العدد الرابع لسنة 2015
الثقافة العربية وكراهية الحداثة
ضمد كاظم وسمي
ينصرف
مفهوم الأخر في الخطاب العربي أو الإسلامي إلي المخالف قومياً أو دينياً .. وقد تجسد
منذ وقت مبكر ليعني فقط الفهم المخالف للدين .. فالأنا هو الفهم الرسمي - فهم السلطة
للدين - واتباعه ومريديه فالناس علي دين ملوكهم .. والآخر هو كل من عارض السلطة وكل
مذهب أو طائفة أو دين أو قومية أو سياسة أو فكر أو بلد يخالف مذهب أو طائفة أو دين
أو قومية أو سياسة أو فكر أو بلد السلطة العربية والإسلامية .. لان السلطة تتخذ مذهب
الحق وهي الفرقة الناجية وتعتنق دين الله .. وقوميتها هي اشرف القوميات وسياستها اصح
السياسات وفكرها مستقيم وبلدها البلد الأمين والآخر هو من يحمل الصفات السلبية المناقضة
للصفات الايجابية التي تتسم بها - الأنا أو السلطة - .. وفي العصور الحديثة صار مفهوم
الأخر ينصرف فوراً إلي الحضارة الغربية .. إلي تاريخ الغرب وهوياته .. وأخلاقه ومدارسه
الفلسفية والثقافية ونظمه الاجتماعية والسياسية !!! فمنذ نابليون بونابرت إلي بوش الابن
، أي منذ غزو مصر عام 1798 إلي غزو العراق عام 2003 .. وعلي مدار قرنين من الزمن
.. فان سؤال العلاقة العربية بالغرب لم يبرح إشكاليته المزمنة .. إذ شاب هذه العلاقة
المزيد من الالتباس (( بين مد الحروب وجزر التثاقف ، يسيل في طريقها دم كثير ويسيل
في وصفها حبر كثير )) . هذه الإشكالية تقوم علي معيارين : الأول : إن الغرب هو المستعمر
المتوحش الذي استباح أوطاننا ونهب خيراتنا وكشف عن عوراتنا . الثاني : لكن هذا الغرب
هو من يصدر لنا العلم والحداثة والتكنولوجيا والمدنية والديمقراطية .. والنظم السياسية
والاجتماعية والفكرية . والنخب العربية والمسلمة سياسيون ومثقفون وتكنوقراط ... الخ
سواء منهم المعجبون بالغرب او المعارضون له .. فإنهم جلهم إذا لم نقل كلهم يتجهون صوبه
وينهلون من علمه وثقافته ويتمثلون قيمه وفكره الحداثي ويتمتعون بتقنياته .. ويلوذون
به من استبداد أبناء جلدتهم !! . فهذه العلاقة علاقة التباسية إشكالية يشوبها الغموض
والخلط وتجمع بين الكراهية والإعجاب .. وتقرن المقاومة بالاستسلام . تعد كراهية الحداثة
واحدة من أهم مكونات الثقافة العربية .. التي هي ثقافة إسلاموية بلا منازع .. وأن هذه
الأخيرة مجيرة للفكر السلفي بامتياز . ففكرة السلفية فكرة واحديه أيديولوجية لا تقبل
بالاخر وهي في أفضل حالتها تهمش الآخر وتقصيه إلي الأطراف المنسية .. أما في حالاتها
الأخري فلا تتواني في نفيه وإلغائه وتغيبه بحد السيف . فهي اجترارية تكرارية نرجسية
لا تنتج إلا ذاتها ولا تتصالح إلا مع نفسها ولا تعيش مع الأخر لأنها لا تري الغيرية
إلا حرباً جهادية . لا يمكن الإقرار بأن المجتمع العربي بعد ظهور الإسلام انتقل نقلة
نوعية حاسمة اجتماعياً واقتصاديا وسياسياً .. لان التطور الحاسم ليس مجرد آلية فكرية
.. حيث إن المسألة لا تتعلق بصراع الأفكار فحسب .. نعم قد انتصر الفكر الإسلامي وهزم
الفكر الجاهلي .. لكن بقي هذا التطور بحاجة إلي دينامية والية سوسيولوجية واقتصادية
وسياسية في إطار بناء المجتمع الجديد .. هذه الدينامية وتلك الآلية كان يفتقر لهما
المجتمع العربي ببعديه الجغرافي الصحراوي والاجتماعي البدوي .. نعم كان الإسلام ديناً
عظيماً لانتشال الإنسان من سبة التراهات والخرافات وتوجيهه وجهة أخلاقية قويمة .. لكن
خلال القرن الهجري الأول كان العرب يتناقلون الأفكار شفاهياً بمعني إن الكتابة بصفتها
أول درجة في سلم التطور لم تحظ بأهتمامهم بل ثمة مأثورات علي تهميشها ومنعها . والأنكي
من كل ذلك .. إن الفاتحين العرب كأمتداد لتلك المأثورات قاموا بحرق الكتب والمكتبات
في البلاد المفتوحة كما حصل في العراق ومصر وهذا ليس بدعاً في سيرة الأسلاف إذا ما
علمنا أنهم قاموا بجمع السنة النبوية التي أرقت مناماتهم حتي احرقوها خوفاً من اختلاطها
بالقرأن الكريم .. وبناء علي ما تقدم يمكن القول ان كل كتاب سوي القران يجب ان يحرق
ويعدم لئلا يختلط بالقرأن . وعلي هذا جرت سيرتهم حتي القرن الهجري الثاني .. وبذلك
حرم العرب من التطور العلمي خلال تلك الفترة . الحروب الصليبية كانت نظرة الغرب للعرب
والمسلمين قبل العصور الحديثة تقوم علي اساس التقاطع الديني وما ينتج عنه من ادلجة
تصطرع مع الاخر في محاولة لنفيه وألغائه .. وقد تجذرت هذه النظرة بعد ان امتدت الامبراطورية
العربية الاسلامية الي الديار الاوربية من خلال احتلالها لبلاد الاندلس حتي بلغت تخوم
فرنسا .. فيما تسيد العرب علي البحر المتوسط وجزره المهمة وتم تصفية الوجود الغربي
في بلاد الشام وبلاد الاناضول .. وقد دخل جيوش المسلمين العثمانيين فيما بعد الي اوربا
الشرقية ، وعندما استشعر الغرب الخطر الاسلامي الحقيقي تنادت اوربا برمتها وجيشت الجيوش
فيما عرف بالتاريخ بالحروب الصليبية لان مبتني تلك الحروب كان علي اسس دينية وان كان
محتواها اقتصادياً . وقد استمرت ما ينوف علي المئتي عام حتي تمكن المسلمون من دحرهم
علي يد القائد المسلم صلاح الدين الايوبي .. فعاد الاوربيون الي ديارهم ليصنعوا من
هزيمتهم تلك اساساً لنهضتهم حيث نقلوا مع فلولهم حضارة العرب وعلومهم واستفادوا من
طر ق تفكيرهم ووظفوا كل ذلك في بناء اوربا الحديثة .. وعلي العكس من ذلك لم يستفد العرب
من انتصارهم سوي المزيد من التراجع والتخلف والدخول في العصور المظلمة . إشكالية نظرتنا
الى العرب تموجت نظرة الكتاب والمثقفين والسياسيين العرب والمسلمين الي الحضارة الغربية
بين من يدعو الي الأقتداء والتقليد للمناهج الغربية واقتفاء اثر الغرب في كل شيء تقريباً
.. وبين من يدعو الي رفض الحضارة الغربية مطلقاً والدعوة للقطيعة التامة للغرب .. فيما
دعت جهات اخري الي الاقتباس الانتقائي بما يتوائم مع اصالتنا وهويتنا وتراثنا .. وترك
ما دون ذلك . والمشكلة الاعظم ان نظراتنا تلك لم تنجز شيئاً يذكر ولم تقدم ما ينفع
الامة ولم تجد مخرجاً لأشكالية علاقاتنا المستعصبة بالغرب . لان ما يجري علي ارض الواقع
ان الغرب يتقدم من منجز علمي وحاضري الي اخر اكثر عظمة وتقدماً ويحقق نصراً بعد اخر
في الوقت الذي نرتد فيه نحن فشلاً وذلاً ولانبرح ما كثين في التخلف والعنجهية واخيراً
في الارهاب والتكفير .. اخر سبة يمكن ان تضع امتنا في حضيض مدارج ومراتب الامم قاطبة
. فعجزنا واضح وسعينا كليل اذ كيف ننسج علاقتنا بالغرب ولم تزل جيوشه في مضاربنا تجوس
خلال ديارنا ، تمرغ كرامتنا بالرغام .. وتكشف سوءاتنا وفضائحنا؟ .. لكن ذلك يتم في
الوقت الذي تتفاقم وتتزاحم الي الغرب حاجاتنا ونشتد اعجاباً به .. وتتوسل العلم والمعرفة
منه !! . نشتد في تعضيد الاشكاليات دون بحث عن تفكيكها وحلحلتها .. اذ لا نجد حلاً
مقنعاً لاشكالية المماهاة بين الحضارة الغربية ومنجزاتها العظيمة والتي نتهافت عليها
تهافت الفراش علي النار ، وبين السياسات الغربية الاستعمارية القذرة تجاهنا .. ونضعها
كلها في قالب الاخر العدو الذي يريد استباحه حضارتنا واجتثاثها .. وكأننا نملك حضار
ة ندية لمقارعة الحضارة الغربية الحداثية .. من دون أن ننتبه أو نفهم أن لابد من التسليم
بتوقف التاريخ لصالح النموذج الحضاري الغربي - شئنا ام ابينا - وان هذا النموذج قد
ارسي قواعد المستقبل للعالم وربما لاجيال قادمة عديدة دون منافسة تذكر من قبلنا او
من سوانا .. اما الزعم ان النموذج الليبرالي قد واجهته عقبات للحد من تغوله وبربريته
.. فان العصر الحديث لم يقدم لنا سوي النموذج الشيوعي المناهض للنموذج الليبرالي
.. لكن النموذج الشيوعي سرعان ما تصدع وانهار مقلداً النموذج الغربي بل ومزايداً عليه
!! . والانكي من كل ذلك اننا نقايس بين حضارتنا القديمة وننتصر لها مستدلين بعمرها
المديد وقيمها الروحية .. وبين الحضارة الغربية الحديثة ، ونبخسها حظوظها العظيمة معللين
ذلك بعمرها القصير وماديتها الساحقة .. لكن من الخطأ (( مقارنة الحضارة الغربية الحديثة
بالحضارات القديمة لاسباب موضوعية وعلمية . فالحضارات القديمة التي عمرت طويلا لم تكن
لديها مقومات الحضارة الغربية وانجازاتها الرهيبة غير المسبوقة تاريخيا بالرغم من حداثة
عهدها ، فقد تطور الغرب خلال اقل من نصف قرن تكنولوجيا وعلميا واقتصاديا وعسكريا اكثر
مما تطور العالم علي مدي قرون )) . الامر الذي يفسر اندثار الكثير من الحضارات القديمة
دون ان تترك وراءها سوي بعض الاثار التي لاتغني من فقر ولا تسمن من جوع ، بخلاف الحضارة
الغربية حتي لو افترضنا هزيمة الغرب وتراجع تفوقه العام .. فليس من المقدور ان تصبح
هذه الحضارة اثرا بعد عين او تاريخا للاعتبار ، (( بل ستبقي في صلب الحضارات اللاحقة
بما انجزته من معجزات علمية وتكنولوجية وحتي ثقافية )) .
الغرب
في نظر العرب ابتدات نظرة الكتاب والمثقفين العرب الي الغرب في العصور الحديثة كما
تجلت في كتابات عبد الرحمن الجبرتي والشدياق والطهطاوي .. خاصة لفترة ماقبل الاستعمار
.. بالاعجاب بالحضارة الغربية بوصفها نموذجا للمدنية والحداثة والتنوير والعقلانية
فضلا علي انجازها الكبيير في مجال العلم والنظم الاجتماعية والسياسية .. وقد تطلع هؤلاء
الي ضرورة الاقتباس من هاتيك الحضارة ونقلها الي الشرق .. بينما اختلطت هذه النظرة
الاكبارية والاعجابية بنظرة نقدية للوجه الاستعماري للغرب في فترة الاحتلالات الاستعمارية
وقد ظهرت هذه النظرة في كتابات جرجي زيدان وطه حسين وهيكل والحكيم واحمد امين ولويس
عوض .. الخ . وفي مرحلة الاستقلالات ومع صعود انظمة وطنية وقومية ثورية وعسكرتارية
فقد تميزت بحس افتخاري يصف الانسحابات الاستعمارية بالهزائم المنكرة .. مشيدا بالامجاد
التليدة والغابرة للامة .. كما ظهر في كتابات المفكرين القوميين العرب . لكن بعد هزيمة
حزيران 1967 .. مالت معظم الكتابات الي التواضع والاستخذاء .. بل والاعتراف بهزيمة
العرب والمسلمين امام الغرب وبخاصة الانبطاح العربي المخزي امام المخلب الغربي المتمثل
بدويلة اسرائيل .. كما ظهر ذلك في كتابات يوسف ادريس ، والطيب الصالح ، وحنا مينا
.. الخ . حيث الشعور العربي بالفشل في مواجهة الاخر .. بل والفشل في اقامة دولة عصرية
ندية من جانب اخر ..(( لكن في مراحل لاحقة وخاصة مابعد الاستعمار المباشر وخلال حقب
الاستقلال ، تطورت نزعة ناقدة للذات ومغرقة في التمثيل بالغرب الي درجة قادت الي ردات
فعل معاكسة .. وتمحورت هذه النزعة حول نقد التخلف العربي والتقاليد وعدم الانعتاق من
الانماط الاجتماعية المعيقة للتطور والانفتاح واعتبار ذلك كله مرتبطا بعدم عقلانية
الشرق مقارنة بعقلانية الغرب وامبريقيته )) . كما يمكن ملاحظة قراءات نقدية لثقافة
الغرب وحداثته .. بوصفها حضارة مادية علي الضد من الحضارة الاسلامية بقيمها الروحية
.. كما تجلي ذلك في روايات توفيق الحكيم ، عصفور من الشرق ، عودة الروح ... الخ ، ثم
ظهرت تاليا بعض الكتابات التي تفرق بين الغرب المستعمر المحتل المتوحش النهاب ، وبين
الغرب بوصفه حضارة المنجزات العلمية والتقنية .. ودعا اصحاب هذه الكتابات الي مقاومة
الاستعمار الغربي واشكاله البربرية في ذات الوقت الذي يجب فيه الاستفادة من الاقتباس
من الحداثة والحضارة والعلم والنظم الغربية .. واخيرا ظهرت حركات مايعرف ب (( الصحوة
الاسلامية )) التي ولدت حركات دينية متشددة لاتدعو سوي الي الجهاد .. من خلال استعادة
النموذج الاسلامي في العصور الخوالي واقامة دولة الخلافة الاسلامية ومناجزة الغرب ومحاربته
واعلان القطيعة التمامية مع الحضارة الغربية لان حضارتنا الاسلامية هي البديل الافضل
والحل الاسلم لكل ما يعتور حياتنا من اختلالات بنيوية رهيبة كما تري هذه الحركات .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق