العدد3و4 لسنة 2016
الشاعر حسين عبدالله الساعدي طائر العشق الحزين ..
بقلم : الأستاذ مزهر حبيب .
ولد الشاعر حسين عبدا لله في منطقة الصالحية وسط بغداد في تموز /1945
والصالحية حي من أحياء بغداد تمتاز بكثافة أشجارها وتحيط بها الخضرة من كل جانب. فتح شاعرنا عينيه على جمالها وصفائها ،والتي تحيط بها طيبة أهلها.
منذ أشهر وانا أتابع ما ينشر عن شاعرنا ألساعدي وكم بحثت عن مصادر استفاد منها لكني لم اعثر الاما نشر على صفحته في" الفيس بوك "وما نشره ولده الأستاذ الشاعر والناقد علاء الأديب.الذي دفعني للكتابة عن هذا الشاعر هو حبي له ولتعريف اغلب الأصدقاء الذين لا يعرفون الساعدي .لما تفرد به من غرابة الهواجس التي تعتريه. لو القينا نظرة سريعة إلى قصائده الشعرية وخواطره نجدها متعددة الجوانب لقد كتب في الغزل والرثاء والانتماء للوطن . فلقد حمل شاعرنا الهم بقلبه هم الوطن والإنسان _الوجود والعدم _الحب والكره .
انه شاعر ينتمي لجيل العمالقة الذي منحونا كل شيء ولم يأخذوا أي شيء
منحونا جهدهم الفكري ،من تجديد وإبداع وأساليب مبتكرة وقدموها لنا هدية بلا مقابل .
الشاعر ألساعدي
********
إن ألساعدي( رحمه الله ) يحمل براءة الطفولة وعاشق مفتون بالحياة والمرأة
والوطن ،كذلك يمتلك حكمة الشيوخ لأنه خبر الحياة فلقد كان داعية ورجل سلام يدعو للمحبة والوئام بين أبناء المجتمع فيقول:_
كُنْ محباً..كن ودوداً ..كن لطيفْ
إن وجه الأرض فضّ ومخيفْ
ومن محبته للسلام ومحبته لجميع الأديان والطوائف كان يشارك الجميع في مواسم الأعياد والأفراح والأحزان فهو يزور الكنيسة ويلقي قصائده بمدح السيد المسيح (ع) في أعياد الميلاد ويقول في احدي قصائده:
أنا في نومي شاهدت يسوع
لامس الجرح فخانتني الدموع
قد تشوقت كثيرا للقاه
وأراه اليوم في نومي أراه
حاملا كل هموم البشرية
حاضرا بالحب في كل قضية
فيصفق له الحضور بفرح غامر ولا عجب في ذلك فهو صديق الكنيسة وصديق القلوب النقية التي لا تعرف الحقد أو الكره...
وكذلك يعشق الحسين ويبكي لذكراه ويتعلق بأسوار ضريحه ويندبه ويهيم به عشقا ويعتبر هذا البكاء تطهيرا للنفس من أدران الدنيا .تعلق قلبه بالأمام الحسين منذ طفولته ، وجد والده يبكي وراح يسأل والده لماذا تبكي يا أبي؟ويجيب الوالد بكل عفوية .. انه الحسين يا ولدي فمنذ تلك اللحظة انغرس حب الحسين في قلبه فيقول :--
فعولٌ فعولٌ فعولٌ فعول
تُحب الحياة كبار العقول
ففيهم تعبر فيهم تقول
وهذا الحسين فماذا أقول
حلمت بأني بباب الحسين
بكيت بعينٍ فرحت بعين
---------------
العاشق
*****
يتضح لنا من خلال قصائده الغزلية الرقيقة قد كان شاعرنا عاشقا من الطراز الأول
ولم لا فهو الذي يمتلك من الوسامة يستطيع بها الدخول إلى قلوب العذارى فهي جواز سفره ويمتلك من الشاعرية ورهافة الحس تؤهلانه إلى الولوج لعالم النساء الساحر فيقول لإحداهن
عيناك مهرجان .... ففيهما تمتزج الألوان
حفل هنا ...حفل ثان
تهت أنا سيدتي في زحمة الألوان
-------
ولم الدهشة ألم أقل انه شاعر مرهف ألأحاسيس والمشاعر الجياشة ويتغزل بأخرى وهي تبعده بدلال بتمنع الأنثى فيقول :-
خرجت من باب حديقتها
من باب الزنبق والزهر
والشمس تغازل مفرقها
وتذوب النسمة بالعطر
ودنوت إليها أنبئها
بهيام الشاعر بالبدر
قالت والحسن بها يغري
دعني يا شاعر في أمري
وعندما يمضي العمر بشاعرنا ويشاهد حب هذه الأيام يترحم على تلك الفترة :-
من الزمن الجميل فيقول
أي حبًّ؟ زَمَنُ الأشواق مات
كان فينا يوم كنا
نحن عشاق الحياة
ويلقي باللائمة على حواء فهي سبب البلوى وهي سبب إفشاء سر الحب المقدس فيقول :-
رغم إن السحر في حواء بلوى
أنا ما أظهرت للحب شكوى
أنا أهوى الحب لكن لست أهوى
أن يذيع الحب سري
بغداد والشاعر
**********
ومن لا يعشق بغداد فهي الحضارة والتاريخ العريق ، أنها ألف ليلة وليلة،إنها الساحرة التي تغري عشاقها وتمنحهم وتبيح لهم
مفاتنها والحب الذي يحلمون به وما أجمل ما يقول شاعرنا ألساعدي في وصف بغداد :-
بغداد في وقت السحر
عروسةٌ نائمةٌ
يلفها القمر
بغداد قبلة العشاق وقبلة أهل العلم والزائرين لها يجدونها عروسة دجلة .بغداد هي الكاظم والشيخ عبد القادر الكيلاني وابي حنيفة النعمان وهي المتنبي وأبي نؤاس . فشاعرنا يغار من كل العشاق الذين يحبون بغداد كغيرته على حبيبته فيقول :-
بغداد يا حبيبتي ....كم شاعر مغوار
يرسم منك لوحة..... ويكثر الأشعار
رديه يا حبيبتي.......فغيرتي من نار
قولي لهم بأنني ..... فارسك المغوار
وانك لن تسمعي..... من غيري الأشعار
يا له من عاشق ,وهنيئا لك بغداد بهذا العاشق وفارس الأحلام الذي قتلته الغيرة انه المفتون بك والهائم بسحرك العجيب فلقد تصور كل فاتنة هي بغداد فيقول
وعشت في شوقي إلى بغداد
أخال كل امرأة بغداد
فأنثر الأشعار في طريقها
وأنثر الأوراد
دنيا الشاعر
*********
كانت الدنيا كتابا ....
فانمحت منه السطور
فإذا بالأمس ذكرى ...
وقبور بنيت فوق القبور
يجلس شاعرنا ويتذكر تلك الأيام الخوالي أيام النقاء والصفاء وراحة البال أيام الفتوة والشباب يستذكر كل اللحظات التي عاشها يتساءل أين ذهبت واختفت
وقد يسأل سائل لم تغيرت حياة الشاعر بهذه السرعة انه المرض (السكر) الذي
حل بجسده الرقيق وبدأ هذا المرض يستفحل حتى شعر شاعرنا بنهاية الأجل
وأخذ ينظر إلى حياته الجديدة فيرثي أيامه ويقول :
ها هي الأيام تمضي ....ما بها شيء جديد
إن يومي مثل أمسي ...... مثل تاريخي البعيد
أنا لا اذكر يومــــــــــا ....... كان لي يوما سعيد
أنا لا اعــــــرف عيدا ......... كان في الأيام عيد
كنت بالأمس حزينا ....... وأنا اليوم شهيد
بدأ ينظر لنفسه نظرة جديدة ،يحدق في مرآة روحه فيعتريه الحزن وتتفجر بداخله الآلام فيسخر من قدره ويقول :
ليس هذا شكلي
ليس هذا أنا.... وليس هذا اسمي
تزوجت ولم أتزوج .... أنجبت ولم أنجب
أحببت ألف مرة .... ولم أعثر عليها بعد
أنا لا شيء أحيانا ...وأنا كل شيء في أكثر الأحيان
أنا الحزن في قلب الأحزان
بكيت كثيرا بلا دموع .... وفرحت كثيرا
ولم أضحك يوما ..مت ألف مرة
ولكن روحي لم تمت يوما
ويستمر شاعرنا باستذكار آلامه فتبدأ الرحلة مع الألم رحلة النهاية .
يتألم شاعرنا ألساعدي ويتألم من حوله فيبكون لأنهم لا يستطيعون عمل شيء لمساعدة وإنقاذ والدهم الحبيب ويصرخ شاعرنا صرخة بوجه الألم فيقول
لا سامح الله الألم ..... يسكن في أصابع القدم
فالسكر الملعون ....... الماكـــــــــــــــــــر المأفون
قد جاء في الخفاء ...... من عالم الشقــــــــاء
وحط في القدم .......... النـــــــــــــــــار والألم
يا قمر السماء ........... هذا هــــــــــو الجزاء
جزاء كل طيب ............. شيء من البلاء
فنحن في امتحان
ويشتد المرض وتشتد الهموم ويتخيل الذين مروا في حياته والذين رحلوا . أخذ
يسترجع ما قدمه لحياة الآخرة وها هي الأيام تجري مسرعة لا تتوقف عقارب الساعة الزمن فيستل ورقة من أوراقه المتناثرة ويدون عليها أوجاعه وبرغم الوضع الصحي الذي لا يساعده على الوقوف نجده يدعو للحب
بعد أيام سنمضي
بعد أيام شهور أو سنين
كلنا للحق يوما سوف نمضي عائدين
فلماذا نزرع الشوك بدرب الغابرين
كلنا لله نمضي راجعين فلماذا لا نلين
ونصب الحب صبا في قلوب الآخرين
فيكتب وصيته وهو بكامل وعيه فوصيته بمشاعر حزينة لا يكتبها إلا متصوف زاهد في الحياة وفي الدنيا فيكتبها بلغة شعرية حزينة تجعل قارئها تتساقط الدموع من عينيه
الوصية
****
عند موتي لا تقيموا الفاتحة
لا بكاء لا صراخا لا دموعا جارحة
إن يوم الموت يوم الأنعتاق
وخروج الروح منه الانطلاق
فرحة الأعراس للطير المسافر
نحن لا نقبر في ترب المقابر
فافرحوا لي واخلعوا ثوب السواد
لا تكونوا يوم عرسي في حداد
والبسوا أحلى الثياب الزاهية
أنا لا أرضى بعينٍ باكية
نلتقي الخالق في يوم الرحيل
ولقاء الرب حلو وجميل
إن هذه الوصية لحن جنائزي مهيب يا لروحه الطاهرة العذبة النقية الصافية صفاء دجلة والفرات إن أي إنسان في مثل حالته لا يستطيع أن يفكر إلا في نفسه وشاعرنا يشعر بالآخرين ويحثهم إلى المضي في حياتهم وبحذرهم الركون إلى الأحزان وعندما عرف انه يعيش الساعات الأخيرة من حياته
عد العدة للرحيل لنقرأ ما يقول
أنا أعددت شراعي للرحيل
أنا أمضيت هنا وقتا طويل
فأرفع المرساة يا موتي الجميل
فبقائي بات أمرا مستحيل
فلقد انتقل إلى رحمة الله فحر يوم 2011/4/19 في مستشفى الكاظمية ببغداد وكان معه ولده الشاعر علاء الأديب الذي شارك والده لحظات النزاع الأخيرة .بعد أن سمع آخر تغريدة لبلابل الصباح من شباك غرفته بالمستشفى وآخر أذان فجر في حياته.
ودعه الأصدقاء والأحباب بدموع ساخنة ودع الدنيا بقلب أبيض
للشاعر ديوان صدر عن دار الكتب والوثائق العراقية بالرقم 1477 لسنة 2014
تحت عنوان (السفر النفيس) وقد جمع الديوان ولداه الشاعر والناقد علاء الأديب والمحامي احمد حسين.
رحم الله الفقيد واسكنه فسيح جناته. ...شاعر كبير
ردحذفرحم الله الفقيد واسكنه فسيح جناته. ...شاعر كبير
ردحذف