره من حقائق مغايرة لحقيقة ماورد الناس من أخبار عنهما.
وفي
مقتطع آخر من قصيدة (هيجو) من مجموعتها موسم البنفسج
نص:
هيجو" مازال حيّا
يهديني كلّ عيد لهفتـه
ويمدّ يديه إلى مطر الرّوح
حيث اللّغة تلد
مشاتل حمام
وعيون الصّباح
أفرغت ذات أنثى
في الدّروب المسافرة..
إلى شقر النّجوم
هجعة ارتواء
نرى
بأنّ دلائل التأثر والتأثير بشخوص الأدب الفرنسي قد حطّّت رحالها في هذا المقتطع من
القصيدة
لتأخذنا
للتفّكر بأبعاد هذا التأثير والتأثر . فنجد إنّ العلاقة البعيدة التي تربط بين تونس
وفرنسا قد فرضت سطوتها على شاعرتنا فضلا عمّا يتصف به هيجو الشاعر الفرنسي من سمات ادبيّة وفكريّة سامية الدرجات
رفيعة المستوى.
فقد
ترجمت قصائده لأغلب اللغات المنطوقة فضلا عن إمكانيّة الشاعرة من اللغة الفرنسيّة وهذا
ما أتاح لها أن تتذوق من نصوص هيجو مالم يتذوقه القارئ له من نصوص مترجمة لأن الترجمة بكلّ الظروف تقلل من حلاوة النص
الأصلي.
وأكثر
ما دعا الشاعرة لتناول هيجو قرينة في قصيدتها
حسب اعتقادي بأنه كان يري في نفسه صاحب رسالة،
كقائد للجماهير، قائد لا بالسيف أو المدفع وانما بالكلمة والفكرة. فهو أقرب إلى زعيم
روحي للنفس البشرية أو صاحب رسالة إنسانية . وهنا تحديدا أقف على نقطة من نقاط الشبه
بين المقارن والقرين . بين الشاعرة والشاعر.
وفي
هذا المقتطع الآخر من نفس القصيدة نرى الشاعرة تتحدث عن نفسها منطلقة من نقطة الأقتران
التي تمثل الروحانيّة في التعبير عن حمل الرسالة والقياديّة التي تعتمد الكلمة والفكرة
بأنسانيّة الأنسان وتعبير الشاعر فتقول:
نص
:
أقسمتُ أنّني سأعود
حين يرتجف طفل الحبّ
بلا سابق إعلان..
سأعود أحمل خارطةَ وطن
غير الوطن
وعلى
هذه الشاكلة من النصوص وزعت عفاف السمعلي أدوار قصائدها على كافة مفاهيم الأدب المقارن
دون أن ينتبه لهذا الدور الفائق في المسؤوليّة أحدٌ إلاّ من كان قارئا متفحّصا لكلّ ما وراء الحرف . ومن هنا
نجدها قد عبرت حدود المألوف في الوقت الراهن على الأقل بمنحها قصيدة النثر سمات إضافيّة
لسماتها المعهودة قد تجاوزت بكثير حدود الاختزال والتكثيف المعتاد وعناصر المفاجئة وخلق الإيقاعات الداخليّة
. فذهبت بالقصيدة مذهبا جديدا لتقحمها عالم الأدب المقارن رغما عنها لأسباب ِتأثرها
بثقافاتٍ متعددِةٍ لأسباب عُرِف بعضها وبقي بعض منها في طور بحثنا .
وتستمر
الرحلة في تجليّات الأدب المقارن في قصائد
الشاعرة التونسيّة عفاف السّمعلي
ولنا
مع المحور الثالث لقاءآخر في الجزء الثالث
إن شاء الله.
علاء الأديب
بغداد 2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق