مجلة المرفأ الأخير الثقافية الألكترونيّة
العدد الثامن لسنة 2018
وداع
طارق الصاوي خلف
لف صمت الأطباء فى الغرفة الباردة وجوه الحاضرين بغلالة سوداء ... رقد الجسد مسترخيا، تنفث جراحه الدم بلون الورد، تفوح منه رائحة المسك. نكست البنات رؤوسهن وضعنها بين راحتيهن ، بكين فتى يحث خطاه خلفهن بعد خروجهن من الدوام ... 'يسمعهن مواويل العشق، يطربهن صوته فيتمايلن ضاحكات، يبتسمن لوجهه البشوش، تغرس زهرته -خضراء العينين- اشواك غيظها بقلبه، لامته صديقاتها انه رمى شباكه صادت يمامة برية تبيع الدلال لمن وهبها مهجته ليحوذ رضاها، يقف- لاجلها - بقامته السامقة على حافة رصيف مكتظ بالبشر، يقفز بساقه اليمنى، يتعلق بمقبض باب قطار يدخل المحطة مندفعا، يضع بحركة بهلوانية قدمه بأرض العربة، يجرى عكس قوانين الحركة، يحتل أول مقعد جوار النافذة . تتجه نحوه، تضرب دقات كعبها على وتر اشتياقه، ينحنى لقدومها كملكة، تعزف بكلمات شكره لحنا يراقص روحه، يقبض بكفه على الدنيا لحظة تماس ذراعيهما ، يروى نخلة مودتها بعذب حديثه، يصير راهبا يتبتل بمحراب جمالها، يسافر بناظريه بين قسمات وجهها .
يفقد عقله حين تتوتر العلاقة بينهما، ينهار بغيابها سقف عالمه ، ركبت موجه عناد ، تمنعت عن مشاطرته المكان، ضاقت بالبقاء فى مواجهة عينيه العاشقة ، تجاهلت روتينهما اليومى ، ذهبت بعيدا، ذاب لحم وجهه من التوسل لها، ظللت سحب الكأبة أفق انبساطه، اعطته ظهرها، سقطت لهوانه عليها ثقته بنفسه، هبت علي روحه نسمة تفاؤل، اقترب بوجل منها، استدارت، افرغت شحنة غضبها، غيرتها من غنائه لرفيقاتها ، أغرقته كلماتها المنكرة لعلاقتهما بوحل الحرج، اصيبت بصيرته بالعمى، انطلق القطار ... تفاعلت محاليل الالم باحشائه، تقلبت الالوان على وجهه، ارتعشت اطرافه، زحف على صدره جبل الشقاء بفقد بوصلته الى قلبها، شق طريقه - بكتفه - لباب مشرع على الهاوية ، صار بقاؤه رهنا بصفحها عنه، استغاث بعينيها أن تعفو، علق فى عنقها ذنبه، تشبثت روحه بالرجاء فى أن تنقذه ، هاتفها، اضاعت اخر فرصة ، تعالت على احتواء ثورته بانفراجة كاذبة لشفتيها، وضعته على حافة القرار الاخير، سجل على اسطوانة الرياح صرخته باسمها، تمزق قلبها لحظه قفزه من قطار حياتها، ألقى بجسده نهبا لانين الذكريات .
طارق الصاوى خلف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق