العدد7 لسنة 2016
قصة نبي الله ابراهيم وابنه اسماعيل وبناء البيت العتيق( القسم الثاني )
بقلم د فالح الكيلاني
ثم استوطن ابراهيم عليه السلام ارض الشام في فلسطين وكانت زوجته سارة عاقرا ولم تنجب له . فلما اعطاها الملك الجبار ( هاجر ) جارية لها وهبتها الى زوجها ابن عمها ابراهيم عليه السلام لعله ينجب منها فواقعها ابراهيم عليه السلام فحملت وولدت له ولدا اسماه ( اسماعيل ) فدبت الغيرة في نفس سارة وطلبت منه ابعادها وولدها عنها بعيدا فأمره الله تعالى ان يخرج بهاجر وولدها الى ارض مكة في الحجاز وهي ارض غير ذات زرع ولا ماء جبلية بعيدة بعيدة ليس فيها ماء ولا تنبت زرعا .
فاخذها ابراهيم عليه السلام وولدها معها الى ارض الحجاز فلما وصل ارض مكة انزلهما في بقعة محاطة بالجبال من كل جانب وتركهما في اكمة ومعهما شنة من ماء وجعبة فيها طعام وعاد ادراجه من حيث اتى .
فلما رأته زوجته انه تركهما وقفل راجعا لحقته وهي تنادي عليه وهو ساكت لا يرد فلما وصلا الى منطقة ( كداء) نادته من ورائه :
- يا ابراهيم اين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس به انيس او اي شيء نأوى اليه .
قالت له ذلك مرارا وهو مستمر في سيره لا يلتفت اليها.
فقالت له:
- الله امرك بهذا ؟؟؟
قال : نعم
قالت : اذن لا يضيعنا الله .
وفي رواية اخرى قالت:
- الى من تكلنا الى الله ؟
- قال: نعم
- قالت : رضيت .. لا يضيعنا الله .
ثم رجعت .
وهذه هي المرة الاولى التي تطأ اقدام ابراهيم عليه السلام ارض مكة وموقع البيت العتيق .
عاد ابراهيم عليه السلام الى الشام في ارض فلسطين الى زوجته سارة . ولما نزلت الملائكة لتصب العذاب على قوم لوط نتيجة اجرامهم وفعلهم المنكر ونزلوا عند ابراهيم عليه السلام ضيوفا فنحر لهم عجلا سمينا الا انه شاهد ان ايديهم لا تصل الى الطعام فنكرهم وخافهم فاخبروه انهم رسل الله تعالى الى لوط عليه السلام فلما سمعت سارة بالحكاية لفت نفسها بخرقة ( صرة ) او ربما تكون اشبه بالعباءة واتت اليهم مسلمة فضحكت فبشروها وزوجها ابراهيم بالبشرى بالولد فتعجبت من الامر كيف تلد وهي عقيم وزوجها شيخ كبير . عندها ضربت وجهها بيدها قائلة:
- كيف أ لد وانا عجوز عقيم ان هذا لامر عجيب .
حملت سارة فانجبت له ( اسحاق) ورزقه الله تعالى من وراء اسحاق ولده يعقوب قال تعالى :
( ولقد جاءت رسلنا ابراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث ان جاء بعجل حنيذ * فلما راى ايديهم لا تصل اليه نكرهم واوجس منهم خيفة قالوا لا تخف انا ارسلنا الى قوم لوط * وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب * قالت أألد وانا عجوز وهذا بعلي شيخا ان هذا لشئ عجيب * قالوا اتعجبين من امر الله رحمة الله وبركاته عليكم اهل البيت انه حميد مجيد * ) سورة هود الايات \ 69-73 .
رجعت ( هاجر ) الى ولدها بعد ان غاب عن عينها زوجها ابراهيم عليه السلام راجعا الى ارض فلسطين فجعلت تشرب من الشنة فيدر لبنها فترضع ولدها لعدة ايام حتى نفد الطعام و الماء فعطشت فجف حليبها وانقطع من شدة العطش وعطش وليدها واصبحت تنظر اليه وهو يتلوى او يتلبط من العطش والجوع وأضامها الضيم في نفسها وصارت تتهيب ان تنظر الى وليدها وهو يتلبط من العطش فنظرت الى جبل ( الصفا ) لعلها تنظر شيئا فاسرعت اليه صاعدة فوقه لعلها ان تجد فرجا او منقذا او تجد شيئا ما يرويّ عطش وجوع ولدها فلم تر شيئا فنزلت ثم نظرت الى جبل يقابله وهو جبل ( المروة ) لعلها تجد ضالتها فيه فسارت اليه مسرعة فصعدته فلم تجد شيئا فبقيت تجري بين الصفا والمروة سبع مرات لعلها تجد ما يعينها على حاجتها حتى تعبت وشعرت بالارهاق ..
فقالت في نفسها لأذهب فأرى ولدي (الرضيع) ماذا يفعل وماذا
حل به فاذا هو على حاله يتضور جوعا وعطشا و كأنه ينشغ للموت فكانت هذه المرات السبع هي اشواط السعي السبعة بين الصفا والمروة من شعائر الله في الحج والعمر ة .
قال الله تعالى :
( ان الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت او اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهما ومن تطوع خيرا فان الله شاكر عليم *)
سورة البقرة \ 158.
ومن هنا شرع السعي بين الصفا والمروة في الحج والعمرة سبعة اشواط .
واذا بصوت سمعته فقالت :
- أغث ان كان عندك خير ...
فاذا به جبريل عليه السلام يقول:
- بعقبه على الارض ...
فنظرت الى الطفل وهو يضرب بعقب رجليه الارض ينازع الموت والحياة فانبجس الماء من تحت عقب الطفل ( اسماعيل ) فكان ( زمزم ) فشهقت شهقة فرح عظيمة وهي ترى الماء منبثقا . ثم اخذت تغرف الماء في سقائها ثم شربت وارضعت ولدها . وفي هذا قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم :
- (رحم الله ام اسماعيل لو تركت زمزم – او قال لو لم تغرف الماء- لكانت زمزم عينا معينا) اي عينا سائلة جارية .
فقال لها جبريل عليه السلام :
-( لا تخافي الضيعة فان ههنا بيتا لله يبنيه هذا الغلام وابوه ان الله لا يضيع اهله ).
وكان البيت ( بيت الله العتيق ) قد بناه ابونا وسيدنا آدم عليه السلام للعبادة وكان قد تهدم واندثرت آثاره بتقادم الزمن الطويل بين آدم وابراهيم عليهما السلام . مرتفعا قليلا عن الرابية فتأتيه السيول من الجبال المحيطة بهذه البقعة فتاخذ عن يمينه وشماله فبقيت ( سارة ) ساكنة قرب الماء ( زمزم ) فكان لها ولولدها رواءا وغذاءا حتى جاءت قافلة بهم رفقة من جرهم مقبلين من ( كداء) فرأوا طيرا تحوم في السماء فقالوا :
- هذا طائر يبحث عن الماء .
فارسلوا من ينظر اليهم فلما جاء الجري فوجدوه ماءا فاقبلت القافلة مع من فيها وقالوا لام اسماعيل عليه السلام :
- اتقبلين ان ننزل عندك ؟؟
- قالت: نعم ولكن لا حق لكم بالماء
- قالوا: نعم
فارسلوا الى اهليهم فنزلوا معهم في هذه البقة فكثر السكن . فكانت
( مكة ).
جاء ابراهيم عليه السلام متفقدا زوجته وولده وكان ابنه اسماعيل قد بلغ السعي في العمل واكتمل يافعا . فلما وصل مكان البيت الحرام حيث وجدهما ساكنين . وفي الليل راى في المنام رؤيا ان الله يأمره بذبح ولده اسماعيل وكان ذلك في ليلة اليوم الثامن من ذي الحجة فأجل الامر الى النهار للتروي والتفكر فيه وليعلم هل هذه الرؤيا من الله تعالى ام من الشيطان فسمي هذا اليوم الثامن من ذي الحجة ( يوم التروية ) . الا ان الرؤيا جاءته في الليلة التالية ايضا في ليلة اليوم التاسع من ذي الحجة فعرف ان هذه الرؤيا رؤيا حق وانها من الله تعالى وهنا قد صدق الرؤيا وعرف انها رؤيا حق ومؤكدة وسمي هذا اليوم يوم ( عرفة ) ثم راى نفس الرؤيا في ليلة اليوم العاشر من ذي الحجة فتاكد الخبر انه امر من الله تعالى يامره ان ينحر ولده ( اسماعيل ) فهمّ بنحر ولده لذلك سمي اليوم العاشر من ذي الحجة ( يو م النحر) عند ذلك اخبر ولده اسماعيل بالامر بشفقة و حنان ليأخذ رأيه في هذا البلاء العظيم فاطاع الولد (اسماعيل) اباه فيما اراد فلما قال له ابوه :
-(يا بني اني ارى في المنام اني اذبحك فانظر ماذا ترى).
الصافات \102
وكان يعلم ان امر الله تعالى لابد نافذ وكذلك ليعلم ما عند الفتى اليافع من الصبر والجلد عند تلقي هذا الامتحان العظيم .
فقال اسماعيل بكل طاعة وتوقير لابيه وطاعة واستسلاما لامر
الله تعالى :
- ( يا ابتي افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين *)
الصافات \ 102
على قضائه وقدره والممتثلين لامره سبحانه وتعالى .
فاستسلما لامر الله تعالى واذعنا لامره وحكمته فهمّ ابراهيم عليه السلام بذبح ولده اسماعيل واسلم الولد نفسه لابيه فوضعه على الارض باتجاه البيت واخذ السكين في يده وكبر( الله اكبر) وقرب السكين من رقبة ولده اسماعيل لذبحه . وهنا جاء الفرج حيث سمع ابراهيم عليه السلام نداءا من السماء :
( ان يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا ) وان قد حققت ما امرناك به في المنام من التسليم بذبح ولدك (اسماعيل ) . لقد مننا عليك وجاءك الفرج من عندنا وانقذناك من الكرب العظيم وبمثل هذا الجزاء سنجزي المحسنين المطيعين لامرنا امثالك فهذا هو البلاء المبين وامر الله تعالى ان يذبح كبشا سمينا كبيرا بدلا عن ذبح ولده فداءا له وفي رواية اخرى قيل انزل الله سبحانه وتعالى كبشا من السماء ليذبحه ابراهيم عليه السلام فداءا عن ولده (اسماعيل) عليه السلام .
عند ذلك قام بفك رباط ولده اسماعيل عليه السلام واخذا بعضهما با حضان الاخر وهما يبكيان فرحا بهذا الامر وتنفيذا لامر الله تعالى واخذ ابراهيم عليه السلام الكبش ونحره فكان اضحية عن اسماعيل عليه السلام ومن هنا سنت الاضاحي في الاسلام .
وقيل ان اسماعيل قال لابيه عليهما السلام :
( ياابت اشدد رباطي حتى اصبط ولا اضطرب عند النحر واكفف ثيابك وشمر عن ساعدك لئلا ينتضح شيء من دمي على ملابسك فتراه امي فتحزن او تراه انت فتتذكر الحالة فتحزن واسرع مرور السكين عند الذبح ليكون الذبح اهون علي وكبني على وجهي لكي لا ترى وجهي عند الذبح لئلا تنظر اليه فترحمني ) وهذه هي المرة الثانية التي جاء بها ابراهيم عليه السلام الى ارض مكة وموقع البيت العتيق .
قال الله تعالى:
( فلما بلغ معه السعي قال يابني اني ارى في المنام اني اذبحك فانظر ماذا ترى قال ياابت افعل ما تؤمر ستجدني انشاء الله من الصابرين * فلما اسلما وتله للجبين * وناديناه ان يابراهيم * قد صدقت الرؤيا انا كذلك نجزي المحسنين * ان هذا لهو البلاء المبين * وفديناه بذبح عظيم * وتركنا عليه في الاخرين * سلام على ابراهيم * كذلك نجزي المحسنين *) الصافات\ 102- 110
فلما شب اسماعيل واكتمل وتعلم العربية من جرهم الذين سكنوا معه قرب الكعبة في مكة فاعجبهم فزوجوه احدى بناتهم واختاره الله تعالى نبيا .
( يتـبـــــــــــع )
من كتابي (شذرات من السيرة النبوية المعطرة صفحة 9- 14 )
امير البيـــــــــــان العربي
د فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلــــــــــــدروز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق