العدد الثاني لسنة 2016
ثقافة المبدع
عبد العزيز حنان
( الشاعر نمودجا )
هذا الموضوع فرض علي نفسه بإلحاح شديد بعد مواكبتي المتواضعة للكثير من الملتقيات و حواري مع العديد من الذين يصنفون أنفسهم في خانة المبدعين .
المبدعون عامة هم أشخاص حباهم الله بموهبة خاصة . مفتقدة عند غيرهم أو حتى لنقل ، إنها باهتة أو متوارية عند غيرهم و لَمّا يكتشفوها بعد .
المبدع تتحكم فيه هذه الموهبة ، تستولي عليه فيصدر منها و عنها. لكنها كالجمرة ؛ كلما شحذها و نفخ فيها من روحه المبدعة ، تأججت شرارتها ...، و علا لهيبها ...، و كلما أهملها يعلوها الرماد ...، فتخبو شيئا فشيئا إلى أن تندثر تماما .
الشاعر نموذج :
و كما قال نزار قباني في كتابه قصتي مع الشعر : (أنا من أمة تتنفس الشعر ، و تتمشط به و ترتديه ،كل الأطفال عندنا يولدون و في حليبهم دسم الشعر ، و كل شباب بلادي يكتبون رسائل حبهم الأول شعرا .أن يكون الإنسان شاعرا في الوطن العربي ليس معجزة ، بل المعجزة ألا يكون ... نحن محاصرون بالشعر ، و مرغمون على كتابة القصائد .)
فأمة بهذه الصورة من المحتم أن تعج بالشعراء الذين يبدعون . لكن الموهبة ككل بناء ، تحتاج لثوابت لا يمكن الاستغناء عنها و هي كالتالي :
1 – الأرض البكر الصالحة للبناء .
لا يمكن أن نبني في أي مكان . فالأرض البكر مهمة في العملية ، و يجب أن تكون صالحة و مهيأة لذلك . و هذه الأرض البكر هي الموهبة المسيطرة ، هي الفطرة الكامنة في الشاعر .لا بد منها و من غير وجودها لا يمكن إطلاقا أن يكون هناك شاعر بمعنى الكلمة .
قد نخلق ناظما بالدربة ، لكن روح الشاعر لن تكون فيما ينظم . لذلك على الذين يكتبون أن يختبروا أنفسهم ، و يجبوا أنفسهم على السؤال
التالي : هل لديهم هذه الموهبة ؟؟؟ هل يستشعرونها في أنفسهم ؟؟؟
2 – الأساس
و ككل بناء لا بد من الأساس . و هذا الأساس ، يجب أن يكون ممتدا في الأرض و متينا ليحمل البناء مهما علا .
و الشاعر أساسه المتين هو أن يعب من معين من سبقوه ، أن يغترف من جُبِّهم الزاخر بالزُّلال العذب . فلا شاعر من غير لغة ... و اللغة هي الأساس التي يرتكز عليه الشاعر. و كلما شح المخزون اللغوي و كان محدودا كلما كان أساس هذا الشاعر فقيرا هشا يكرر نفسه و يصعب عليه إيجاد الوعاء الذي يستوعب موهبته و رؤاه و إبداعاته .
و لنا في تاريخنا الطويل البعيد منه و القريب القدوة في هذا المسار . و هي تبدأ من حفظ القرآن الكريم و تستمر بحفظ متون الشعر المتميز و ما بينهما أصناف من الفعل الكتابي التي كلما غاص فيها الشاعر ، إلا و اغتنى معجمه اللغوي بشكل زاخر و تمدد هذا المعجم لديه ، بل يصل لدرجة التوالد و التكاثر .
و كثير ممن يرون في أنفسهم شعراء ، و الذين صادفتهم و سمعت لهم، معجمهم الغوي محدود جدا ...مختزل في حيز ضيق .
و عندما تحدثهم عن شعراء تجدهم يجهلونهم كل الجهل . خصوصا الذين شكلوا محطات مضيئة في تاريخنا ، اللهم إلا من أسماء جد محدودة تتردد على مسامعهم فحفظوها. لكن إذا تجاوزت هذه الأسماء ، فهم لها جاهلون . و بنفس المستوى القصائد الشعرية .
و يمكن أن أضع بين أيديهم هذه التساؤلات و لْيُجبوا عنها فيما بينهم و بين أنفسهم ليصلوا إلى نتائج حقيقية .
- كم هي عدد القصائد التي يحفظونها لشعراء لهم بصمتهم في المسار الشعري الإنساني عموما و العربي على الخصوص ؟؟؟
ماذا يعرفون عن قصائد عروة بن الورد ، عمرو بن كلثوم ، و امرئ القيس .؟؟؟؟
ماذا يعرفون عن قصائد الشنفرى ، النابغة الدبياني ، بشار بن برد ، جرير ، الفرزدق ، ابن الرومي ، المتنبي ، ابي العلاء المعري ، و ديك الجن الحمصي و بين ثناياهم آخرون كثر ؟؟؟؟
ماذا يعرفون أو يحفظون من قصائد العمالقة عبد الله بن حساين الجد ، ثم الحفيد ، الجيلالي امثيرد ، ابن الفاطمي الركراكي ، محمد بن لحين المراكشي ، سيدي قدور العلمي ، الشيخ أحمد بن رقية ، التهامي المدغري ، ابن علي الشريف ،ولد الرزين ، الحلج إدريس الحنش ، و سيدي عبد العزيز المغراوي ؟؟؟؟؟؟
ماذا يعرفون أو يحفظون من قصائد الفحول ابن امسايب ، الغرابلي و الملحوني و غيرهم كثير ، كثير ، كثير ....؟؟؟؟
تساؤلات أطرحها على شعرائنا . سواء الذين يكتبون الشعر المعرب ( الفصيح ) ، أو الذين يكتبون الشعر الملحون ( الزجل ).
3 – الأعمــــــــــــــــدة
و الأعمدة هي التي توقف البناء و تدعمه . و كلما كانت الأعمدة صلبة متينة ، كان البناء قويا . و أعمدة الشاعر . المعرفة ......بتعددها سواء المعرفة العامة ، أو المعرفة الخاصة .
ا : المعرفة الخاصة .
و تتعلق بالشعر . ميدان الشاعر و عالمه الأرحب ، و الذي يجب أن يكون عارفا بفضاءاته الواسعة ، مطلعا على التحولات التي عرفها و مساراته و المؤثرات التي تداخلت في حركيته .
متشربا لموسيقاه و إيقاعاته ، للنفَسِ الشعري و الصورة الشعرية فيه .
عارفا بأغراضه و مدارسه .
شاعر بلا هذه المقومات ، هو كذاهب لمعركة عاريا بلا سلاح ، بلا معرفة لأرض المعركة و طبيعتها و تضاريسها .
ب : المعرفة العامة .
و أجملها في عنوان عريض : ( التفاعل مع الحياة و الانصهار فيها ). الشاعر العربي كان صوت قبيلته ، ثم صوت عشيرته . و عند وجود الدولة صار صوت أمته المعبر عنها و عن قضاياها و عن الإنسان فيها . ليتحول بعد ذلك إلى صوت الإنسان ككل في بعده الكوني .
و عندما تنعدم المعرفة لدى الشاعر بكل هذا الدور النبيل ، يكون حينها مجرد صوت ذاته الضيقة . مجرد صوت نشاز في معزوفة متكاملة .
الشاعر منفعل مع الحياة ، فاعل فيها ، بقدر إيمانه بهذا الفعل الإيجابي ، يكون منصهرا فيها ، ليس فقط معبرا عنها ، بل مؤثرا فيها .
فهل يرتقي شعراؤنا لهذا المستوى المعرفي ؟؟؟
لهذا الدور الطلائعي الذي يمكنه بل من المفروض القيام به ؟؟؟؟
4 – الجدران و الزخرفة .
كل بناء في خاتمة المطاف يحتاج إلى هذه المؤثثات ليكتمل . و الشاعر فعلا يحتاج إلى هذه المؤثثات ليعطي لبنائه الرونق و الجاذبية المطلوبة ، و من تم الفعل الإيجابي .
و هذه المؤثثات يستقيها الشاعر من كل ما يمنح لتجربته قدرة التأثير في المتلقي و من تم قدرة الفعل ...، من كل ما يعطي لتجربته ذاك الامتداد المواكب لحركية الحياة و تدفقها . كالنهر يكدح دون كلل للوصول لإلى الخضم العظيم بلا تقف و لا انحسار .
خاتمة :
هي محاولة . قد تحتمل الكثير من الخطأ ، و قد تصيب في بعض جوانبها . المتوخى منها الارتقاء بتجربتنا الشعرية المعاصرة و قبلها بالشاعر نفسه .
هذا الشاعر الذي يجسد نبض الإنسان محليا و كونيا . الشاعر ضمير الأمم و جذوتها المتقدة باستمرار .
هكذا نريد شعراءنا مع المحبة الخالصة ....
عبد العزيز حنان
الدار البيضاء في : 03-04 / فبراير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق