بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 19 يوليو 2019

مجلة المرفأ الأخير العدد السادس لسنة 2019 أدباء منسيون من بلادي / الجزء الثالث الحلقة الثامنة رائد الرواية العربية في العراق / محمود أحمد السيد علاء الأديب


مجلة المرفأ الأخير

العدد السادس لسنة  2019

أدباء منسيون من بلادي / الجزء الثالث
 
الحلقة الثامنة
 
رائد الرواية العربية في العراق / محمود أحمد السيد

 علاء الأديب








التقديم /
...............
من المؤسف حقا أن يسبق النسيان الذاكرة إلى علم من أعلام الحركة الأدبية في العراق .تلك الشخصيّة التي وضعت اللبنة الأولى للرواية والقصة العراقية وأن يمرّ كر تلك الشخصيّة مرور الكرام بين الحين والحين إن سنح ذلك من خلال الإحتفاء بذكرى وفاته .
لقد عاش محمود أحمد السيد صراعا مريرا مع المتناقضات التي زامنها وأرهقته كثيرا أحوال العراق المضطربة آنذاك ومابين الأستعمار والتخلف ظلّ حائرا بين أن يتحدث بلغة لايفهمها الناس لجهلهم أم يتحدث مايفهم الخاصة منهم . وما كان ذلك إلاّ أن أتى على نصوصه الأولى سلبا والتي رآها أغلب النقاد بأنها كانت بدايات سقيمة لأهداف سامية هذا إضافة لعدم رضاه هو شخصيا عنها .
فألزمه ذلك بأن يترك الكتابة لفترة لتقييم الأمور كما ينبغي. وعاد ليكتب جديدا مخلدا إلى يومنا هذا.
لم يحظ من وطنه كغيره من أغلب أدباء العراق وعمالقته على قبر يحوي جسده فما أن ذهب الى القاهرة للأستشفاء حتى وافته المنيّة هناك ..فدفن في ذات المقبرة التي دفن بها قبله علم من أعلام العراق في الشعر ألا وهو الشاعر الكبير عبد المحسن الكاظمي رحمه الله.
نرجو أن يكون ماجمعناه في هذا البحث سببا في استعادة ذكرى أديبنا المرحوم محمود أحمد السيد رحمه الله وأحسن مثواه ..ومن الله التوفيق.

علاء الأديب .


الولادة :
.............
ولد محمود بن أحمد بن عبد الفتاح بن عبد الحميد بن إبراهيم آل وريّد،‌ في بغداد يوم 14 مارس 1903 ونشأ في جو ديني إذ ينتمي إلى أسرة دينية. كان أبوه مدرساً بجامع الحيدرخانة وإماماً لجامع الشيخ عبد القادر الكيلاني وكان جدّه من رجال الدين أيضا. وقد درس محمود أحمد في المدرسة السلطانية. تخرّج سنة 1918 فعيّن في دائرة الري بالهندية، لكنه لم يلبث أن ترك عمله بعد أشهر وسافر إلى الهند في 1919 وأمضى فيها سنة واحدة.



العودة إلى بغداد :
..............................
عاد إلى بغداد في‌ يوليو 1920 وأخذ بالكتابة في جريدة الشرق. ثم أقبل على تحرير المقالات والنبذ والقصص و نشر كتاباته في الصحف كجريدة العراق والعالم العربي والاستقلال ومجلة اليقين والمصباح والصحيفة والمعرض والحديث والحاصد إلخ .



حياته الوظيفيّة :
...........................
عيّن كاتبا في وزارة الداخلية في ديسمبر 1920. ونقل مديراً لتحرير لواء الديوانية في نوفمبر 1923 وعاد إلى بغداد مديراً للتحرير في أمانة العاصمة في سبتمبر 1923. وأصبح بعد ذلك سكرتيراً للبلديات في وزارة الداخلية في‌ يونيو 1931 ثم سكرتيراً لمجلس النواب في مارس 1933 حتى وفاته.
 


مؤلفاته
.........
في سبيل الزواج: 1921.
مصير الضعفاء:‌ 1922.
النكبات: 1922.
السّهام المتقابلة: مع عوني بكر صدقي، 1922
هياكل الجهل: 1923.
القلم المكسور: 1923.
جلال خالد: 1928.
الطلائع: 1929
في ساع من الزمن: 1935.
وله آثار أخرى نشرت في الصحف والمجلات منها: عندما تغرب الشمس وسواها من القصص المنقولة عن التركية .



حسين الرحال وتأثيره الفكري على محمود أحمد السيد :
...................................................................
(حسين الرحال ) رائد الفكر التقدمي في العـــراق . عـاد من ألمانيا ،حاملا معه العلوم التي تعلمها في ثانوية ألمانية في برلين حيث استفاد من تجربة شيوعيي(سبارتيكوس بند ) الذين أقاموا متاريسهم في شوارع المدينة عام 1919. ويعد الرحال أول ماركسي في العراق حيث قرأ كتاب لينــين (الاستعمار أعلى مراحل الرأسمالية ) و(الدولة والثورة) وصحيفة (اللومانتيه) وجرائد أخرى منها (كابيه دي بولشفيك) وقرأ شعر( ناظم حكمـت ) وروّج الفكر الاشتراكي من خلال إقناع صاحب المكتبة العصرية (محمود حلمي) باستيراد النشرات الاشتراكية .
وقد أعجب محمود أحمد السيد بالرحال من اللقاء الأول عندما سمعه صدفة يناقش قضيــة فلسفية عميقة " كل شعور يأتي من الدماغ إلى الحواس فهو كاذب ، وكل حس يصدر من الحواس إلى الدماغ حس صادق " وبواسطة الحواس يتعرف الإنسان على الأشياء الموجودة موضوعياً خارج دائرة دماغ الإنسان وهي إجابة على سؤال الفلسفة الأساسي الذي جعل محمود أحمد السيد ينحو منحاً مغايراً عـــن الأفكار والتي استقاها من جامع (الحيدرخانه) حيث نشأ وترعــرع .
لقد جمعت الرجلين أكثر من وشيجة فهما من جيل واحد حيث ولدا عام (1903) ولكن لم يلتق السيد بالرحال إلا عندما بلغ العشرين من عمره .



علي جواد الطاهر أول من أشار الى ريادة السيد للقصة العراقية :
...................................................................................
كتب الأستاذ شكيب كاظم في جريدة الزمان عن هذا الموضوع قائلا :
قرأت مقالة عنوانها (محمود أحمد السيد رائد القصة الحديثة في العراق), نشرت في عدد نيسان / 1969 من مجلة (الآداب) البيروتية, كتبها أستاذي الدكتور علي جواد الطاهر, يوم كان يعمل في جامعة الرياض وكأن هذه المقالة, والقسم الثاني منها الذي نشرته المجلة في الشهر التالي, تمهيد لنشر الدار ذاتها الكتاب الذي أوقفه أستاذنا الطاهر لدراسة المنجز الإبداعي والريادي للسيد وعنوانه ( محمود احمد السيد رائد القصة الحديثة في العراق) الكتاب الذي سنعود لدراسته بوصفه جزءاً من مفردات المنهج المقرر على طلبة كلية الآداب حين انتظمنا للدرس فيها بداية عقد السبعين من القرن العشرين .

وبهذا يكون للطاهر الفضل الأول في دراسة ريادة السيد للقصة العراقية الحديثة, تلته الدراسة الأكاديمية للدكتور عبد الإله أحمد وعنوانها (نشأة القصة وتطورها في العراق 1908-1939) هذا المبدع الذي تخرمه الموت سراعاً, وأنك لتعجب من هذا الإصرار على الكتابة, ومواصلة الحرث في أرض بكر, على الرغم من مشاغل الحياة والوظيفة واعتلال الصحة وكثرة المثبطات, إذ قوبلت كتاباته الأولى بالهزء والسخرية, في مجتمع لا يعرف النجومية, إذ كتب في مقدمته لرواية (مصير الضعفاء) الصــــــــــــــــادرة عام . 1922 طالما كانت تشوقني نفسي إلى كتابة الروايات ولكني كنت أتردد وأحْجُمُ لما في الأمر من صعوبة, استشرتُ هذا وذاك فلم أجد أحداً يشجعني على الكتابة بهذا الموضوع, ولم آلفْ رجلاً يشير علي بشيء سوى الكفِ عنه وتركه بتاتاً, وذلك لأنهم استصغروا شأني وحسبوا أن لن أقدر عليه .
هذه الآراء المثبطة تركت ظلالها القاسية على نفسية محمود أحمد السيد فجعلته يكاد يبرأ من هذا الذي كتبه في البدايات واعني روايته (في سبيل الزواج) ). 1921ومصير الضعفاء) ومجموعته القصصية (النكبات) حتى توقف عن كتابة القصة أو الرواية, وبدأ بكتابة المقال الفكري, ومن المؤسف ان الكثير من الكتاب يَسْتخِفُهُمْ الطرب, بما كتبوا, فيبادرون إلى نشر هذه البدايات, التي ما عادت تمثلهم لقد نقد محمود أحمد ذاته, وإبداعه وعده سخيفاً, قائلا:
آه, ليت الظروف كانت تفهم, فتكسر يدي قبل أن اكتب تلك الروايات الغرامية الفاسدة الثلاث, السخيفة, التي أعدها لطخة عار في حياتي وحياة الأدب .



محمود أحمد السيد يتنكر لكتاباته الأولى :
....................................................

تنكر محمود أحمد السيد لكتاباته الأولى وبراءته منها فقد رفض فكرة للدكتور سهيل إدريس صاحب مجلة (الآداب) ودار (الآداب) للنشر ببيروت يوم قرر سنة 2000 إعادة طبع مجموعاته القصصية الثلاث ( أشواق) و(نيران وثلوج), و(كلهن نساء) المنشورات تباعاً في النصف الثاني من عقد الأربعين من القرن العشرين لأنه لم يشعر بعدم الرضا عنهن .


محمود أحمد السيد يتوقف عن الكتابة :
...................................................

توقف محمود أحمد السيد عدة سنوات عن كتابة القصص, أمضاها بالقراءة الجادة باللغتين العربية والتركية التي كان مجيدا بها . فضلاً عن تأثيرات ثلة أصحابه التي يقف حسين الرحال على رأسها إلى جانب عوني بكر صدقي ومصطفى علي, الذي سيكون أول وزير للعدل في العهد الجمهوري.



السيد يقرأ القصص ويكتب عنها النقد :
................................................
كلفه الصحفي الرائد روفائيل بطي الذي كان يتولى رئاسة تحرير جريدة (البلاد) بقراءة ما يرد إلى الجريدة من قصص وكتابة نقد عنها, ومن يرجع إلى الثبت الذي أعده الباحث الكبير الدكتور عبد الإله أحمد – رحمه الله- للقصص والروايات المنشورة في الصحف والمجلات العراقية في السنوات الثلاثين الأولى من القرن العشرين, في كتابيه (نشأة القصة وتطورها في العراق) و(في الأدب القصصي ونقده), يلمس عظم المسؤولية الأدبية والثقافية الملقاة على عاتقه, أن تقرأ وتدرس هذا الكم الوفير من القصص .




هكذا ولدت رواية {جلال خالد}
.......................................
هذه المراجعة للذات, أنتجت روايته, أو قصته المطّولة أو الطويلة (جلال خالد) التي نشرها 1928 واضعين في الحسبان, عدم تبلور المصطلح النقدي لفن السرد لدى محمود احمد, أردفها بمجموعته القصصية الأخرى (في ساع من الزمن) وقبل أن يتولى علي جواد الطاهر والباحث الدقيق عبد الإله احمد نشر الأعمال الكاملة لمحمود أحمد السيد عام 1978 ووضعها بين أيدي الدارسين والقارئين.



المذهب الواقعي قي قصص محمود أحمد السيد:
.......................................................
اتبع “محمود أحمد السيد” في قصصه المذهب الواقعي الذي يسلط الضوء على المجتمع العراقي في العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين، ذلك المجتمع الذي يمّر بطور الانتقال والتحوّل ويضيق بالتناقضات والترسبّات القديمة .



البداية التجريبية المتواصلة للقصة والرواية في العراق :
.....................................................................

يقول “د. صبيح الجابر” في مقالة له بعنوان (محمود أحمد السيد.. بين الإبداع التجاوزي والفكر الواقعي النقدي): “إن الفن القصصي بجنسيه (القصة والرواية) بدأ في العراق بداية تجريبية متواصلة، وكفوءة على يد محمود أحمد السيد عام 1921، وعلى خلفية الحرب العالمية الأولى، ونتائجها، وبعد مضي ثلاث سنوات على إخماد نيرانها المدمرة، وكانت البداية لهذا الفن، تأريخية، وليست فنية متكاملة. قد تكون بدأت بدون مقدمات نظرية أو فنية- أدبية، وبدون منهجية فكرية أو أدبية واضحة، ولذلك شهدت عثرات كثيرة.. فتح محمود أحمد السيد عينيه، وعقله، على واقع فكري، وأدبي راكد ومتخلف أيام الحرب العالمية الأولى، وما تمخض عنها من نتائج، وكان ماشبّ عليه السيد، وتعلمه لا يلبي طموحاته وتطلعاته، الفكرية والأدبية، التي تجاوزت محيطه، فقد كان السيد أبناً لأمام جامع الحيدر خانه، وكان جل ما تعلمه لا يتعدى علوم الدين والفقه واللغة العربية، والأدب الشعري والنثري، والحكايات الشفوية والمكتوبة، الشائعة والمنتشرة، في وقت نشطت فيه ماكنة الطباعة، التي راحت تنشر الكتاب، والمجلة والصحيفة، وفي وقت غزت فيه الأفكار الجديدة، والإبداعات الأدبية والفلسفية والسياسية بعض البيئات الثقافية، في مدن العراق، وخاصة العاصمة بغداد، حينذاك كان السيد أكثر أقرانه، وأبناء جيله حساسية إزاء ثقافة عصره، وكان يمتلك روحاً متوثبة، وساخطة، ورافضة ومتمردة.. في الوقت ذاته، كان هذا الفتى ممتلئا بالسائد التقليدي، كثقافة الحكايات، وأدب الخيال، المعتمد أصلا على بعض الخرافات، كما كان أسير العادات والتقاليد التي ما عادت تنسجم مع تطلعات السيد، وأفكاره الطموحة. وقد كشف في السنة الثانية، بعد صدور (في سبيل الزواج عام 1921) وفي مجموعة (النكبات) كشف طبيعة ذلك الخطاب السائد، وحاول أن يعرضه على القارئ بشكله المهلهل، وبفقر موضوعه وسذاجته .


القصة أداة للإصلاح بنظر محمود أحمد السيد :
............................................................

يبدو أن محمود أحمد السيد كان يرى من خلال ممارسة فعل كتابة الرواية والقصة، تحقيق هدف سام كان يسعى إليه، وأن الغرض الأساسي من هذا الجنس الأدبي، هو أنه وسيلة يخاطب من خلالها جمهرة القراء بأفكاره وآرائه الإصلاحية شأنها في ذلك شأن المقالة الصحفية، والخطبة الوعظية، أي أنه”أراد من القصص أن تكون أداة إصلاح”.. يتضح أن المرحلة الثانية من حياة السيد الأدبية كانت قد انطلقت من مرجعية جديدة، تعتمد على الواقعية النقدية. وقد أنتجت هذه المرحلة أفضل ما كتبه السيد، فنياً وفكرياً وأدبياً، وتمخضت عن إصدار قصة (جلال خالد) عام 1928، ومجموعة (الطلائع) عام 1929، ومجموعة (في ساع من الزمن) عام 1935، فضلاً عن عديد المقالات الصحفية، التي نشرها السيد في هذه المرحلة في الصحف والمجلات العراقية والعربية. إلا أن وفاته المبكرة في عام 1937، اختصرت حياته الأدبية، وهو لم يتجاوز بعد الثامنة والثلاثين من عمره القصير .


محمود أحمد السيد لم ينل من حقه في العناية شيئا:
..................................................................

يقول الكاتب “علي جواد الطاهر” في مقالة بعنوان (محمود أحمد السيد.. والقصة في العراق): “من أعلام الأدب العراقي الحديث، لم ينل حقه من العناية، لذا، وجب خصه بدراسة جامعة تلتزم أصول البحث الحديث في الجمع والاستقصاء والمناقشة وإذا ادعى أنه (هاو)، فإن ذلك تواضع وقول تمليه ظروف طارئة، فما هكذا يكون (الهاوي) ومن شأن الهاوي أن يستمتع أو يقلد دون أن ينتج أو يدون والإنتاج والإبداع وليدا الجد والمثابرة والموهبة.. فهو كاتب شعبي، حتى قال يوما: نحن الشعب، وهو كاتب مبكر في خدمة الشعب والعمل على الارتقاء به إلى مصاف البشر.. ولو انسجم محمود أحمد تمام الانسجام مع آرائه، ولم يبد عليه تناقض بين القول والعمل، لكان توفيقه كبيرا في الأنواع الأدبية التي زاولها، أكبر كثيرا مما حقق وبات فيه أهلا للإعجاب والتقدير .


محمود أحمد السيد رائدا للقصة ومؤسسا للأشتراكية التقدميّة :
..............................................................................

يقول الباحث “رفعت عبد الرزاق”: ” تميز محمود أحمد السيد بميزتين الأولى كونه رائد القصة العراقية كما وصفه أكثر من أستاذ وناقد، والثانية أنه أحد مؤسسي التكتل الاشتراكي والتقدمي.. وذكر المؤرخون أنه التقى في الهند بأحد المفكرين الاشتراكيين وتأثر به ولما عاد للعراق كان المؤسس الأول للحلقة الاشتراكية التقدمية، وهذه الحلقة كتب عنها الشيء الكثير، وكان أعضاؤها من الكبار الذين لهم أثر في المشهد الثقافي والسياسي العراقي أمثال فتاح إبراهيم، وسليم فتاح، وعوني بكر صدقي، وغيرهم الكثيرين .


الحديث عن محمود أحمد السيد حديث عن التنوير المعرفي :
.............................................................................
ويقول الكاتب “د. عامر حسن الفياض”: “الحديث عن محمود أحمد السيد واستحضاره ليس استحضاراً لشخص بل لموضوع النهضة والتنوير في الحقل المعرفي العراقي لاسيما الأدب والمعرفة والسياسة، فبهذا الرعيل التنويري والمعرفي نتلمس الطعم اللذيذ للمعارف.. الذي يريد أن يكتب عن النهضة والتنوير لا يستطيع تجاهل السيد، فهو واحد من الجيل الأول للمثقفين العراقيين حيث بذرت بذور الفكر الثقافي وقد أينعت هذه البذور عن جماعتين الأولى جماعة الآلي والثانية لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار.. لا نستطيع أن ندعي أن الفكر التقدمي كان له وزن ثقيل في تاريخ العراق، لكن كان هنالك حضوره وقوته الذي نلتمسه من خلال ردود فعل سلبية قاسية على هذا الفكر.. علينا أن نؤكد حقيقة أني قبل أن أكتب عن السيد وجماعته كان المرحوم عبد اللطيف الراوي وعلي جواد الطاهر كتبا عن الاشتراكية في الأدب العراقي، ومن خلال ما أشارا إليه كتبا الكثير عن السيد وجماعته. شهد الاشتراكيون والاشتراكية فكرا وشخوصا ردود فعل قاسية، وهذا يعني أن وجود هذا الفكر وجود طاغٍ، فالسيد ساهم بكل مظاهر التجديد في بدايات وبواكير الفكر السياسي العراقي الحديث، ومظاهر التجديد كانت واضحة من خلال الدعوة لفكرة الجمهورية من خلال تأثره بتوفيق الخالدي.. إننا نلتمس تجديد السيد كذلك من خلال دعوته لتحرير المرأة، حيث كان له مساهمة فاعلة لأنه مظهر من مظاهر التجديد وهذا تبين من خلال أول كتاب للسيد “في سبيل الزواج” يتحدث عن مظلومية المرأة، وكذلك موضوعة الحرية الفكرية، حيث أثارها في كتبه.. يكاد أن يكون السيد رائد المظاهر الواقعية الاجتماعية في الأدب العراقي، حيث نعته صديقه عبد الوهاب الأمين بأنه القاص العراقي الأول في كتابه مع الكتب وعليها.



السيد يشتم نفسه عن كتاباته الأولى :
.....................................................

يقول الناقد “د. شجاع العاني”: “رغم أن هنالك من كتب القصص قبله إلا أنه حاز لقب “رائد القصة بجدارة”، إن السيد لجأ للاغتراب المكاني من خلال قصصه، وروايتيه فنجد أن أحداثها تمت خارج البلاد، وقد قسم السيد نتاجه إلى مرحلتين فرواياته الأولى، هو الذي شتم نفسه عليها وقال “ليتني لم أكتب هذه القصص التي كانت لطخة عار في جبيني” ويبدو أنه كان متأثرا في ذلك الوقت بقصص الرومانس الغربي، التي تحمل من الخيال مالا حدود له.. إن المرحلة الثانية من نتاجات السيد الأدبية كانت أكثر وعيا فنيا وفكريا، وكانت ريادة السيد في القصة ريادة فكرية وفنية، وهذا ما نلمسه في رواية “جلال خالد” التي كانت ملخص رواية ولم يكن للسيد استعداد نفسي لكتابة رواية مطولة، ولو أردنا شخصا يكتب برنامجا سياسيا لكتب جلال خالد لأنها ناقشت موضوعات اقتصادية واجتماعية وسياسية.. كل القصص التي كتبها السيد في بداياته كانت مصادرها من أقوال الناس السائدة، وكأن مادة قصص السيد من هذه الموضوعات، أما في المرحلة الثانية فقد تحول وكانت قصة “بداي الفايز “واقعية حديثة، حيث أسست لمذهب جديد في الفن والأدب وكانت ناضجة فنيا، وتظهر دوافعها بشكل فني جيد، كما أنها تؤكد على نزعة إنسانية، بذلك نجد أن وعي السيد جاء مع تطور تياراته .



محمود أحمد السيد والدفاع عن الكادحين :
...........................................................

في مقالة بعنوان (محمود أحمد السيد ودوره البارز في الدفاع عن العمال والكادحين) يقول الكاتب “نوزت الدهوكي”: “محمود أحمد السيد اسم لامع من أسماء اليقظة الفكرية والنهضة الأدبية في تاريخ العراق الحديث ولكنه أهمل كما أهمل كثير من هؤلاء. فلم تعطهم المؤسسات الثقافية العراقية مما يستحقون من اهتمام، ولم تنشر نتاجاتهم إلا استثناء.. كان السيد نموذجا للمثقف الذي يعاني من صراع حاد بين ما يحمله من أفكار وبين الواقع الاجتماعي المتخلف ومع ذلك فقد كان رائدا، خلق تراثا زاخرا للأجيال التي جاءت بعده والأجيال الجديدة القادمة فهو أول القصاصين العراقيين ومن السابقين الأولين في ميدان النقد القصصي في العراق، ساهم من خلال إبداعه الأدبي ونشاطه الفكري والاجتماعي في إضافات هامة تعبر عن فترة العشرينيات والثلاثينيات الملتهبة من القرن الماضي..إن رحلته إلى الهند فتحت أمامه رؤى جديدة لشؤون الحياة المختلفة فشرع يعالج تلك الشؤون بمعالجات تتسم بالكثير من الحماس والاندفاع. وبعد فترة قصيرة من عودته إلى بغداد في عام 1920 أخذت الأوضاع البائسة للفئات الكادحة تجلب أنظاره عندما بدأ يتلمس طريقه إلى الفكر الاشتراكي بتأثير مباشر هذه المرة من أفكار صديقه خالد الرحال مؤسس الحلقة الدراسية الماركسية الأولى في العراق، فبدأ يعبر عن آلامها ومشاكلها في قصصه التي تعود لتلك الفترة، وعلى الرغم من تعلق محمود أحمد السيد بالأفكار اليسارية إلا أن تعلقه بتلك الأفكار كان تعلقا ضبابيا غير متكامل على رأي الكثير من الماركسيين الأوائل فلم يكن لانجذابه لتلك الأفكار أية خاصية فكرية لذلك يمكن القول بأنه كان يسارياً عاطفيا رومانسياً.. وقد اشترك في إلقاء المحاضرات العمالية الصرفة التي كانت تعالج مواضيع تخص العمال ومشاكلهم على أعضاء الجمعيات العمالية التي كانت جميعها تحمل أسماء حرفية محضة كجمعية تعاون الحلاقين وجمعية عمال المطابع العراقية وجمعية عمال الميكانيك العراقية وجمعية أصحاب الصنائع وغيرها من الجمعيات.. لقد لعب محمود أحمد السيد دورا بارزا في بلورة الوعي العمالي وتطويره وفي بث الثقة في نفوس العمال ضد مستغليهم، وتأييد ظهور الجمعيات العمالية والحرفية في البلاد، وذلك من خلال اتصاله المباشر بعدد من قادة هذه الجمعيات وعن طريق الكلمات التي كان يلقيها في ندواتها والمقالات التي ينشرها في صحفها أو غيرها.


محمود أحمد السيد والواقع الفكري الراكد :
........................................................

فتح محمود أحمد السيد عينيه، وعقله، على واقع فكري، وأدبي راكد ومتخلف أيام الحرب العالمية الأولى، وما تمخض عنها من نتائج، وكان ماشبّ عليه السيد، وتعلمه لايلبي طموحاته وتطلعاته، الفكرية والأدبية، التي تجاوزت محيطه، فقد كان السيد أبناً لأمام جامع الحيدر خانه، وكان جل ما تعلمه لايتعدى علوم الدين والفقه واللغة العربية، والأدب الشعري والنثري، والحكايات الشفوية والمكتوبة، الشائعة والمنتشرة، في وقت نشطت فيه ماكنة الطباعة، التي راحت تنشر الكتاب، والمجلة والصحيفة، وفي وقت غزت فيه الأفكار الجديدة، والأبداعات الأدبية والفلسفية والسياسية بعض البيئات الثقافية، في مدن العراق، وخاصة العاصمة بغداد، حينذاك كان السيد أكثر أقرانه، وأبناء جيله حساسية ازاء ثقافة عصره، وكان يمتلك روحاً متوثبة، وساخطة، ورافضة ومتمردة.


الساند التقليدي وفقر الموضوعات الأولى عند السيد :
...................................................................
كان محمود ممتلئاً بالسائد التقليدي، كثقافة الحكايات، وأدب الخيال، المعتمد أصلاً على بعض الخرافات، كما كان اًسير العادات والتقاليد التي ما عادت تنسجم مع تطلعاته ، وأفكاره الطموحة. وقد كشف في السنة الثانية، بعد صدور(في سبيل الزواج عام 1921م) وفي مجموعة(النكبات) كشف طبيعة ذلك الخطاب السائد، وحاول أن يعرضه على القارئ بشكله المهلهل، وبفقر موضوعه وسذاجته .


السيد يصنف الكتّاب العراقيين في { السهام المتقابلة }:
.......................................................................

وقد ذكر السيد في(السهام المتقابلة) وتحديداً في الرسالة الثانية المعنونة(المجتمع والكتاّب) تصنيفاً للكتاب العراقيين، وقال:”أولئك على فريقين:فريق أغرته الدنيا بزخرفها، فأدهشه الاصفر الرنان، بصولته، فوهب كل ما عزَّ في حياته في سبيل الحصول على أمنية، فهو معذور في ما يكتب، وغيرمسؤول عما يقول، لانه طوع إرادة أرباب المال، وأسير إحسانهم.
وفريق أضّلته الخرافات، وحالت بينه وبين الحقائق الأباطيل، فهو لايريد أن يكتب الا ما يكون موافقاً لمشارب أبناء القرن الأول للهجرة.
فما ذكره السيد هنا، عبارة عن تشخيص نقدي لعلل اجتماعية، وأخلاقية، وسياسية قد أصيب بها بعض الكتاّب، وهي في وعي السيد تنمُّ عن صراع، وجدل ساخن بين ما يراه في الواقع، وبين رؤيته وتطلعاته لما يجب أن يكون عليه الخطاب الأدبي، والاجتماعي والديني والسياسي، وبالتالي، فهو صراع بين القديم الراسخ والجديد المتحرك(الديناميكي) الذي يعاني مخاضات عسيرة.



الشعب أميّ يجب أن يتعلن ألألف باء :
................................................
وفي موضوعات(مكتبة الشبيبة) وفي حديثه عن(أدب اليوم) نراه ينتقد بألم وحرقة مجمل الواقع الثقافي، والخطاب الأدبي، ويقول:”ظهرت الجرائد، واذا في صدر كل واحدة منها قصيدة خيالية لشاعر قديم أو أنشودة تصويرية لشاعر جديد(...) ويضيف: انعقدت النوادي، وأسست المحافل، وأذا على كرسي كل واحد منها شاعر متحمس يلقي قصيدة وطنية، ربما كانت-إن لم أخطئ التخمين- أطول قليلاً من يوم الجوع.
ويختتم بالقول: كفى كفى، كفانا هذا فلنفيق. إن الشعب أميّ يجب أن يتعلم الألف باء، إن الشعب جاهل يحتاج العلم الصحيح، وأن الشعب جائع أيضاً يريد خبزاً، وانتم تقدمون له فاكهة، وفاكهة في غير أوانها .


 

السيد يشخصص العلل وينتقد المجتمع :
.......................................................

وفي موضوع(الحكمة العجوز) نجد السيد ينتقد المجتمع بألم وحرقة، ويناشده قائلاً :
“اذا كان في نيتكم ياقوم أن لاتنهضوا، فاهدموا بنائكم القديم وأقيموا بعده صرح نهضتكم الجديدة، التي ترغبون.”
ونراه في الوقت ذاته يشخص العلل وينتقدها، ويشير الى العلاج:”السبب الأكبر، بل العامل الوحيد في ذلك، هو لأن الفساد لم يحدث قبل ساعة حتى يزول بساعة، ولكنه قد كان حادثاً منذ عصور، فأخذ مكانه من دماغ الشعب، وحل محله من نفوس الناس أجمعين”.



العراق بين الإستعمار والتخلف :
.....................................

إن ما كان يراه السيد سوى عالم عراقي واسع، شديد الضبابية والتخبط كان قد خرج للتو من حرب كونية، ووقع تحت هيمنة إستعمار جديد، لم يألفه من قبل، ولم يكن يسمع عنه شيئاً، خرج من تسلط عثماني متخلف، ووقع تحت تسلط غربي شديد العنجهية والجشع.. وبذلك انتصبت أمام السيد مهمتان أساسيتان :
الأولى: محاربة الأستعمار الجديد، والثانية، محاربة الجهل والتخلف والأمية، وذلك الكم الهائل من العادات والتقاليد البالية، المتراكمة على مدى سنين طويلة .
غير أن المهمة الأولى، قد حسمت بقيام الدولة العراقية الحديثة والموحدة. أما المهمة الثانية، فهي لاتقل خطورة عن المهمة الأولى، وهي التي شغلت بال السيد طيلة حياته، واستحوذت على جل جهده ووقته، ودفعته الى التصدي لها، ومحاربتها، بكل ما يملك من قوة وإرادة، وقد اختار السيد سلاح الكتابة لمحاربتها.(كتابة القصة والرواية والمقالة) وكان هدفه الأسمى إيقاظ المجتمع العراقي، ودفعه لتشخيص أمراضه وعلله بعقل ناقد ومفتوح، وأصلاح ما أمكن إصلاحه من خراب، وتوجيه المجتمع العراقي بأتجاه البناء التحتي المعقول(الدولة والاقتصاد وعلوم التقدم والتطور) والبناء الفوقي الوعي والأفكار والفنون والأداب والسياسة .



وفق السيد في خطابه الإعلامي الصحفي وأخفق في أدائه الأدبي
..............................................................................
إن السيد عندما استخدم الخطاب الأعلامي- الصحفي، والفن القصصي، كان بحاجة إلى أن يمتلك شروطهما الفنية، ومقوماتها الفكرية الضرورية، فاذا قلنا بأن السيد قد نجح في خطابه الأعلامي-الصحفي، رغم اندفاعه العاطفي وضعت أداته الفكرية، الا أنه لم يوفق في أدائه الأدبي، الذي يحتاج من الشروط الفنية والفكرية الشيء الكثير، خاصة في تلك المرحلة من تاريخ العراق الثقافي في عشرينيات القرن الماضي .



بدايات ساذجة لأهداف طموحة
......................................
إنطلقت بدايات تجربة السيد القصصية والروائية من خلال اصداره رواية(في سبيل الزواج) عام 1921م، ورواية(مصير الضعفاء) عام 1922م، ومجموعة(النكبات) القصصية عام 1922م، وهي بدايات محكومة بطبيعة الظروف التأريخية والثقافية، وبطبيعة مستوى التفكير والوعي النقدي السائدين أنذاك .
ولماّ كنا ندرك طبيعة هذه الظروف، فلاغرابة من أن يأتي حكم الدكتور علي جواد الطاهر، والدكتور عبد الاله أحمد على هذه البدايات، بأعتبارها بدايات ساذجة.



شهادة المفكر حسين الرحال بالسيد :
..................................................

شهادة المفكر حسين الرحال، الصديق الحميم للسيد، التي جاءت في مقدمة رواية(في سبيل الزواج) كشفت بجلاء طبيعة العلاقة المقطوعة بين الفن القصصي الجديد، وقت ذاك، والمثقفين العراقيين، ونظرة الجفاء والتجاهل التامين، لهذا الفن، اذ كتب الرحال يقول:” ومما يؤسف له، أن قطرنا قطر العراق ليس له نصيب مما ذكرناه أبداً(يقصد الفن القصصي) فالمهذبون عندنا يكتفون بقراءة ما يردهم من التأليف والروايات الافرنجية أو العربية، المصرية أو السورية، ولم يلتفت أحد منهم الى تقليد الافرنج أو المصريين أو السوريين .
إن هذا الحكم، الصادر عن أبرز المفكرين العراقيين يؤكد خلو البيئة العراقية من هذا الجنس الأدبي، ذي النظريات العالمية النقدية، وخاصة خلوها من كتابات ابنائها في هذه المرحلة المبكرة من تاريخ العراق الحديث .



وفاته :
...............
قصد القاهرة للاستشفاء من مرض عضال ألمّ به فتوفّي بها في 10 ديسمبر 1937
ودفن في ذات المقبرة التي دفن بها الشاعر العراقي عبد المحسن الكاظمي رحمه الله.
رحم الله رائد القصة العراقية الأديب محمود أحمد السيد وأحسن مثواه
وإلى لقاء آخر من حلقات مسلسلنا { أدباء منسيون من بلادي}
أستودعكم الله.
علاء الأديب
تونس / نابل
15-7-2018



المصادر :
....................
× ويكبيديا الموسوعة الحرّة
× صحيفة مقاليا ..ابراهيم الزركاني
× جريدة الزمان
× صحيفة كتابات ..سماح عادل
× د. صبيح الجابر .. محمود أحمد السيد بين الأبداع التجاوزي والفكر الواقعي النقدي.
× صحيفة العربي الجديد.. جلال خالد": الرواية العراقية واستعجال المئوية .
× صحيفة المدى ..في ذكرى رحيل محمود أحمد السيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق