العدد السادس
لسنة 2015
شعر اللانداي
.. الاحتجاج الدفين بالخلاص ..
قصيدة – حب لو
يكتمل– للشاعرة الأفغانية ناديا إنجمان
عدنان أبو أندلس
إن المعاناة التي
تمظهرت بالحسرة من خلال حرف التمني – لو – في عنونة القصيدة، فكأنها تقول – لو إكتمل
هذا الحب، لتغيرت أشياءً كثيرة، ربما هو – حب لم يكتمل - بطريقة العنف الذي أزاحهُ
وهو في الدفقة الأولى من القلب، هكذا بدأت الشاعرة الافغانية ناديا انجمان التعبير
بأحاسيسها الجوانية نتيجة العنف الذي طالها في ظل حكم قبلي، ناتج عن انغلاق منافذ التحرر
من سيطرتهِ، فكان له من التهميش والاستغلال من قبل الذكر لاحتباسها قهرياً، هذا الشعور
تنامى إلى حدّ الإختناق بذاكرتها أينما وجدت، لذا تكالبت عليها أنظمة الأسرة والقبيلة
والحكم في المجتمع الذكوري المتسلط، هذا الذي يلغي وجودها كلياً وكأنها لم تخلق إلا
للجسد فقط. هذه الإرهاصات ولدت فيها قوة إنفجارية هائلة رغم عواطفها الفوارة برفق
– اللينة –المرهفة- فإستبدلت ذلك التشنج الغائر بأعماقها بوسيلة للتسلي كي تنسى ما
لحق بها من حيف ألا وهو شعراللانداي – ذلك التعبير الجمالي النسائي والتي تعلن عنه
بوحاً لتعبر عما يخالج شعورها الدفين – أي أن المرأة الأفغانية المخنوقة قبل بنات جنسها
من دول الجوار. ولكثر مضايقتها حتى عبرت بتذوق صادق عن تناقضات رسخت بذاكرتها كل يوم
إلى أن أطلقت صرختها بوجه الطغاة – الرجل – زوجها الذي تنفر منه وفق دفقات الشعور المتلازم
أبداً بصيغة قصيرة تسمى – اللانداي –أي المختصر – القصير في لغة البشتو وكما هو معروف
أنه شعر شعبي نسائي خالص يشبه إلى حد ما بمعناه وضرباتهِ الموحية وما يشابههُ عندنا
شعبياً- الشعر الدرامي :
بأعلى صوتها الصّافي
بأعلى صوتها “ناهد
“
نهوضاً، يا أخياتي
تراب ُ الأرض يطلبنا
فهل يبقى قاعد؟
!
أخواتي، تحزمنَ
بالأوشحة وتقدمنَ للمذبحة
ولشّدة ماتقاسي
لحظتها هذه المرأة وعلى لسان الشاعرة، كانت حالة الإختناق تلازمها في مجتمع قاسي وقهري
جعلها وبتكرار متواصل – بأعلى صوتها – فالصوت عند المرأة نوع من الاستغاثة لخطر يداهمها
رسوخاً بفضيحة – هي الفتاة الشاعرة “ناهد“ تلك الصيحة كانت بوجه محارب أفغاني أعتنق
أيدلوجية مخالفة للعرف هناك، مما حدا بالأخير، إلا أن يطلق الرصاص عليها وأرداها قتيلة
في الحال، كونها قد وبختهُ وطعنت برجولتهِ قائلة له: دعنا نحمل السلاح – فنحن النساء
نجيد فن الدفاع عن الوطن – خذ خماري وأعطني سلاحك، لذا أرثتها الشاعرة المعنفة فيما
بعد الشاعرة “ناديا“ بهذه القصيدة – حب لو يكتمل – عن شعر اللانداي المنوه عنهُ، هي
الأخرى ذهبت ضحية شعرها من قبل زوجها – ذلك العنف الذي دوى ضد معمورة الكبح الانثوي
الصادق – شعر اللانداي إنهُ شعر غزل بحقيقته الأولى لكنهُ لتغيير الحال إتجه نحو منحنى
آخر عبر مشاعر إحتجاجية ضد التسلط والقسوة التي تطال المرأة، ولم يكن مختصراً على الغزل
والتمني والإنتشاء بالجسد المخملي – نعم الأُنثى كونها هي الوحيدة الخانعة في أتون
الصراع المحتدم قهرياً، نعم هي الوحيدة المستهدفة من شريعة وفتاوى وأقوال في بلدٍ يسودهُ
الفقر والجهل والتخلف والتهميش – فمستهل المقطع المنساب يشحذ الهمم – بأعلى صوتها
– فمفردة – أخياتي مثلاً للمناداة الحميمة الصادقة بنخوة كبح الضيم – تراب الأرض –
أعز ما نملكهُ – تحزمن بالأوشحة – جلد عريض مرصع بالجواهر تشد المرأة وسطها للزينة
– لكن المبتغى بعيداً- إن جد الجد – فيصبح ناتج القوة بالتحضير الأولي – عزيمة المرأة
للقتال، بعيداً عن البوح والخلوة بسريتها التامة:
في أرض بلادي المسبية
قطرات دم الشّهداء
زنابق حمر لربيع الحرية
وماذا بوسعكَ غير
القتال لهذا البلد؟
أو تكون إذا شئتَ
عبداً لعبد
حقاً إنها بلاد
مسبية لإجتياحها من قبل محتل، أو أنها منسية لكثر ما تبرقعت بالسواد وتوشحت بغبار الزمن
الرديء، فدمرت حضارتها وبنيت على أنقاض وأسلاب الماضي، فأضحت تلائم عقول أرادت هكذا
رؤيا لها، فما يزيح هذه اللثامات، إلا دماء الشهداء التي تنير مناخاً خانقاً معتماً
سوداوياً، فالحرية المنشودة – المشهودة بيضاء لإنارة ناصعة بالدماء الحُرة، هكذا كان
إعلان الحرب والتمرد على القهر والإستسلاب الجمعي، فماذا بوسع الإنسان القادر على التغيير
بأية وسيلة أو واسطة للتعبير، فكان شعر اللانداي خير معبر لهذا الحدث، ناهيك عن صفتهِ
الاُنثوية الملتصقة به كشعر نسائي بإمتياز.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق