العدد
الرابع لسنة 2015
القصة
بقلم
: وجدان الشاذلي
يحكى
أن :
صرصار
صغير ؛ سقط من علو شاهق أثناء محاولته تسلق إحدى طاولات الطعام ، فارتطم رأسه بالأرض
، وذهب في غيبوبة دامت لخمسة واربعين دقيقة .
حادثة
كهذه ربما لتكون ليست ذا ت أهمية في حياة الصراصير ، لولا ماتلاها من أحداث متلاحقة
، أكسبتها تلك الأهمية ، التي جعلت أجيال الصراصير تتناقلها من جيل إلى آخر حتى يومنا
هذا ..
يقال
بأن ذلك الصرصار ، كان واحداً من أذكى الصراصير في تلك المستعمرة ، وأكثرها حيوية ،
جرأة ، ونشاطاً..
على
خلاف الرواية الأولى ، تذهب بعض الروايات إلى القول بأن ذلك الصرصار المسكين قد توقف
قلبه ليلتها لما يقارب أربعون دقيقة ، رغم ذلك استفاق بعدها ، كمن ينهض من الموت ،
ولقد أثار ذلك دهشة الجميع ، وأعدو الحادثة بمثابة معجزة ..
ماحدث
بعد تلك الليلة كان أكثر إدهاشاً..
بعد
بضعة أيام على الحادثة .. لاحظ الجميع ذلك التغير المريب في تصرفات ذاك الصرصار ، وأثارت
تلك التصرفات الكثير من المخاوف ، وموجة من الذعر .. انتشرت وتجاوزت حدود المستعمرة
، لتصيب المستعمرات الأخرى ..
بدأت
تلك التصرفات المريبة كما يقال .. بتجوله خارج المجارير أثناء النهار على غير المعتاد
، من ثمة شوهد ذات مساء يخص نفسه بقطعة كبيرة من الطعام ، متجاهلاً أخوته ، ذهب بعدها
يحتفظ بالطعام ويخزنه في مخابئ سرية ، ويتحدث عن الغد ، والمستقبل ، وأشياء أخرى لم
تكن مفهومة ..
مؤخراً
شعرت زوجة شقيقه بأنه يختلس النظر إليها ، غير أنها لم تشاء أن تصدق ذلك وآثرت الصمت
، إلى أن فوجئت به في ذلك المساء يزحف إلى مخبأها ، مستغلاً غياب شقيقه.. فارتعبت ،
وصرخت .. وصودف حينها أن عاد زوجها ، فأخبرته بكل شىء ، فثار غضبه وتعاركا ، وطرده
بعدها إلى خارج المستعمرة ..
أزدادت
بعد ذلك تصرفاته غرابة إلى درجة لم تعد تحتمل ..
وبدأ
الجميع يتهامسون :
- أصابه
مس ..
كان
يجوب المجارير والمستعمرات متحدثاً عن ضرورة الحرب ، وشيئاً كان يسميه (ثورة ) ، كان
يتحدث بكراهية عن مستعمرات النمل ، قائلاً بأنها لم تعد تشاركنا طعامنا فقط ، بل أنها
تخطط للإستيلاء على مخابئنا ، وأنها ذات يوم ستعمل على إبادتنا ، مضيفاً (( يتحتم علينا
أن نتغداء بهم ، قبل أن يتعشوا بنا ..))
انتشرت
خطبه وأفكاره بين فئتي الأطفال والشباب ، فاستشعر عقالنا الخطر ..
فعقدوا
إجتماعهم الأول يومها ، وحزموا أمرهم على الذهاب إلى المستعمرة الشرقية ، حيث كان يقيم
هناك صرصاراً معمراً ، يقال أن عمره يتجاوز العامين ، عرف عنه حكمته ، وتجربته العميقة
في الحياة ..
فقصد
أربعة من عقالانا ذلك الصرصار المعمر ، وقصو عليه كل مايتعلق بالحادثة وماتلاها ..
وسألوه
أن يفسر لهم سبب تلك التصرفات ..
قيل
بأن ذلك الصرصار المعمر ؛ كان يصغي لهم بإهتمام ، ثم بدت عليه علامات الإرتباك والحيرة
..
وبعد
أن تنحنح طويلاً في جلسته ، وبعد برهة من الصمت ، قال لهم بصوت واجم :
- أبنكم
هذا حتماً فقد ذاكرته ، ويبدو أنه يتصرف كإنسان ..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق