بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 7 نوفمبر 2014

العدد الأول لسنة 2014 ... القصة القصيرة ... التفّاحة ... بقلم :أحمد الحاجي

 العدد الأول لسنة 2014

القصة القصيرة 

التفّاحة 

بقلم :أحمد الحاجي







الواقفُ صابرٌ. وصابِرٌ طفلٌ لمْ يتجاوزْ السّابعَةَ من عمره. سمَّاهُ أبوهُ كذلك حين جاء إلى الكونِ في لحْظةٍ تائهةٍ من لحظات دورةِ الفلَكِ 

العظيم. أمّا الآنَ فَصَابرٌ واقفٌ ينْظرُ ويشتهي ويصْطبِرُ. يَنْظُرُ إلى تُفّاحةٍ في صندُوقٍ في متْجر الغلاّل. اَلصُّندوقُ مملوءٌ ولكنّهُ يُركِّزُ 

نَظَرَهُ على واحدةٍ فقطْ، وَيُحاوِلُ أن يَجِدَ الوصفَ اللاّئقَ بها فيُدركُ أنّ الكلمَاتِ الّتي يعْرِفُهَا لاَ تَكفي فيَكْتفي بِالتّأمّل العميقِ والتّدقيقِ في 

التّفاصيلِ. إنَّها خضْراءُ تَميلُ إلى البياضِ وعلى مدى استدارتها حمرةٌ عجيبةٌ. إنّها مُسْتديرةٌ كالكمالِ تتربّعُ بينَ الأُخرياتِ كالأميرة. 

وهو يشتهي أن يتلمّسَها ويشُمَّ ريحَها الخُرافيَّ ويضَعَها بين أسْنانهِ، ويتخيّلُ طقطقةَ لحمِها الأبيضِ الطّريِّ ويَكادُ يُحِسُّ بِنُسْغِها اللَّذيذِ 

فيَتَلمَّضُ. وَيكادُ الأمْرُ ينفرطُ منهُ ويَهُمُّ أنْ يمُدَّ يدهُ، ولكنّه حين يرفعُ بصرَهُ يرى الغلاّلَ يَرْمُقُهُ بِالنّارِ فيتراجعُ وَيعُودُ إلى صلواتِهِ 

الحزينةِ أمامَ الرّبّةِ الخضْراءِ. يُريدُ أنْ ينصرِفَ ولكنَّ التّفّاحةَ تُغْريهِ. لوْ فاتتهُ الفرصةُ لمَا أمكنَهُ أن يتذوّقَ التّفّاح هذا الموسمَ.
 
 وَفي لحظةٍ أُخرى من لحظاتِ دورةِ الفَلَكِ العظيمِ، امتَدَّتْ يدُهُ رغمًا عنهُ وأَمْسكتْ بالتّفّاحةِ المستحيلةِ، وأَطلقَ ساقيْهِ في الشّارعِ الطّويلِ. 

وتَصَوَّرَ أنّ العالمَ يجري وراءَهُ لِيقبضَ عليه مُتلبِّسًا بالجريمةِ الكُبرَى، فَضَغَطَ على التّفّاحةِ وزَادَ في السُّرعةِ. نَفَسُهُ هديرٌ، وَصدرُهُ أَلَمٌ، 

وَكُلُّهُ إِعياءٌ، ولكنّهُ يجْري وَيبكي وَيُمْسِكُ بِالتّفّاحةِ.
 
 في تلكَ اللَّحظاتِ المُسْتحِيلةِ، والرّيحُ تُغَنّي حول أُذُنيْهِ، فكّرَ في الغُولِ الّذي لاَزَمَهُ رُعْبًا يَعيشُ في داخلِهِ وكَثُرَتْ الأشباحُ حول رأسهِ، 

وارْتخَتْ خُطُواتُهُ وَصارَ يَتَعَثَّرُ. وَالتَفَتَ فَرَأَى الْغُولَ قَادمًا أسْوَدَ كَاليأسِ رهيبًا كَالجَريمةِ يُصَفِّرُ وَيَصِرُّ صَريرًا. حَاوَلَ أن يُسْرعَ فَتَعَثَّرَ 

وَسقَطَ على قُضبانِ السِّكَّةِ الحديديَّةِ. وصَرَخَ صَابرٌ: "الغُول يا أمّي.. الغول". وَمَرَّ القِطَارُ تَارِكًا خَلْفَهُ جِسْمًا مُمَزَّقًا أَشْلاءَ حَمْراءَ دَمًا 

ويَدًا صَغِيرَةً تُمْسِكُ تُفّاحةً خَضْراءَ حُلْمًا.











ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق