مجلة المرفأ الأخير
العدد السادس لسنة 2019
يوغا الخلاص
فؤاد حسن محمد
توغلت في التأمل عميقا، فاكتملت حواسي الخمسة ،وهربت من نطاق الجسد، كنت جائعا ، ركزت بعيني على الطاولة، فامتلأت بصحون وكاسات من بلور، مجرد رغبة صغيرة، وتمتلئ بفواكه فريدة وأخرى بأطايب الطعام، والكاسات امتلأت بأعتق الخمور، والى جانبها باقات من الريحان والاذريون، وشمعة وعلبة كبريت.
تبدو الحياة وهم مفتوح على مصراعيه، وفي ضوء الشمعة تنفتح أيضا درفتي العتمة على شرفة خشبية ، تطل على حديقة رائعة الجمال، تضيء النجوم بنورها فتاة امتزجت مع المنطر وأصبحت جزء منه.
فوق العشب الأخضر كارينا تمشي والطريق طويل ،تحيط بروحها طراوة العشق، وأنا حائر ، تتسارع نظراتي إليها بخوف، وعلى شعلة الرغبة تضطرب عيوني في غفلة من الزمن، ماذا أحدثت في كارينا، ماذا أعرف عنها ،سوى أنها راقصة ، علقت على قلبي ألف قبلة من عطور الهند، شعلة متوهجة في انتظار اللحظة ، لا يوجد حتى الآن غير الرغبة والأمل في ظهور كارينا بيننا،كنسيم الصبح المرتعش .
وأفكر أنني سأطير إلى كارينا، أفرد جناحي الصغيرين وأستأنف رسم الدوائر حول خصرها عندما تشرع بالرقص، وبين الفينة والأخرى أقترب من شفتيها وأقبلها، أصغي إلى الأرض التي ترن تحت ضارب القدم،وإلى ذبذبات سرتها التي كشفتها كي يباركها الله ،ويحررها من الإثم والحرام،ويطلق الجني المختبئ في داخلها.
هجست في سري:
- أي روح تسكنك يا كارينا
تلوت مثل الأفعى من الألم وهي تبوح بأسرار روحها،هامت، ذهبت في غيبوبة التخلص من صراع الحياة وحروبها، كنت أختلس النظر إليها بمائتي عين ، وأنا أضيق من حجب الحرام ،أن الرقص حرام، والحب حرام،والمرأة حرام، كي لا تجد طريق البوح.
بصفاء ووضوح كما لو يحصل ذلك الآن، وفي غمار تحديقي نحو كارينا، متأملا الساري المزركش بالزهور، وهي تطلق من عينيها المكحولتين نظرة متلألئة ،تخبرني فيها أنها غير مرتبطة،ثم وضعت سبابتها على شفتيها أي أكتم هذا السر، ذلك ما أدركته وأنا ما أزال غارق في دهشة الغرام ،مرتبك في إيماءاتها.
أشرق من فمها صوت لا تجود بمثله إلا السماء:
- قلبي طاهر كالماء
لن يخونك حتى في نومي
اليوم سأرقص لك
فلماذا لا تشاركني رؤية ربي
أخذتني في سرور غامر، غناء شق قلبي شقا،حلقت بروحي إلى عليين، وبلا التواء تردد في أرجاءي كلها التحرر من ربقة التصلب، ومع ذلك الدفق من الدماء الذي مازال يندفع أكثر مما ينبغي،ومن دون أدنى مؤشر للتوقف،بدأت أشعر واقعا، هاهنا في مكان من أعماق القلب ، أني رجل حقيقي، أصيل ،أحب أن أرقص نابذا خلفي جيناتي ومتخليا عنها.
كانت كارينا وهي لا تزال تتجاوز جسد الوقت،تتدحرج باتجاه النفس الأخير من خفقان هموم تبعثر خطاي في المجهول، يبدو وجهها أشد سمرة، وهي تخلع ساريها عنها وترميه في الهواء ، وتباركني في نظرة قدسية قبل أن تختفي.
فؤاد حسن محمد- جبلة -سوريا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق