العدد السادس
لسنة 2015
مطلع روايتي (
بعد رحيل الصمت )
الصادرة من المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت 2012
انطلقت قدماه
رضا محمد
خارج البيت زحفا
، بعد التهامه وجبة سريعة من الطعام ، قدماه الغائصة بنعل من البلاستك و بثوبه الأبيض
، مضى إلى جانب البيوت المشيدة بالأجر القديم ، والتي تجود بظلالها الوارف على مشارف
الزقاق يحتمي المشاة بمحاذاتها لتقيهم حر الظهيرة أللاذع ، كان ذلك في شهر أيلول عام
1962 ، تخطى الطريق الإسفلتي الذي تتوسطه ساقية الماء الآسن الفائض عن الحاجة ، مشي
مع الجدران التي تتوزع أبواب الخشب القديمة المزخرفة بنقوشها البسيطة ، ورغم بساطتها
فإنها تمنحك شعورا بأصالتها وارثها الموفور ، فالمكان دائما ما يوحي للقادم من بعيد
بماهية الناس وصفتهم وصورهم ، فهذه الجدران ما هي إلا صناديق تحتضن كنوزا من القيم
التي عاشت بها وإرث صورته السنين والأيام ، من طيبة وبساطة وشهامة ومن قلوب بيضاء لا
يعكرها الوهن ولا اللغوب ؟
انعطف مع انعطاف
الزقاق الذي يفضي إلى الشارع الرئيسي وفي نهايته وعلى جهة اليمين جاس زقاق المسجد
( مسجد ملا رجي ) الذي يقبع هناك كتلة جاثية وأطلال هامدة ، لم يبق منه سوى ساحة للصلاة
تتوسطها نخلة باسقة ، يعود بناءه إلى زمن الأتراك حيث شيد للصلاة وتعليم الصبيان على
حفظ القرآن الكريم . حيث كان الشيخ الورع ( رجي ) يجمع أطفال المدينة فيه ليعلمهم القراءة
والكتابة وحفظ القرآن الكريم .
من بعيد شاهد صاحبه
متكئا على زاوية الجدار المقابل للمسجد ، لم يظهر من شبحه سوى جزء من ثوبه الداكن ،
كان قد سئم الانتظار ، يتضح ذلك من تململه في الوقوف وحركته المتتابعة ، لوح له من
بعيد ، لكنه لم يراه ، وضع إبهامه وسبابته تحت لسانه وأطلق صفارة أخرجت صاحبه من ذهوله
، تقدم إلى الأمام بعد أن نزل من عتبة الباب بتأن ولوح بيده .
بعد أن حياه أيوب
شكا إبراهيم إليه التعب والتوجع من طول الانتظار ، مضيا معا مجتازين زقاق المسجد المنفتح
على كورنيش المدينة عند ضفة نهر الكحلاء ، توقفا عند مسناية النهر كان ذلك لأيام مضت
من شهر أيلول ، ينظران إلى مياه النهر ، تغريهما موجاته المتدافعة التي راحت تتجمع
تباعا عند حافته وتصطدم بشاطئه من جراء نسيمات الرياح الشرقية المحملة بالرطوبة ، والتي
تلامس جسديهما ـ وهما لا يزالان في ثيابهما الصيفية ـ أحسا بلفحة برد خفيفة ، قبل أسابيع
كانا في هذا المكان ينتظران أصحابهم ليكونوا مجموعة تتألف من ( يحيى وإبراهيم ويونس
و احمد وكريم ) يودعون ثيابهم عند أسس المسناية ويعبرون نهر الكحلاء إلى الضفة الأخرى
، كان يونس الوحيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق