العدد 6 لسنة 2016
شذرات من السيرة النبوية المعطرة
بقلم د فالح الكيلاني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله :
تغيرت الاحوال الفكرية والنفسية للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كلما تقدم به العمر وخاصة في السنوات الثلاث قبل ان يبلغ الاربعين اذ اشتد به القلق وهو يرى قومه يعبدون الاصنام في الكعبة المشرفة اذ لم يسجد لصنم منها واخذ يرغب بالخلوة والانقطاع لنفسه والتفكر فيما يراهم يعملون ولا يقره وبدأ يفكر في قرارة نفسه بايجاد سبيل لذلك. و تزداد هذه الرغبة كلما تقدمت به السن . فأخذ بالخلوة والتفكر فيه ثم أخذ ت خلوته تطول عندما ناء وخلى بنفسه في غار حراء في قمة جبل عال على بعد ميلين عن مكة - وقد وقفنا والحمد لله تحت اقدام هذا الجبل- لعدم استطاعتي الصعود اليه في هذا العمر – ويسمى الان ب (جبل النور ) وشاهدنا مكان الغار فيه وهو با رتفاع شاهق وقد قرأت من صفاته ان الغار يقع بجنب قمته اسفل منها ولا يمكن الدخول اليه الا بالصعود الى القمة والنزول من القمة اليه وطوله اربعة امتار بعرض مقداره متر ونصف المتر تقريبا .
وكان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في السنوات الثلاث قبل مبعثه يتعبد في هذا الغار على دين ابراهيم الخليل عليه السلام – دين التوحيد ويخلو فيه - في كل سنة شهر واحد - في رمضان - ثم ينصرف الى بيته. وكانت تبدأ عليه الرؤيا من نومه فكانت رؤياه صحيحة .
فلما اكمل الاربعين من العمر بدأت تباشير النبوة تظهر عليه فبينما كان يتعبد في غار( حراء) في شهر رمضان من هذا العام نزل عليه الملك جبريل عليه السلام فقد جاء في الاثر ان الرسول الكريم لما جاء الملك اليه فقال له:
- اقرأ
- قال: ما انا بقارئ –
فاخذه فغطه حتى أجهده ثم أرسله مرتين ثم قال له:
- ( اقرأ باسم ربك الذي خلق.* خلق الانسان من علق .* اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم * علم الانسان ما لم يعلم *) سورة العلق 1-5. فكان هذا بداية نزول الوحي عليه بالقران الكريم وهذه اول الايات النازلة الى الارض .
فرجع الرسول صلى الله عليه وسلم الى بيته مرتجفا خائفا فدخل على زوجته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وهو يقول :
--زملوني زملوني .
فزملته حتى ذهب روعه و استقرت نفسه الشريفة فقص عليها ما حدث اليه فاخذته الى ابن عمها ( ورقة بن نوفل) فقص عليه القصص فبشره ( ورقة ) بالنبوة .
وكان ذلك في اواخر شهر رمضان المبارك قال تعالى :
( شهر رمضان الذي انزل فيه القران للناس وبينات من الهدى والفرقان ) البقرة الاية \ 185
وفي ليلة من افضل لياليه . قال تعالى :
( انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منزلين*فيها يفرق كل امر حكيم * امرا من عندنا انا كنا مرسلين * رحمة من ربك انه هو السميع العليم* ) الدخان الايات \ 3-6
فبوركت هذه الليلة فهي ليلة مباركة وبورك الشهر الذي فيه هذه الليلة فقيل شهر -رمضان المبارك - وسميت هذه الليلة ب (ليلة القدر) قال تعالى:
( انا انزلناه في ليلة القدر.* وما ادراك ما ليلة القدر.* ليلة القدر خير من الف شهر.* تنزل الملائكة والروح فيها باذن ربهم من كل امر.* سلام هي حتى مطلع الفجر.*) سورة القدر كاملة
وفيها يؤكد الله سبحانه وتعالى وبصيغة الجمع وهي صيغة تدل على عظمة الله تعالى وقدرته ان الله تعالى انزل القران الكريم في ليلة القدر وهي ليلة مباركة باركها الله تعالى بنزول القران الكريم وباركها بان جعلها احدى ليالي شهر رمضان المبار ك وهذا الشهر باركه فيها ولأجلها وباركها بأن فضلها على كل ليالي الاشهر والسنين فجعلها خير من الف شهر وباركها ايضا حيث فيها تكتب ارزاق العباد وآجالهم وامور اخرى ذكرها علماء التفسير وقد سميت ليلة القدر بمعنى ليلة الشرف او ليلة التعظيم و التقدير تقدر فيها الامور المستقلبية للانسان وغيره من المخلوقات وقيل ان امور كل سنة من السنين تقدر في هذه الليلة المباركة.
و روي ان شخصا من بني اسرائيل حمل سلاحه في سبيل الله الف شهر وكسب الاجر العظيم فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتعجب من ذلك وتمنى ذلك الاجر لأمته فقال:
– (يارب جعلت امتي اقصر الامم اعمارا وأقلهم اعمالا ) –
فاعطاه الله تعالى له ولأمته هذه الليلة ( ليلة القدر) فهي خالصة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم باقية فيهم الى يوم القيامة .
انزل فيها القران الكريم من اللوح المحفوظ في السماء السابعة الى بيت العزة في السماء الدنيا جملة واحدة في ليلة القدر ثم انزله جبريل عليه السلام ايات ايات منجما على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من يوم مبعثه الى يوم وفاته وانها ليلة شريفة ازدانت بشرفها ليالي رمضا ن المبارك وانها ليلة تتنقل بين الليالي في رمضان فقد تكون في اوله وقد تكون في اخره.
وقد ذكر علماء الحديث ورجا ل الصحاح منهم احمد والبخاري ومسلم والترمذي رضي الله عنهم جميعا نقلا عن عائشة ام المؤمنين رضي الله عنها ان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال:
( تحروا ليلة القدر في العشر الاواخر من رمضان وانها في وتر)
فحسم الامر انها قد تكون في ليلة 21 او 23 او 25 و27 او 29 من رمضان وانها في ابهام من هذه الليالي لترغيب المسلمين في احياء ليالي رمضان المبارك كلها في سبيل الظفر بها لأن عبادتها خير من الف شهر أي ما يعادل ثلاث وثمانين سنة .
ونقل صاحب الطريقة الطحاوية في كتاب( حواشي الدر المختار) عن بعض علماء الشافعية ان افضل الليالي ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليلة القدر ثم ليلة الاسراء والمعراج ثم ليلة عرفة ثم ليلة الجمعة ثم ليلة النصف من شعبان ثم ليلة العيد .
وقد وجدت في بعض الكتب ان هذه الليلة المباركة كانت ليلة الاثنين الحادي والعشرين من رمضان المبارك يقابله اليوم العاشر من شهر ا ب ( أغسطس ) من سنة\ 610 م والله تعالى اعلم .
ومضت ايام بعد هذه الليلة ولم ينزل الوحي و فيها هدء روعه وسكنت نفسيته وارتاحت سريرته وكان خلالها في استمرارية التعبد في غار (حراء ) حتى اذا كان اليوم الاول من شوال أي بعد تسعة ايام من نزول الوحي على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم اول مرة وبينما كان الحبيب المصطفى ينزل من غار( حراء) الى الوادي . ويتحدث الرسول الكريم عن هذه الحالة عن نفسه الشريفة فيقول:
- ( فلما استبطنت الوادي – نوديت فنظرت عن يميني فلم ار شيئا ونظرت عن شمالي فلم ار شيئا ونظرت امامي فلم ار شيئا ونظرت خلفي فلم ار شيئا فرفعت راسي فرايت شيئا فاذا الملك جاءني جالس على كرسي بين السماء والارض فجئشت منه رعبا حتى هويت الى الارض فاتيت خديجة فقلت: زملوني زملوني دثروني وصبوا علي ماء باردا )
فدثروه وصبوا عليه ماءا باردا فنزلت هذه الايات:
( يا أيها المدثر* قم فانذر* وربك فكبر * وثيابك فطهر* والرجز فاهجر*ولا تمنن تستكثر * ولربك فاصبر*) المدثر الايات\1-7
وهذه الايات - من خلال دراستها وتفسيرها- كانت اول بداية الامر بالدعوة الى عبادة الله تعالى وتحذر الناس من عذاب الله في حالة استمرارهم في عبادة الاصنام والاوثان .
فقام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالدعوة الى الله تعالى سرا اذ ان قومه كانوا يعبدون الاصنام والاوثان جفاة وانهم كانوا يعبدون ما عبد آباؤهم من قبل وكانوا يشعرون بالانفة والعزة والمكابرة ولا يذلون لشيء واغلب مشاكلهم يحلونها بالسيف والقتال وهذا خلاف ما جاء به الاسلام اوجاء به محمد صلى الله عليه وسلم لذا بدأ بالدعوة للاسلام من يعرف انه من ذوي الخير وحب الحق وتطمئن اليه نفسه الشريفة ويبدا با هله وذويه واصدقائه واقاربه . فاسلمت زوجته خديجة بنت خويلد فكانت اول المسلمين ثم امن به ابو بكر الصديق وهو الصديق الودود و الحميم اليه وامن به علي بن ابي طالب وهو ابن عمه وكان في بيته وبكفالته ثم امن به زيد بن حارثة وزيد بن حارثة كان يسمى زيد بن محمد وذلك ان زيدا لما كان طفلا صغيرا اسر او سرق وبيع في ايام الجاهلية فاشتراه حكيم بن حزام . ثم وهبه الى عمته خديجة بنت خويلد فلما تزوجها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وهبته اليه.
ولما جاء والده وعمه يبحث عنه ويرجوه الى يعيده لهما . دعا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم زيدا وخيره بين ذهابه مع ابيه وعمه وبين بقائه عنده فاختار بقاءه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عندئذ اخذ الحبيب المصطفى بيد زيد وذهب الى الملا من قريش وقال لهم : اشهدوا ان هذا زيد هو ابني وارثا وموروثا فدعته قريش – زيد بن محمد - فكان رابع من ا من بالرسول الكريم واعلن اسلامه وكان هؤلاء قد اعلنوا اسلامهم يوم واحد .
ثم اصبحوا يدا مساعدة للنبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة سرا الى الاسلام وخاصة ابو بكر الصديق فاسلم عدد من رجال قريش منهم ( عثمان بن عفان . عبد الرحمن بن عوف. الزبير بن العوام . طلحة بن عبيد الله . سعد بن ابي وقاص . ابو عبيدة الجراح . الارقم بن ابي الارقم . ابو سلمة بن عبد الاسد وزوجته وغيرهم كثير ) وكان هؤلاء هم الرعيل الاول من المسلمين .
وبقي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ثلاث سنوات دعوته للاسلام سرية ولم يجهر بها الا ان دعوته صارت معلومة لدي القرشيين في مكة ولم تكن معارضتهم لها ذات اهمية لكون الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم خلال هذه الفترة لم يتعرض لمعتقادتهم الدينية ولم يتحدث عن آلهتهم واصنامهم الا انه اصبح له اصحاب صالحين وطيبين واشداء من قريش ومن غيرها ومن بينهم من هو خيرة رجالها مثل ابو بكر الصديق وعثمان بن عفان الاموي و الزبير بن العوام وغيرهم .
وهذه الحالة تدلل على صبر الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم مستمدا ذلك الصبر من كلام الله تعالى الذي نزل عليه . ( ولربك فاصبر ) . المدثر \ 7
اميرالبيــــــــــــــان العربي
د فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق