العدد الحادي عشر لسنة 2015
رسالة الى أختي
بقلم : حسن حسن
أيها الموت هل لك ضحايا غيرى تلتهم أحبتهم
وتبدلها الى أسى..
أنا متيقنة أيها الموت أنك حق ولكن ما هو
ذنب العاشقين ؟؟؟؟؟
-اليوم زرت قبر أختي اسراء ووضعت عليه وردة وكتاب
كاللتين اهدتني اياهما يوم عيد ميلادي.
كانت هدى متعبة ، قليلون هم الناس الذين
يزورون الموتى ،المرأة الوحيدة التي شاهدتها كانت تجول بين القبور عن قبر والدها الذي
توفي منذ زمن طويل ،وعندما لم تستطع تميزه ،رمت باقة الاّس على الأرض وعادت ادراجها
من حيث اتت .
في الهواء الطلق كانت أفعى مرقطة تسلخ جلدها
فوق الحجارة ،تنسل منه بجلد لامع ، تاركة وراءها كفن هش،نظرت هدى بدهشة الى عملية التجديد
،كانت تود لو أن الإنسان يستطيع أن يقوم بهذه العملية الحيوية
.
ان زيارة هدى للقبر هي محاولة بائسة لاسترداد
اختها بمثابة تفتيت لروحها ،وأما ما تعيشه الآن فهي حياة من غير حياة ، وموت يلاحقها
في سراديق الحزن، فظاعة أن يصبح الحزن استغلالا للموت ،تنهد ونشيج وبكاء تدفع من هم
في مأساتها الى التوحد مع الألم ،الذي سيتحول الى سعادة .
الموت مجرد اغلاق باب الحياة بعد خروجك
منه
محاولة استرداد روح الميت سيكون بمثابة
أغلاق باب الكون سينتهي بخروج روح من يفعل ذلك .رحلة تخيلية الى نقطة يمتد أمامها مستقبلا
للعب قبل الموت ، شعرت بانقباض وهي تتأمل القبر،انه اشبه بالجحيم على الأرض ،لقد أغلقت
اسراء باب الحياة بعد أن خرجت منه .رغم ذلك كانت تسترق السمع الى من يزورها ،تتخذ من
قبرها مرصداً للتسلية ،لم تزل تشعر بالحب اتجاه هدى ، وبغرابة لا حد لها سمعت هدى همس
من عمق القبر:
-اسمعي يا هدى ...كل واحد يرقد في القبر له قصة ،
وكل زائر هو جزء من هذه القصة ،انت ترين عيون الزائرين التي تذرف الدموع ،أو تمتلئ
بالحزن ،لكنك ل اتعرفين اسرار هذا الحزن ،فالناس خلفيات جميلة لصور قبيحة ،والكل يروي
قصص الوفاء والتفاني،فهذه المرأة التي شاهدتها تخرج من المقبرة ،زوجة تا جر ،تركت والدها
يتعفن كخرقة بالية ،دون أن تقدم له كأس ماء طيلة فترة مرضه .
الناس ينظرون الى الميت بقرف ،لكنهم يستغلون
الموت بالحزن ؟؟؟!!!
كان الصوت الذي يخرج من أسراء هو نفسه الذي
يخرج من هدى ،بل زاد من ذلك التوحد في كل التفاصيل ،خاصة ان كل منهما يجلس في غرفته
الخاصة ولا يغادرها ، حتى ان البعض تساءل من الذي مات هدى أم اسراء
.
كانت هدى يراودها حسٌّ بالسعادة عندما يزداد
حزنها على أختها،ذرفت الدموع الغزيرة حتى تفتت روحها ،انفعلت كثيرا حتى أصبحت عبرة
للموت ،سوف تشعر بالوحدة لو لم تفعل ذلك ،هكذا كانت اسراء الطيبة القلب تكدح بدون ملل
في رعاية أختها وتتحمل مسؤلية ذهاب هدى الى الحمام وتحضير الطعام
.
إن هدى لتتذكر جيداً كما لو أن الأمر حدث
منذ لحظات ،كيف كانت إسراء تقف عند باب الغرفة وهي تحمل الأشياء الثقيلة ،شعور بالبهجة
يتملك هدى حين تسمع أختها تدلعها :
-هدهد ..أنظري ماذا جلبت لك ؟؟؟
خريطة الحزن معقدة داخل قلب هدى ،يغرس مخالبه
السوداء في رئتيها فتنفجر في حنجرتتها شهقة قبل ان تختنق بالبكاء،صورة أختها المعلقة
على الحائط ،تتابع حركتا وهي مقيدة على كرسيّ المتحرك ،تراقب وجهها بعينيها الحلوتين
،ترسل لها قبلة بالهواء كلما أنفجر الحزن في قلبها ،تسحبها معها الى نهاية العالم ،لتبحثا
معاً بين أشلاء الذكريات عن ذرة أمل في التلاقي .
فظاعة ان تصبح الذكريات بيت عنكبوت يصطاد
الأحبة كالحشرات،كانت تنظر الى الصورة نظرة تلو النظرة ،لكي تصبح عيناها أكثر لمعانا
على الرغم من شعورها من النظرة الأولى أنه العبث في العودة من متاهات العدم.
الذكريات تنثر أقواسها حولها على هيئة دمية
تشبه أختها ،دمية تطلب منها التوقف عن البكاء الذي يتضخم داخلها كالسرطان ،وتطلب منها
أن أتوقف عن الكتابة التي تصل الى الكثيرين لكنها لاتصل الى المقصود بالكتابة.
طفقت هدى بنظرها تجول الأشياء التي واكبت
حياتها عندما كانت على قيد الحياة،تذكر هدى كل ماعاشته عيناها مع أختها ،هنا عاشت وهنا
فرحت وهنا حزنت وهنا ايضا ماتت .
جلست تراقب الصورة ،يتنافذ الى رأسها جمال
أختها وستره ،كانت مستغرقة في فحص اسرار الصورة علها تكتشف لماذا هي حزينة لفقدها ،بعد
عشر ثوان من التأمل تصدر نحيب مكتوم ،ينساب على خدها دمع حرّاق يحتضن روحها التي سرقت
من صدرها ،ليتها تستطيع أن تنهض عن هذا الكرسي اللعين وتلمس الصورة،يتصاعد نحيبها حتى
تتقطع أنفاسا ،فتتكور على نفسا ،لا...بل تدفن نفسي في قبر الذكريات.
تشعر بالوحدة ليس هناك ما تهتم به ،تشتت
الشمل ،ربما لم يخطر ببالها يوما أني ستفارقها،هي رضيت بنصيبها أن تودع هذه الحياة
أما هي فلم ترضى ،هي حظيت بموت سريع وهدى حظيت باّلام بطيئة.
دفعت عجلات الكرسي المتحرك الى الشرفة ،تحاول
أن تمد رقبتها لترى وجه أختها بين المارة ،بذلت كل هذا الجهد لعلها تسمع خطوات أختها
بين المارين في الشارع ،، مع مرور أخر شخص تشعر بشئ ما يقفز في صدرها ،تطرق الظنون
رأسها لن تعود ؟؟؟ ،القيت بعقلها جانبا ،اعتلت درجات الحلم ،لم تتوقف في الصعود حتى
رأت وجه أختها يطل من خلف الجادة ،تلمح في يدها وردة حمراء وكتاب ،لحظة توحد في غفلة
الزمن ،تسمع صوتها ينادينيها ،تبعثرنها الخطى وهي تركض نحوها ، حتى تتقطع أنفاسها ،ويغمى
عليها ،خيل اليها أنها تسمع ثمة صوت يصل اليها من أعماق الماضي
:
- هدى ..هيا تعالي
راحت أسراء تكرر النداء ..تعالي ...تعالي
...اعبري حاجز الموت ...هيا ...لا تخافي .
تشبثت هدى بالكرسي المتحرك بكل قوتها ،لاتريد مغادرة
هذا الكرسي ،أستيقظت هدى من غيبوبتها،تطلعت بعينين جامدتين الى وردة حمراء وكتابان
ملقيان على صدرها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق