العدد7 لسنة 2016
حسين عبدالله واليوم الأخير من الوجع
بقلم : علاء الأديب
كان دعاؤه الأخير (اللهمّ اسألك أن تسترد امانتك قبل أن افقد السيطرة على زنة الكلام)
في مثل هذا اليوم من عام 2011 قرر الطبيب المعالج لوالدي رحمه الله بتر ساقه التي تمكن منها سكري القدم خوفا من تسرب التسمم بالدم لكافة انحاء جسده وبعد أن ساءت حالته الصحيّة . وكان لزاما عليّ أن أقوم بالتوقيع على إجراء العمليّة لأنّها كانت بغاية الخطورة بسبب ارتفاع نسبة السكري لديه وعدم التمكن من السيطرة عليه.
أخبرني الطبيب بأن الحالة يجب أن تحسم بتداخل جراحي. إن بقي الوالد بغير عملية بتر لساقه سيموت بالتسمم وإن أجريت له العملية فإن نسبة بقاءه على قيد الحياة ضئيلة. وتركني أفكر لأربع وعشرين ساعة لاتخاذ القرار.
كان أصعب يوم بحياتي فحياة صديقي الوحيد مرهونة بتوقيعي من عدمه.
جمعت أخوتي وصرحت لهم بماقال الطبيب واجمعنا على أن نجري له العملية فأمل ضئيل افضل من لا أمل.
صعدت لغرفته بالمشفى وقلت له:
بابا أنا الجأ اليك اليوم لتدلّني كما اعتدت عمّا افعل بأمر صعب عليّ.
ابتسم لي وقال وكان قد شعر بما فيه.
ياعلاء خلصني من وجعي..فأما شفاء يريح وأما موت ينقذني مما انا فيه..فأنا اموت كل يوم ألف مرّة.
خرجت من غرفته وقد غلبتني دموعي.
ورحت للطبيب طالبا استمارة الإقرار بإجراء العملية وقبل أن اقوم بتوقيعها قال لي الطبيب :
ياعلاء أعرف ما تعانيه ولكن الوالد قد تمكن منه السكري بشكل لايسكت عليه. وحتى لو شفي مما فيه فأنه بعد وقت قليل سيعاني من اصابة بساقه الثانية فالتحاليل قد اثبتت بأن السكري قد تحول لها.
وماكان أمامي وقتها الا أن اوقع الإستمارة على أمل أن أشتري له بضعة سنين اخرى.
فوقعت الأستمارة وقد تم تحديد يوم العملية بعد يومين لخطورة الحالة.
وماكان الا أن أجيرت له العملية وخرج احد المعينين من الصالة ليسلمني قدم والدي المبتورة لأدفنها .فدفنتها وعدت للمشفى وكانوا قد اخرجوه من صالة العمليات لغرفته بالمشفى .
وما أن انتهى وقت التخدير حتى جاء الطبيب لقياس السكر والضغط فإذا بهما مستقران . تنفست بعمق وحمدت الله على سلامة ابي واستقرار حالته.
لم يدم الحال طويلا حتى تنبّه ابي لساقه المقطوعة فتحسر على نفسه حسرة طويلة وضرب بيده على ساقه الأخرى حسرة على ما حدث له.
وماهي الا ساعات حتى ارتفع عنده ضغط الدم واصيب بجلطة بالدماغ افقدته الذاكرة لفترة وبعد ان قام الأطباء بتفتيت الجلطة بالإبر بدأ يستعيد الذاكرة شيئا فشيئا.الا ان السكري وخلال الفترة الوجيزة التي اصيب بها والدي بالجلطة كان قد انتشر في كلّ اعضاء جسده النحيل وتمكن منه .
كانت العقاقير التي خصصت له قويّة جدا ماعاد جسده يحتملها فبقي ينازع حتى فجر يوم 19 نيسان ابريل وكنت اعيش واخوتي معه لحظات نزاعه حتى يوم 18 نيسان .
في ذلك اليوم طلب مني طبيبه الحضور لمكتبه فطلب منّي أن اصرف اخوتي من المشفى وأن اتهيأ لوفاة والدي خلال 24 ساعة . فلم يعد جسده يحتمل الداء والعقاقير .
صرفت اخوتي وكانت الساعات الأخيرة من نصيبي لوحدي ساعات صراخ الجبل من الوجع...ساعات ألمي لألمه ووجعي لوجعه .شيئا فشيئا يذوب بين يدي حتى فجر يوم 19 نيسان وقبل أن يلفظ انفاسه الأخيرة بدقائق طلب مني أن أوقفه عند نافذة الغرفة ليستنشق الهواء لأن الأوكسجين بدأ ينفذ في دمه بسبب التسمم الذي دبّ في عروقه . كانت النافذة مطلة على الديقة وكانت العصافير قد صحت من نوها فهو الفجر. فقلت له هل تسمع صوت زقزقة العصافير . ابتسم بشفتين مكفهرتين وهز رأسه نعم . وإذا بصوت المؤذن يؤذن الفجر.
ولما انتهى من الأذان طلب مني أن اعيده لسريره وكان آخر طلب له بحياته .
فما أن عادته لسريره أدركت بأنه الفراق فتشاهدت بوجهه وبعد دقائق اسلم روحه لبارئه . فانهدّت بي كلّ الرجولة وتحولت الى طفل صغير ملأ الكون بالصراخ والعويل.
يومها فقدت ابا وصديقا ومعلما وأخا وعشيرة واهلا وكلّ شيء.
رحمك الله ياصديقي ويا ابي .واسكنك الجنة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق